جرت العادة أن أتبع العصافير بآلة التصوير خاصتي، بهدف الاقتراب منها أكثر، فتكون الصورة أوضح. أعتمد الاختباء وراء الأشجار تارة، أو الانتظار في مكان مناسب ساعات، تارة أخرى، حتى أتمكن من أخذ صور لها.
وفي كل مرة أسأل نفسي: لماذا أتكبد العذاب كلما أردت تصوير طائر ما، بينما زملائي في أوروبا يحصلون على صور، ربما أوضح من صوري، من دون أن يتكبدوا مشقة التربص والاختباء والمتابعة؟ ببساطة، لأنهم يستطيعون الاقتراب من الطيور حتى مسافة قصيرة. فلماذا هذا الفرق بين الطيور في أوروبا وتلك التي في لبنان، وحتى الوطن العربي؟ في أوروبا عموماً، لا يقتلون الطيور كما نفعل نحن. وإن فعلوا فهم لا يصطادون العصافير، التي يقل حجمها عموماً عن حجم الزرزور. ويصطادون بضعة أنواع فقط مسموح بصيدها. كما أنهم لا يصطادونها إلا في أماكن محددة، وبسلاح الصيد المسموح به فقط، وفي موسم معين، وبكميات محددة.
أما في لبنان فلا شيء من ذلك حصل أو يحصل. في لبنان يقتلون الطيور كلّ ساعة، بأسلحة مسموحة، وأخرى ممنوعة. ويقبضون عليها بمادة الدبق، والأفخاخ، والشباك. كما قد يزرعون شجرة في أعلى قمة جرداء، لتحسبها الطيور فندقاً لها. وتفاجأ مع مجيئها، بمئات الرشقات النارية التي لا تبقي ولا تذر. وهنالك طريقة تغطية التجاويف الصخرية، المكوّنة بشكل آبار، بشباك، ورمي كيس خيش يحترق في البئر. وعندما يحاول الحمام الخروج، يضربونه بالعصا على رأسه لحظة اصطدامه بالشباك كي يقضوا على كل أفراده. وكذلك يسلطون، في الليل، ضوءاً على شجرة، على أسطح المساكن. ومع انجذاب الطيور المهاجرة إليها يبدأون في إطلاق النار.
وإذا احتج جيرانهم على النيران، لجأوا إلى طريقة رسم شجرة، على خشب مليء بالمسامير، وأسندوا الخشب إلى الحائط وسلطوا عليه الضوء.
عندها سينجذب الطائر الى الضوء، ويهلك لدى اصطدامه بالمسامير، من دون أن ينزعج الجيران. وهنالك أيضاً، من يخدع الطيور صوتيّاً، عبر تشغيل آلات تسجيل عليها صوت الطيور المرادة. تأتي الطيور جهة الصوت فتتلقفها طلقات البندقية. عام 2010 قمت، برفقة طلابي في الجامعة، برحلة هدفها إحصاء الطيور التي يقتلها الصيادون. فتبين لنا أنّ حصيلة يوم واحد بلغت 2960 طائراً مقتولاً، تنتمي إلى 148 نوعاً من الطيور، أصغرها وزنه 5 غرامات وأكبرها يقرب من 4000 غرام. وكل ذلك على مساحة لا تزيد على 100 كلم مربع.
فهل سيبقى لدينا طيور في لبنان تزرع الغابات، أو تلتهم الحشرات الضارة، أو تأكل القوارض التي تتلف المحاصيل أو تلقح الأزهار؟
*اختصاصي علم الطيور البريّة