التقرير الذي أعده المراسل جيسي ووترز لبرنامج "اورايلي فاكتور" الشهير، حاول تكريس الصورة النمطية لدى المتعصبين الأميركيين عن العرب والمسلمين في مدينة ديربورن، وما يروجون له من أن المدينة تحكمها "الشريعة الإسلامية"، وليس الدستور الأميركي.
وخلف التقرير موجة من التعليقات السلبية في وسائل التواصل الاجتماعي، لدرجة أن أحد المعلقين الأميركيين في صفحة البرنامج على "فيسبوك" دعا إلى قصف مدينة ديربورن بعد مشاهدته للتقرير.
وتزامن التقرير الذي بث الثلاثاء الماضي، مع مظاهرة نظمها عشرات المناهضين للإسلام والعرب، بعضهم مسلح، في ديربورن يوم السبت الماضي، إلا أنها مرت بسلام.
مدينة "ديربورن" التي توصف بـ"عاصمة العرب الأميركيين" تقع في ولاية ميشيغن، ويقطنها نحو 40 ألفا من المهاجرين العرب من أصل 98 ألفا هم عدد سكان المدينة، ويسهمون بدور حيوي كبير في النشاط المالي والاقتصادي للمدينة، من خلال عملهم في شركات صناعة السيارات، وامتلاكهم أغلب المحلات التجارية في المدينة.
وللعرب الأميركيين في هذه المدينة تاريخ طويل يعود لبداية القرن الماضي، حيث جذبت صناعة السيارات العرب الأوائل إلى هذه المدينة، قبل أن تصبح مركزا هاماً لعرب أميركا من مختلف الجنسيات العربية والديانتين الإسلامية والمسيحية.
التقرير الذي تبثه قناة "فوكس نيوز" ضمن برنامج "أورايلي فاكتور"، الذي يقدمه المذيع الشهير بيل أورايلي، يعتمد على روح الدعابة في تغطياته مواضيع مختلفة، ويطرح المراسل أسئلته وتعليقاته بطريقة ساخرة، لكن نشطاء الجالية العربية والإسلامية رأوا في طبيعة الأسئلة التي طرحها المراسل على مهاجرين عرب من جنسيات يمنية ولبنانية وعراقية، أنها انطوت على نوايا غير حسنة، وحملت طابعاً عنصرياً تجاه التواجد العربي في الولايات المتحدة الأميركية، كما تضمنت "تحريضاً مبطناً ضد سكان ديربورن من المسلمين"، بحسب عدد من الناشطين.
ومن بين هذه الأسئلة التي طرحها المراسل جيسي ووترز "هل تشتاق إلى الصحراء؟" وماذا تعرف عن حكم الشريعة؟ وهل تريد أن تحكم الشريعة أميركا؟ ولماذا الكثير من المسلمين حول العالم لا يحبون أميركا؟ وأين تقع مكة؟ وهل يأتي الـ"إف بي آي" للتجول هنا؟ فضلاً عن تعليقات اعتبرها البعض مهينة، فحينما عرف أحد الأشخاص نفسه للمراسل بأنه من اليمن علق ووترز قائلاً "يجب أن تكن حذراً من الطائرات بلا طيار".
إلى جانب ذلك، فقد احتوت مقدمة التقرير على معلومات مغلوطة ومضللة تمثلت في ادعاء ووترز أن المسلمين يسيطرون على المجلس البلدي للمدينة وقيادة الشرطة، في حين أن عضوين مسلمين فقط من سبعة يشكلون قوام المجلس البلدي، فيما يرأس شرطة المدينة رونالد حداد، وهو مسيحي من أصل لبناني.
كما تضمن التقرير تصريحات لاثنين من الأميركيين البيض، أحدهما رد على سؤال عن رأيه في المسلمين بالمدينة بالقول إنهم "غير ودودين، وسيئون ولا يتحدثون إليك". بينما قال الثاني رداً على سؤال هل سمع عن أي أنشطة مشبوهة في المدينة، إنه سمع عن ارتكاب جريمة شرف وقعت السنة الماضية بحق إحدى الفتيات لمجرد أنها اشترت "واقيا ذكريا".
وخلف التقرير عاصفة ردود فعل من قبل الجالية العربية والإسلامية في ديربورن، كما بعث عمدة المدينة جاك أورايلي برسالة إلى مقدم البرنامج بيل أورايلي، عبر خلالها عن استيائه من المعلومات المضللة التي احتوى عليها التقرير، وعدم مراعاة البرنامج حساسية القضية، فضلاً عن "الأخطاء الحقيقية" التي وقع فيها، بما فيها أن المسلمين يحكمون المدينة ولا يلتزمون بالدستور الأميركي.
وقال العمدة أورايلي في رسالته التي حصل "العربي الجديد" على نسخة منها: "في حين أن هذا النوع من التقارير قد يكون مسليا لك ولجمهورك، فإنه يخلق تشويها كاملا لكل ما نمثله ويسبب عواقب وخيمة على مجتمعنا".
من جهته، انتقد رئيس مجلس العلاقات الأميركية الاسلامية في ميشيغن، داوود وليد، ما تضمنه التقرير، وقال في بيان "بدلاً من الاحتفاء بعمق التنوع العرقي والديني في أميركا، فإن فوكس نيوز لا تركز سوى على الصورة النمطية السلبية عن العرب والمسلمين في أميركا".
صحيفة "ذا آرب أميركان نيوز" بدورها نشرت مقالا ناقداً للتقرير جاء فيه إنه: في الوقت الذي كان يحاول المراسل جيسي ووترز أن يبدو ظريفاً ومتمتعاً بروح الفكاهة، كان في الحقيقة يسخر ويمتهن القيم الثقافية والحضارية العربية والإسلامية، وغير آبه باحترام الأشخاص الذين قابلهم.
وانتقدت الصحيفة قناة فوكس نيوز التي قالت إنها لم تر وبدافع الكراهية المقصودة في مدينة ديربورن نموذجا ناجحا وخلاقاً للتعايش المشترك بين أتباع الأديان المتعددة، ولم تنتبه إلى وجود كنيسة على بعد خطوات فقط من أكبر مركز إسلامي في الولايات المتحدة، ولم تحاول أن تستكشف العلاقات الإنسانية المشتركة بين هذين المعبدين، لتقف على حقيقة العلاقات الوطيدة بينهما.
وأضافت "إن القناة لم تجهد نفسها فـي البحث عن أسباب نجاح هذه المدينة وازدهار أعمال العرب الصغيرة فيها، إضافة إلى تمتعها بالأمان والسلام، اللذين تفتقدهما المدن القريبة منها، بالرغم من جميع الخطط المالية والاقتصادية والأمنية التي يضعها مسؤولو تلك المدن، من دون أن يفلحوا في ذلك.