اجتمع التاريخ بكل عبقه في قبو منزل الفلسطيني مروان شهوان بمدينة خان يونس جنوب قطاع غزة. هناك، حيث اتخذ مروان المكان متحفاً، تعكس مقتنياته جزءًا من تاريخ الشعب الفلسطيني وحضارته عبر العصور الماضية.
استمد مروان شهوان (49 عاماً) عشقه للآثار والقطع التاريخية من مهنته في أعمال الديكور الخشبية. بمتعة لا تضاهيها متعة، يستعرض مقتنياته الأثرية القديمة، التي عمل على مدار ثلاثين عاماً على جمعها واقتنائها.
داخل القبو، بمدينة خان يونس، يتكدس المكان بقرابة 10 آلاف قطعة أثرية مختلفة من الزخارف الهندسية النادرة، اليونانية، والرومانية، والفرعونية، والبيزنطية، والمملوكية، والعثمانية التي "شكلت السبع حضارات"، بحسب شهوان. وكذلك بمقتنيات أخرى من المدن الفلسطينية التي هُجّر منها الفلسطينيون على يدي المحتل الإسرائيلي عام 1948.
حكاية تاريخ
جمع شهوان كل ما أمكنه من قطع ولوحات أثرية عبر شرائها من الأسواق الفلسطينية وعن طريق الأصدقاء والأقارب، من مناطق مختلفة في القطاع الساحلي الصغير المحاذي للبحر المتوسط.
يعرف شهوان، الذي لم تمكنه ظروفه المادية من مواصلة تعليمه، تاريخ كل ما يحيط به من الأدوات والمصنوعات والمشغولات اليدوية والمقتنيات الأثرية، وكأنه يحفظ قصتها قطعة قطعة، من النشأة وحتى تاريخ وصولها إليه.
يشير إلى أن هدفه الأول كان المحافظة على جزء من تاريخ فلسطين، وكل ما كان لأهلها من تراث وآثار متنوعة مرت بها فلسطين عبر مراحل تاريخية طويلة. ففكرة المتحف، كما يقول، لمعت في ذهنه بعدما عكفت دولة الاحتلال على سرقة بعض الآثار وشراء قطع أثرية أخرى بأسعار خيالية في ثمانينيات القرن الماضي، لنسب هذه الآثار لنفسها، وتزييف التاريخ، وإيجاد ما يبرر وجودها على هذه الأرض.
آلة الزمن
يحاول شهوان الذي صمم ديكور المكان بالكامل، ليتناسب مع المقتنيات التاريخية، ترتيب محتوياته قدر المستطاع وفقاً لحقبتها التاريخية، ويدرس خططاً مستقبلية للنهوض بالمتحف "ليكون منارة تضيء الطريق للأجيال القادمة، وتتحدث بلغة التاريخ عن عراقة هذا المكان وأصحابه."
يشعر النازل إلى القبو بأنه دخل عبر "آلة الزمن" التي تعيده آلاف السنين، كما يصف شهوان، إلا أن المكان لا يرضيه، ويعلل ذلك قائلاً: "قيمة الآثار التي يحتويها أكبر بكثير من هذا المكان الصغير الضيق، ومكانها الحقيقي متحف وطني كبير تشرف عليه الدولة ويأتي إليه الزوار من داخل فلسطين وخارجها".
يضم المتحف قسمين أحدهما للتراث والآخر للآثار. في قسم الآثار هناك نسخة تاريخية نادرة من القرآن الكريم، وتزين مدخل القبو قطعة قديمة لسكة حديدية أنشأت في عهد السلطان عبد الحميد، في زمن الدولة العثمانية.
وخصصت زاوية المكان للوسائل القتالية القديمة التي تشمل طبول الحرب وقذائف المنجنيق الصخرية والرماح والسيوف والدروع، إضافة إلى أسلحة وصناديق رصاص تعود لفترة الانتداب البريطاني، بالإضافة إلى بعض الخناجر والسيوف العثمانية.
وهناك عدد من الواجهات التي تحتوي على العديد من العملات المعدنية والإكسسوارات التي تعود للعهدين البيزنطي والروماني. وفي قسم التراث يضم المتحف جناحاً خصص للتراث الفلسطيني وضعت فيه الملبوسات الفلسطينية القديمة وفرش وأثاث، إضافة إلى آلات العزف المستخدمة قديما لإحياء المناسبات والأعراس الشعبية، ومطاحن صخرية للقمح وأحواض غطس للأطفال ومسامير حديدية طويلة كانت تستخدم في صناعة السفن والمراكب، وقطع برونزية ونحاسية كثيرة.
إرث وطني
يوضح شهوان أن القطع التاريخية التي يضمها متحفه لا تقدر بثمن، وأن المبالغ الطائلة التي دفعها منذ بداية مشروعه الخاص لإشباع شغفه الذي لا ينتهي استنزفت ميزانية أسرته. رغم ذلك، يعتبر هذا الأمر "غير مهم" إذا ما قورن بما تمثله المعروضات من تاريخ حقيقي يعتبره رصيداً يعتز ويفتخر به، وإرثاً فلسطينياً سيتركه لأطفاله.
في مساحة لا تتعدى 160 متراً مربعاً، لا يستطيع شهوان استقبال وفود كبيرة أو رحلات مدرسية لضيق المكان. كذلك يتميز المكان بعدم توافر الإمكانات من حماية زجاجية للحفاظ على القطع الصغيرة، وممرات خاصة بالزائرين.
شارك شهوان في العديد من المعارض المحلية التي نظمتها وزارة السياحة والآثار، وحصل على العديد من شهادات التكريم لحرصه على حفظ التراث الفلسطيني من الاندثار، ويطمح للمشاركة في معارض عالمية بالآثار الفلسطينية المتواجدة في متحفه.
يؤكد شهوان أن الفلسطينيين أثبتوا عبر التاريخ تمسكهم بتراثهم وماضيهم. يقول: "ما فعلته ما هو إلا سجل حقيقي للتاريخ، لا يقبل مجالاً للتشكيك فيه، لتأكيد ارتباط الفلسطيني بأرضه، ففلسطين التي نحملها معنا أينما ذهبنا، هي واقع راسخ في عقولنا وقلوبنا، نعبر عنها بأفعالنا وتصرفاتنا".
وقد ذاع صيت المتحف، وأصبح محط أنظار الكثيرين الذين يتوافدون لزيارته والإطلاع على محتوياته القيمة من أكثر من مكان، إلا انه بقي يعاني من إهمال رسمي، وكل حلم شهوان أن يجد مكاناً يليق بـ "كنزه الأثري" ويقيه من التلف.