"فيدرالية شمال سورية"... مناورة كردية أو بداية تقسيم؟

17 مارس 2016
يسعى الأكراد إلى إقامة إقليم "فيدرالية شمال سورية" (Getty)
+ الخط -
انطلقت، أمس الأربعاء، في بلدة رميلان الواقعة في أقصى ريف الحسكة، شمال شرق سورية، أعمال المؤتمر الذي دعت إليه المنسقية العامة لكانتونات الإدارة الذاتية الكردية، التي تدير مناطق واسعة شمال سورية، لبحث تحويل هذه الإدارة إلى إقليم فيدرالي توضع حدوده على أسس جغرافية لا قومية، ليتم إعلانه "فيدرالية شمال سورية"، يرى كثيرون أنه سيكون الحجر الأساس والخطوة الأولى للتقسيم عملياً، في ظل ارتفاع وتيرة الكلام عن حلّ فيدرالي لهذا البلد، وهو شعار صدر عن موسكو أولاً. وتأسست الإدارة الذاتية الكردية قبل نهاية عام 2013 في المناطق التي تسيطر عليها قوات "حماية الشعب" الكردية التابعة لحزب "الاتحاد الديمقراطي" الكردي (الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني)، بزعامة صالح مسلم.

وتقول مصادر مطلعة في الإدارة الذاتية الكردية لـ"العربي الجديد"، إن "المؤتمر ضمّ مكوّنات الإدارة الذاتية لبحث تحول سورية إلى دولة اتحادية فيدرالية، بحيث تتحول الإدارة الذاتية الكردية إلى حكومة لإقليم فيدرالي توضع حدوده على أسس جغرافية بغض النظر عن المكونات العرقية". ووفقاً لهذا التحرّك، يتم إعلان الإقليم الفيدرالي شمال سورية باسم "فيدرالية شمال سورية"، بحسب المصادر، على غرار إقليم شمال العراق، أو كردستان العراق الذي بات يتمتع عملياً بمواصفات دولة مستقلة تفرض على العراقيين من غير سكان الإقليم، الحصول على ورقة كفالة من أحد "مواطني" كردستان لزيارته حتى.

وتعتبر المصادر ذاتها أنّ الإدارة الذاتية تريد استثمار المواقف الروسية حول إمكانية تحول سورية إلى جمهورية اتحادية من خلال هذا الإعلان، لافتة إلى أن "هذا التحرك هو إجراء داخلي للإدارة الذاتية بعيداً عن مجلس سورية الديمقراطية، الذي تعتبر من أبرز مكوناته". وتستبعد المصادر الكردية أن يحظى إعلان مناطق شمال سورية التي تسيطر عليها القوات الكردية وحلفاؤها كمنطقة فيدرالية ذات حكم ذاتي بتأييد إقليمي أو دولي واسع". وتذكّر المصادر أنّه على الرغم من أنّ أول من طرح إمكانية تحويل سورية إلى دولة فيدرالية هو نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، في 29 فبراير/ شباط الماضي، لم تعلن روسيا، حتى الآن، موقفاً صريحاً داعماً لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي وحلفائه في مسعاهم هذا.

وفي الوقت الذي تواصل فيه الولايات المتحدة صمتها حيال هذا الطرح، يبدو أن الدول الإقليمية المعنية بالشأن السوري تتفق على رفض المقترح، باعتبار أنّه يفتح الباب لعمليات تقسيم هذه الدول وليس فقط تقسيم سورية، بحسب بعض المراقبين. وكانت نقطة تحويل سورية إلى دولة اتحادية فيدرالية في صلب المحادثات التي أجراها رئيس الوزراء التركي، أحمد داود أوغلو، في طهران، قبل أيام. واتفق الجانبان التركي والإيراني على ضرورة عدم السماح بتقسيم سورية، لما يحمله ذلك من مخاطر تهدد وحدة إيران وتركيا أيضاً، باعتبار أن التنوع العرقي والثقافي فيهما مماثل لما هو موجود في سورية، كما أنّ نسبة الأكراد في البلدَين أكثر من تلك الموجودة في سورية.

من جانبها، نقلت وكالة "فارس" الإيرانية عن الرئيس الإيراني، حسن روحاني: "أبلغنا جميع الأصدقاء والجيران وروسيا صراحة، أن سيادة بلدان المنطقة على أراضيها، مبدأ يحظى بتأكيدنا، سواء في ما يتعلق بالعراق أو سورية أو أي بلد في المنطقة". السيادة الوطنية ووحدة التراب أمر مهم بالنسبة لنا"، وفقاً لروحاني.

