على خشبة مسرح في العاصمة الفرنسية باريس، بدأت الدورة الأولى للموسم التاسع من "جمال كوميدي كلوب" (Jamel Comedy Club)، الذي شاهدنا فيه، كما في جميع المواسم السابقة، العديد من العروض الناجحة التي تُعالج مواضيع مختلفة، قام بأدائها ممثّلون جدد على الساحة الفنية.
"جمال كوميدي كلوب"، مسرح أسّسه الممثل الفرنسي المغربي الأصل جمال دبوز، في عاصمة الجن والملائكة عام 2006، حيث يستقبل عروض ممثلين جدد يمارسون فن "الستاند آب" (stand up)، وعلى كل ممثل أن يعرض فقرة "ستاند آب" تراوح مدتها ما بين خمس وثماني دقائق تتضمن أغاني أو "سيكتش" أو "سلام" (slam) يمزج ما بين الشعر والهيب هوب. يكون الحضور غالبًا جزءًا من العرض بتفاعله مع الفنان من خلال التصفيق والضحك والحوار المتبادل بينهم في بعض الأحيان. لهذا النادي الفضل الكبير على الكثير من الفنانين الذين باتوا من مشاهير الفن الفرنسي، من أمثال توما أنجيجول، فريدريك شو، نوال مدني، وبلانش.
اكتسب "الكوميدي كلوب"، بين المؤسسات الفنيّة الفرنسية، دورًا مميزًا ليس فقط في المجال الفني فحسب، بل وفي المجال السياسي أيضاً، بفضل الجهود الكبيرة التي بذلها الممثل جمال دبوز وأصدقاؤه، لفرض مشاركة جميع الفئات المكوّنة للمجتمع الفرنسي في هذه المؤسّسات.
بدأت هذه الجهود في التسعينيات من القرن الماضي، من خلال برامج متنوعة "سينما جمال" (Le cinema de Jamel)، "كلمات إيريك ورمزي"، (Les mots d’Eric et Ramzy)، حيث شهدنا لأول مرّة في تاريخ الكوميديا الفرنسية المتلفزة ممثلين من أصول أجنبية (غير أوروبية)، قادمين من الضواحي المهمّشة والأحياء "الساخنة" التي تعرف ارتفاعًا في معدّل الجريمة بالمدن الفرنسية. كانت هذه البرامج التي تبثّ أسبوعيًا عدّة دقائق تمنح الفرصة لهؤلاء للتحدّث عن حياتهم اليومية في الضواحي في إطار ما يسمى "سوب كلتور الضاحية" (Subculture de banlieue)، أي "الثقافة الخاصّة بالضاحية"، بوصفها ثقافة واسعة وغنيّة ومتجدّدة بشكلٍ دائم، وليس كثقافة فقيرة ومهمّشة كما يقال عنها عادة.
استطاع شباب الضاحية من خلال أصواتهم وممثليهم أن يخرجوا من وجهة النظر المانوية داخل المجتمع الفرنسي، إلا أنه بالرغم من هذا الإنجاز بقي دور هؤلاء الشباب هامشيًا، بسبب الأدوار الثانوية والمحدودة التي أسندها إليهم التلفزيون الفرنسي.
لذلك يعتبر انطلاق "الكوميدي كلوب" في 2006، بعد أزمة الضواحي في شمال باريس، وبفضل قانون الإعلام في عهد الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك، الذي شجّع على تمثيل الأقليّات في المؤسّسات الفرنسية، إنجازاً كبيراً من وجهة نظر فنية، لأنه يُعتبر من أولى المؤسسات المسرحية المتخصّصة في فن "الستاند آب" في فرنسا.
إن اختيار هذا النوع من العروض القادمة من الولايات المتحدة الأميركية ليس وليد الصدفة، إذ إنه يُعطي مساحة أكبر للتعبير والتفاعل على المسرح، حيث غيّر "مقهى المسرح"(Café-théâtre) ذلك التقليد الفرنسي الموجود سابقاً، لأن "الستاند آب" فنٌ مبنيٌّ على الحديث عن الحياة والخبرة الشخصية، ويمنح الممثل حرّية التنقل بين المواضيع السياسية والاجتماعية والدينية.
غالباً ما يقتصر الممثّل في بداية عرضه على مشكلة الانتماء إلى أصوله العرقية أو الدينية، سواء أكانت موجودة أم لا، أما خلال العرض فيتطرّق الفنان إلى مواضيع وقضايا مختلفة: حقوق المرأة، حقوق المثليين، الحرب ضد العنصرية.
نجح "جمال كوميدي كلوب" في تجاوز الصورة النمطية عن شباب الضاحية، وذلك بفضل تركيبته التعددية التي أتاحت للمجتمع الفرنسي الاطّلاع على تجارب فنانين مختلفي الهويّات. واعتبر فريق من الباحثين هذا التعدّد مسألة سياسية بامتياز، لأنها تحمل رسالة مختلفة تماماً عن الخطاب السياسي الشائع في فرنسا، حول فكرة الاندماج القائلة بأنه لا وجود لأيّة لغة أو هوية خارج الهوية الفرنسية، أمّا ما يحاول هؤلاء الشباب إظهاره فهو أنه لا توجد هوية فرنسية واحدة، وأنّ فرنسا نفسها لها ثقافات عديدة ومتنوّعة.
في مقابل ذلك، يعتبر فريق آخر أن ما حققه "جمال كوميدي كلوب" هو إنجاز محدود، كون الممثلين لا يناقشون فكرة سيطرة الإنسان الأبيض الرمزية والاقتصادية والسياسية على باقي مكوّنات الجمهورية (أصول غير أوروبية، ديانة غير مسيحية، النساء) بشكل أوضح وأوسع، شكّك هذا الفريق في قدرة فن "الستاند آب" على إنتاج خطابٍ سياسيِّ مهم.