"فيلم كتير كبير"...نقد الواقع السياسي والاجتماعي والطائفي

07 ابريل 2018
مخرج الفيلم مير جان بو شعيا (Getty)
+ الخط -
ابتسمنا مرارًا، بل ضحكنا، لا سيما نحن الناطقين بالعربية. فاللهجة والشتائم وأسلوب الكلام والسلوك، كلّها عناصر تساهم، إلى حدّ بعيد، في رؤية مغايرة للفيلم، على الأقلّ في بعض الجوانب منه. يمكن القول إنّ الاستمتاع أفضل، عند مشاهدة فيلم "فيلم كتير كبير" لمير جان بو شعيا، والذي عُرض في "معهد العالم العربي" في العاصمة الفرنسيّة باريس، بالتعاون مع مهرجان "نوافذ سينمائية" الذي ينظَّم حاليًا في ضاحية "سانت دوني" الباريسية، والمخصص لسينما المغرب العربي والشرق الأوسط.

هذه إحدى مزايا المهرجانات، عرضُ أفلامٍ ليست حديثة تمامًا، ولم تسنح لها فرص كثيرة للقاء الجمهور. هذا يهبُ حياة جديدة لأي عمل. مثلاً، "فيلم كتير كبير" هو منتج أواخر عام 2015، وأشارت مديرة المهرجان إلى شرائه من قبل "نتفليكس"، ما يعني بالتالي عروضًا جماهيرية محدّدة بالمهرجانات. خبر آخر أعلنته المديرة حول الفيلم، وهو عرض الشركة على المخرج، وشركة الإنتاج العائلية مع أخويه، عمل مسلسلٍ لبثّه على شبكتها.


"فيلم كتير كبير" هو فيلم مغامرات اجتماعي هزلي، يستند إلى حدّ كبير على أداء أبطاله. ثلاثة إخوة يديرون في الظاهر محلاً أو فرناً، كما يسمّونه هم في الفيلم، لصنع البيتزا وتوصيلها للمنازل مع خدمة إضافية لبعض الزبائن الموثوقين، وهي توزيع مخدّر الكوكائين معها.

بعد أن قرّر الأخوة الثلاثة التوبة، وبدء حياة جديدة، وجدوا أنفسهم بالرغم عنهم في تجارة المخدرات، ولكن على نطاق واسع هذه المرة. الكبير زياد (آلان سعادة)، عصبيّ، لا يقبل أي نقاش، والحل لديه دائماً عبر القبضة. جاد الصغير (وسام فارس) خارج لتوه من السجن، بعد اعترافه بجريمة قتل لم يرتكبها إنقاذًا لزياد. جو (طارق يعقوب) المسؤول الفعلي عن الفرن، والراغب حقًا في الخروج من أجواء العصابات والعيش كبقيّة البشر. ولكن خروج الحمام ليس كدخوله، فبعد سلسلة من الأحداث، ومحاولة تصفيته في عملية، يهرب زياد مع البضاعة الضخمة، إنها ضربة العمر. من بعدها، تأتي التوبة. فكيف يصرّفها؟



يتحوَّل السرد هنا من قصص العصابات والمخدَّرات إلى عالم السينما، وصنع فيلمٍ داخل الفيلم. لكن هذه الخلطة لم تخلّ بالفيلم، بل على العكس. فإذا كان القسم الأول من الفيلم، أبرز، ولو على نحو سريعٍ ونطاق ضيق، أسلوب عمل عصابة لتهريب المخدرات، والعلاقة بين الإخوة والتعريف بكافة شخصيات الفيلم، ففي القسم الثاني، توجد أجمل لحظات الفيلم، وأكثرها طرافة.

إذْ حين يقرِّر زياد تهريب البضاعة من المطار عبر وضعها في بكرات أفلام، وإرسالها لفرنسا بحجّة تحميضها، على أساس أنّها الطريقة الوحيدة التي تجعلها تنجو من المرور على أجهزة الأشعة في المطار، يعمل أيضًا لتعزيز مصداقيته على تصوير فيلم حقيقي. يستعين لهذا الأمر بشربل (فؤاد يمين)، وهو مخرجٌ وثائقيٌّ من زبائن البيتزا والكوكائين. كانت لحظات تصوير "فيلمهما" من أمتع مشاهد الفيلم، وأكثرها تعبيراً عن الفوضى وأسلوب العيش في حارة بيروتية. من خلال أحداث قصيرة وإشارات تعبيرية وكلاميّة، تمكّن المخرج من التقاط جوّ الحارة وأهلها، بين جنون الانفجارات المدبّرة وتدخل الجيران، والمشاكل المستمرة، وإطلاق الرصاص بمناسبة وبدونها.

ثمَّة سخريةٌ من العلاقات الاجتماعية والسياسيَّة، وتلك القائمة بين السياسيين والمشبوهين، والتحولات السريعة التي تلحق بالبعض، كأن يصبح تجار صغار بالمخدرات فجأة كباراً، وأيضاً سينمائيين وسياسيين بمساعدة الإعلام. كان العمل على "الفيلم" مناسبة كذلك لإبراز تحكم المنتج بالعمل السينمائي والهزء منه. فهو على الرغم من جهله التام، لا يتورّع عن التدخل في كل شاردة في السيناريو، وإلغاء ما لا يعجبه، والتحكم الكامل بالفيلم. ودسَّت الطائفية بالطبع أنفها في هذا المزيج ببراعة: مثلاً، حين يرفض جاد بطل الفيلم المزعوم القول في دوره "أنا شاب مسلم" بكل خفة ظل. كل هذه العناصر تواجدت في الفيلم دون أدنى ثقل، بسبب الأسلوب الساخر الذي اعتمده المخرج وكاتب السيناريو.

اقتصرَت مواقع التصوير على أمكنةٍ محدودة، وربَّما كان هذا بسبب الميزانية. وباستثناء زقاقٍ ضيّق حيث موقع الفرن ومشهد في المطار، وآخر يفترض بأنه على الحدود السورية اللبنانية (لتهريب المخدرات)، لم تخرج الكاميرا من الأماكن الضيقة المغلقة. تأثَّر إيقاع الفيلم في بعض الأحيان بالتكرار، وكان يمكن للتوليف الذي قام به المخرج أيضاً التخلص من عدد من المشاهد، أو تقصير بعضها، كمشهد الحفل على السطح والنكتة التي ألقاها شربل، فصحيح أنها كانت مدخلاً للتعرف على هذه الشخصية الضعيفة التي تجد صعوبة في فرض نفسها، وفي كونها موضع هزء الجميع وسخريتهم وأولهم زوجته الشابة (ألكسندرا قهوجي) التي تخونه، لكن الفرص تكاثرت فيما بعد، وأدت هذا الغرض، إذ احتل شربل موقعاً مُهمّاً في الفيلم، بعد أن اختاره زياد لإخراج "فيلمه".

ليس "فيلم كتير كبير" من هذه الأفلام الكبرى جماليّاً وفكريّاً، ولكنه بالتأكيد من الأفلام المبشرة، وتلك التي تنجح في جذب الجمهور والنقاد على السواء. فيلم طريف وممتع خاصة بأداء كافة أبطاله ومنهم على وجه الخصوص آلان سعادة وفؤاد يمين.
المساهمون