"قلوب رحيمة" في طنجة: مياه وطعام وملابس للمشرّدين

26 مايو 2015
كان المشرّدون في انتظارهم (فرانس برس)
+ الخط -

مع انتهاء فصل الشتاء وقدوم الصيف، نظّم فريق جمعية "القلوب الرحيمة" الليلة التضامنية الأخيرة في شوارع طنجة. وكالعادة، كانَ عشرات المشردين في انتظارهم. حدثَ ذلك قبل نحو أسبوعين. بدأت الجولة من حيّ كازابارطا. زار الفريق بيت عبد النبي الذي ما زال صامداً. مرّ بمشرّدين في الراشدية كانوا نائمين خارج مسجد، وصولاً إلى شارع محمد الخامس وساحة إبريل.

كانَ عبد النبي قد تعرّض لرشق بمادة حارقة أفقدته بصره، هو الذي أصرّ على رفض الخروج من بيته، علماً أن عشرات المنازل المجاورة كانت قد هدمت. في السياق، يقول عبد الله بهوم، أحد أعضاء الفريق: "نساعد عبد النبي منذ نحو ثلاث سنوات. قدمنا له فراشاً جديداً وثياباً، كما أننا نعتني به. تطوّع البعض لإجراء عملية لعينيه، قبل أن يتبيّن أنه لا أمل له بالشفاء". يضيف: "نتابع الآن قضيته ونحاول إقناعه بتقديم شكوى مجدداً لمقاضاة الجناة".

بدوره، يقول عبد النبي، لـ"العربي الجديد": "أعيشُ هنا منذ عام 1976. هدموا بيتي وبقيت لي هذه الغرفة. تعرضت لهجوم في منتصف الليل. أعرف المذنب لكنني صامد في غرفتي ولن أسلّمها لإحدى المافيات العقارية". بعدما اطمأنّ الفريق على عبد النبي، توجه إلى شارع محمد الخامس (البوليفار)، ليجد حسن نائماً من دون أغطية. منذ خمس سنوات وهو ينام في زاوية أحد المباني. يوضح بهوم أن "حسن يعيش هنا، ويساعده أهل الحيّ"، مضيفاً: "يقال إنه جاءت امرأة من الرباط وتركته هنا، فيما يعتقد آخرون أنه من تطوان. نشرنا صورته على فيسبوك علّنا نجد عائلته. قدمت امرأة ظنت أنه ابنها، لكن للأسف لم يكن هو".

بدورها، تقول رئيسة الجمعية، حسناء أزواغ: "في أحد الأيام، أعطيناه ورقةً وقلماً، فكتب الله أكبر وابتسم. لم يكتب اسمه أبداً. في مرة أخرى، أخبرنا أنه كان يدرّس اللغة الفرنسية". قدّم الفريق لحسن كوباً من القهوة الساخن وبعض الطعام. بدلوا ملابسه وأعطوه غطاءً. أيضاً، قدموا طعاماً وملابس لعجوز، واطمأنّوا إلى صحتها.

تحكي أزواغ عن بداية جولات الفريق. تقول إن "قلوب الرحمة تأسّست قبلَ ثلاث سنوات. جاءت الفكرة عندما كنا نرى أناساً ينامون في الأزقة ويأكلون من القمامة، فارتأينا جمع الطعام الفائض من البيوت وتقديمه للمحتاجين". تضيف أن "المشروع يهدف إلى تسليط الضوء على حاجة المتشردين لمراكز إيواء حفاظاً على كرامتهم. التقينا أشخاصاً كانوا أطباء وأساتذة وأصبحوا يعانون من أمراض ذهنية، ووجدوا أنفسهم في الشارع. من بين المتشردين أطفال خرجوا من منازلهم بسبب العنف الأسري، أو لرغبتهم في الهجرة إلى أوروبا. إلا أن كثيرين يتعرضون للاغتصاب أو يدمنون على المخدرات في الشوارع". تضيف أن "المشكلة تزداد سوءاً، علماً أن طنجة تفتقر لمراكز الإيواء".

تعملُ الجمعية معَ المهاجرين غير الشرعيين والأطفال، بالإضافة إلى أولئك الذين يعانون من أمراض ذهنية. يحاول الفريق التواصل معهم كل ليلة سبت. وتمكن من إقناع عشرة أطفال (ما بين 10 و15 عاماً)، بالعودة إلى عائلاتهم بعد تأمين تذكرة القطار، وقد احتضنتهم عائلاتهم حتى هذه اللحظة". تُتابع أزواغ: "هناك مأساة في طنجة. يختلفُ الليل عن النهار. خلال فصل الشتاء، توفي ثلاثة أشخاص مشردين نتيجة البرد والصقيع، بينهم طفل مات تحت شجرة نخيل قرب الشاطئ العام للمدينة". ترى أن "المظاهر تطفو على المجتمع. لكننا نُحاول زرع روح التضامن والتكافل الاجتماعي من خلال الليالي التضامنية".

بالإضافة إلى هذا البرنامج، تهتم الجمعية بأسرتين. الأولى تتألف من أم وطفلها، باع زوجها أطفالها الثلاثة الآخرين. والأخرى تتألف من أم وطفلتين، استطاع الفريق علاج الوالدة التي كانت مدمنة على المخدرات". وتوضح أننا "استأجرنا لهما بيتاً ونتابعهما يومياً".

صحيح أن الليالي التضامنية هذه انتهت مع فصل الشتاء، إلا أن الفريق لن يتوقف عن العمل في الصيف. وينوي توفير بيت لاستقبال المشردين والإشراف على نظافتهم الشخصية، وتأمين الطعام لهم، بالإضافة إلى استمرار البحث عن عائلاتهم". وتطمح الجمعية إلى مقابلة عمدة مدينة طنجة، فؤاد العمري، وعرض مشروعها حول مركز الإيواء الذي يستوعب 108 أشخاص، من أجل الاستماع لمشاكلهم والبحث عن حلول لها، حتى لا يلجأون إلى الشارع.

وعن مخاطر الخروج في الليل، تقول أزواغ: "لم نواجه أي مشكلة حتى الآن على الرغم من غياب الأمان. لكننا اعتدنا إبلاغ رجال الشرطة بنشاطاتنا، وهم بدورهم يوفرون الحماية لنا".

اقرأ أيضاً: تونسيّون.. يبيتون على أرصفة الشوارع
دلالات