وينسحب هذا الموقف التركي ـ الإيراني على حلفائهما السوريين، أي النظام والمعارضة. وعلى الرغم من أنّ رئيس النظام السوري، بشار الأسد، لم يغلق الباب أمام إمكانية بحث الفيدرالية، لمّح في حديث صحافي، إلى رفض بحث هذا الموضوع حالياً. وقال الأسد في حوار سابق مع وكالة "فرانس برس"، رداً على إمكانية إعطاء الأكراد في شمال سورية منطقة حكم ذاتي، إن "هذا السؤال متعلق مباشرة بالدستور السوري. وهذا الدستور لا يعطى من الحكومة، وإنما تشارك فيه كل الأطياف ويُطرح على الاستفتاء الشعبي. لذلك يجب أن يكون سؤالاً وطنياً، وليس موجهاً لأي مسؤول سوري، سواء كان هذا الموضوع متعلقاً بحكم ذاتي أو فيدرالية، لامركزية أو أي شيء مشابه. هذه الأشياء تكون كلها جزءاً من الحوار السياسي بالمستقبل"، على حدّ تعبير الأسد.

اقرأ أيضاً مؤتمر "الرميلان" لأكراد سورية: الانتقال من "الكانتونات" إلى الفيدرالية

من جهتها، جدّدت المعارضة السورية رفضها جميع المحاولات الرامية لإقامة نظام اتحادي على أساس فيدرالي في البلاد، مؤكدة تمسكها بوحدة سورية، أرضاً وشعباً، معتبرة أن طروحات تحويل سورية إلى دولة فيدرالية اتحادية، ما هي إلّا مقدمة لتقسيمها. ويقول نائب المنسق العام لـ"الهيئة العليا للمفاوضات" المعارضة، يحيى القضماني لـ"العربي الجديد"، إنّ "طرح الفيدرالية في هذه المرحلة خطير، وله مدلولات يجب ألا نغفل عنها". ويشير إلى أن الكيان الفيدرالي "يولد من مناطق منفصلة، تتوحد بشكل فيدرالي وليس العكس"، موضحاً أن المعارضة السورية "سترفض إدراج المقترح في جدول المفاوضات".

ويبدو أن غياب مكوّنات الإدارة الذاتية الكردية، وفي مقدمتها حزب "الاتحاد الديمقراطي" الكردي عن مفاوضات جنيف3 السورية القائمة، دفعها إلى عقد مؤتمر الرميلان على عجل بهدف إعلان تحويل نظام الإدارة الذاتية إلى إقليم فيدرالي، بهدف فرض أمر واقع على الأطراف الراعية للمفاوضات يجبرها على دعوة "الاتحاد الديمقراطي" لجولاتها المقبلة، بحسب مراقبين.

ويرجح هؤلاء المراقبون أن يكون هذا المسعى من الإدارة الذاتية وحزب "الاتحاد الديمقراطي" بدعم روسي، إذ أشار وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره المصري سامح شكري، أخيراً، يوم الأربعاء إلى أن حل القضية السورية يجب أن يكون "بضمان مشاركة جميع الأطراف". وجدد موقف بلاده في "إشراك الأكراد بمحادثات جنيف الحالية، وموقعهم ضمن الخريطة السياسية في سورية مستقبلاً".

وتتبع الإدارة الذاتية الكردية شمال سورية، التي تسعى اليوم إلى فرض إقليم فيدرالي في مناطق سيطرتها، سياسياً، لما يُعرف بـ"حركة المجتمع الديمقراطي" التي يشكل حزب الاتحاد الديمقراطي بزعامة، صالح مسلم، أكبر أحزابها. ويضاف إليها خمسة أحزاب وتجمعات سياسية صغيرة أخرى في سورية هي: البارتي الديمقراطي الكردستاني، والسلام الديمقراطي الكردي، والاتحاد الليبرالي الكردستاني، والشيوعي الكردستاني، والتجمع الوطني الديمقراطي الكردي. وتضم الإدارة الذاتية بالإضافة إلى الأحزاب الستة المذكورة نحو أربعين تجمعاً سياسياً ومنظمة اجتماعية منها؛ اتحادات للمرأة والشباب، وتجمعات ثقافية، ولجان حقوقية. وينفصل عن الإدارة الذاتية الكردية 15 حزباً منضوياً تحت إدارة "المجلس الوطني الكردي"، التابع لـ"الائتلاف السوري المعارض".

وعلى الرغم من هيمنة "الاتحاد الديمقراطي" فعلياً على قرار الإدارة الذاتية، وعدم تمثيل أحزاب "المجلس الوطني الكردي" فيها، باتت هذه الإدارة تسيطر على مناطق واسعة شمال شرق وشمال سورية، بعد تقدمها على حساب تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في ريف الحسكة بغطاء جوي من طيران التحالف الدولي. كما استطاعت القوات الكردية التقدم على حساب المعارضة السورية المسلحة في ريف حلب الشمالي بغطاء جوي روسي.

وباتت قوات "سورية الديمقراطية" التي تعتبر قوات "حماية الشعب" الكردية أبرز مكوناتها، تسيطر على معظم ريفَي الحسكة والرقة الشمالي، بشكل شبه كامل، وعلى منطقتَي عين العرب وعفرين في ريف حلب. يضاف إليها مدينة تل رفعت، وبلدة منغ ومطارها العسكري والقرى المحيطة بهذه المناطق، شمال حلب.

اقرأ أيضاً: افتتاح مكتب تمثيل لـ"أكراد سورية" في موسكو

المساهمون