يحتفل أكثر من 120 ألف كردي مقيم في لبنان منذ بدايات القرن الماضي بعيد النوروز. ويحافظ أكراد لبنان على احتفالات أجدادهم في كردستان من خلال حفلات الرقص والغناء في الأماكن المفتوحة، وإعداد المأكولات التقليدية والحلويات.
مع أول أيام الربيع، يحتفل الأكراد في لبنان بعيد النوروز القومي، في تقليد مستمر منذ بدايات القرن الماضي، تاريخ بدء توافد الأكراد إلى لبنان.
يحتفل الأكراد بالنوروز، باختلاف انتماءاتهم، وفقاً للعادات والتقاليد التي نقلها أجدادهم من مواطنهم الأصلية في كردستان التاريخية الممتدة بين تركيا وإيران والعراق وسورية.
يتحدث الحاج علي محمد شيخو (قدم إلى لبنان مع أهله عام 1938) لـ"العربي الجديد" عن "عيد كله فرح". هو عيد يجمع الأكراد في الهواء الطلق لاستعادة ذكرى "انتصار الحداد كاوا على الملك الفارسي الظالم أزديهاك".
وفي لبنان، ما زال شيخو وغيره من الأكراد ينقلون تلك التقاليد. ويقول: "كما أضفنا إليها عادات خاصة كعرض أفلام سينمائية كردية في الصالات. وهو تقليد توقف مع ازدياد أعداد الأكراد الذين قدموا من سورية إلى لبنان بحثاً عن حياة أفضل. فتحول هذا التقليد إلى عبء تنظيمي كبير".
تتميز احتفالات الأكراد في لبنان بالألوان الزاهية، التي يزينها علمهم القومي الأبيض والأحمر والأخضر والذهبي. وتقول وفاء السيدة الكردية المقيمة في لبنان: "في الاحتفالات تقدم فرق شبابية رقصة الدبكة التقليدية والأغاني الكردية". وتعدد وفاء أصناف المأكولات الكردية التي تحضّرها السيدات في المنازل، ليحملها الرجال في قدور كبيرة إلى مواقع الاحتفال في الروشة على شاطئ بيروت، أو في ملتقى النهرين في الشوف جنوب بيروت، أو في مدينة عاليه (900 متر عن سطح البحر شرق بيروت). وتتصدر الـ"كوتلك" (شبيهة بالكبة) والـ"شامبوريك" (معجنات محشوة باللحم أو الجبن) قائمة المأكولات، إلى جانب المشاوي والبرغل المطهو باللحم، والخراف المشوية بالفرن.
أما فرح الكردية الشابة فتتحدث عن الملابس الكردية التقليدية. وتقول: "نشتريها جاهزة، وتكون ملائمة للاحتفال بالنوروز ورقص الدبكة". ترحّب كلّ من وفاء وفرح بتزامن النوروز مع عيد الأم في لبنان "ما يجعل الاحتفالات متصلة وتمتد لعدة أيام".
من جهتهم، يحرص القيّمون على الجمعيات الكردية في لبنان التي تتنوع انتماءاتها بين فريقي 14 مارس/ آذار، و8 مارس/آذار، على إبعاد السياسة عن عيدهم. وإن كان تنظيم الاحتفالات ومواقعها يتم بناء لخيارات كل جمعية على حدة.
ويشير خالد عثمان، وهو طبيب أسنان يعتبر أحد الوجهاء الأكراد الذين أسسوا "الجمعية الكردية اللبنانية الخيرية" (عام 1964) إلى "الحرية التي منحتنا إياها السلطات اللبنانية للاحتفال بالعيد رغم عدم تحويله إلى عيد رسمي. وهو واقع معاكس لقمع السلطات التركية والسورية سابقاً لاحتفالات الأكراد". ويذكر عثمان أنّ "الأكراد السوريين كانوا يحتفلون بالعيد على نطاق ضيق في المنازل، ويستبدلون إيقاد النار في الأماكن العامة بإشعال الشموع داخل المنازل، لأنّ مصير من يحتفل بالنوروز كان السجن".
وينعكس واقع الأكراد في مختلف بلدان تواجدهم على أكراد لبنان عادة. ويشير عثمان إلى أنّ "امتناع الجمعيات عن الاحتفال عام 1984 بعد قمع النظام السوري لهبّة الأكراد في القامشلي". واليوم يتكرر السيناريو نفسه مع إعلان عدة جمعيات كردية عن تعليق احتفالاتها تضامناً مع أكراد سورية والعراق.
ومن هذا المنطلق، يقول رئيس حزب الولاء الكردي محمد عميرات إنّ أكراد لبنان يعيشون اليوم ذكرى العيد، وفي بالهم أكراد غيرهم من البلدان. ويشير إلى أنّهم، من جهتهم، قرروا تأجيل الاحتفالات التقليدية "نظراً للأوضاع الأمنية في لبنان، وتضامناً مع الشهداء والجرحى والأسرى الأكراد في كل من سورية والعراق".
كذلك، يساهم إغلاق السلطات اللبنانية لمنطقة الدالية - الروشة، على شاطئ البحر، تمهيداً لتحويلها من مساحة عامة مفتوحة إلى مشروع تجاري خاص، في سلب الأكراد المساحة التي لطالما شهدت احتفالاتهم السنوية بالعيد.
يشار إلى أنّ عدداً كبيراً من أكراد لبنان نال الجنسية عام 1994، بعد أن أمضوا عقوداً طويلة محرومين من تملّك العقارات أو الحصول على شهادات تعليمية رسمية، وغيرها من الحقوق.