"فرْنسة" التعليم في المغرب لا ترضي الجميع

02 ديسمبر 2015
تتغيّر لغة المواد العلمية في الجامعة(عبد الحق سنا/فرانس برس)
+ الخط -
لم يحظَ قرار وزارة التربية الوطنية في المغرب، بتدريس المواد العلمية في المرحلة الثانوية باللغة الفرنسية، بإجماع المواطنين أو المتخصّصين، وإن كان هناك اعتراف بأهمية اللغات في سوق العمل

ما إن يخمد الجدال حول "فرنسة" المقرّرات التعليمية في المغرب، حتى يعود ويحتدم من جديد، وخصوصاً بعد قرار وزير التربية الوطنية رشيد بلمختار الأخير، المتعلّق بتدريس المواد العلمية والتكنولوجية في المرحلة الثانوية باللغة الفرنسية. وكان موقف رئيس الحكومة عبد الإله بن كيران لافتاً، إذ عاتب بلمختار على إصدار قراره من دون الأخذ بعين الاعتبار طلبه تأجيله، قائلاً، مساء أول من أمس، خلال جلسة برلمانية، إن هذا القرار له تبعات خطيرة على الأجيال المقبلة.

وانقسم المغاربة حول القرار. وفيما اعتبر البعض أن تدريس المواد العلمية باللغة العربية لا ينفع التلاميذ كثيراً، قال آخرون إن "فرنسة المواد التعليمية هي خطّة تهدف إلى هدم اللغة العربية في البلاد".

وينص قرار وزارة التعليم المغربية على تدريس مادتي الرياضيات والعلوم الفيزيائية باللغة الفرنسية في مرحلة التعليم الثانوي بدءاً من العام الدراسي المقبل، مشيراً في الوقت نفسه إلى إمكانية تدريس هذه المواد باللغة الفرنسية خلال العام الجاري.

وكانت سياسة تعريب التعليم في المغرب قد بدأت في أواخر سبعينيات القرن الماضي، وإن كان تطبيقها صعباً بسبب صعوبات وعراقيل كثيرة. واستمر تدريس المواد العلميّة باللغة الفرنسية حتى أوائل تسعينيات القرن الماضي، قبل تعريب جميع المواد.

في هذا الإطار، يقول منسّق "الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية" (يضمّ عدداً من المنظمات المغربية التي تعنى باللغة العربية)، فؤاد بو علي، إن قرار "فرنسة" المواد التعليمية "يناقض النص الدستوري". يضيف أنه بمثابة استكمال لمشروع الفرنسة بعد إقرار البكالوريا الفرنسية، لافتاً إلى وجود نيّة للتخلص من اللغة العربية، وإلحاق المدارس المغربية بفرنسا.
ويؤكد بو علي أن جميع المنظمات المشكّلة للائتلاف قررت العمل على إسقاط قرار وزير التربية الوطنية، وخصوصاً أنه فردي، وقد رُفض حتى من المتخصصين، موضحاً أن جميع الخيارات مفتوحة.

كلام بو علي تؤيده بوشتاوية فهمي، وهي تلميذة في صف البكالوريا. تقول إنه "من غير المقبول أن يدرس التلميذ جميع المواد العلمية في قسمي الإعدادي والتأهيلي باللغة العربية، ليدرسها باللغة الفرنسية في المرحلة الثانوية. تضيف أن التلميذ الذي اعتاد دراسة المواد العلمية باللغة العربية، سيكون صعباً عليه دراستها باللغة الفرنسية، لافتة إلى أنه "ليس لديها مشكلة مع اللغة الفرنسية، لكنها تفضّل الإبقاء على العربية حتى لا يقع التلميذ في حيرة".

في المقابل، يقول مدير مركز الرباط للدراسات السياسية والاستراتيجية خالد الشرقاوي السموني، إن قرار "فرنسة" المواد العلمية يأتي بعد فشل سياسة تعريب المواد العلمية في المرحلة الثانوية، واعتماد اللغة الفرنسية في مرحلة التعليم الجامعي، ما يدل على عدم وجود تخطيط استراتيجي للسياسة التعليمية في المغرب. ويسأل: "كيف يمكن للتلميذ الذي يدرس المواد العلمية باللغة العربية في المرحلة الثانوية، أن يعود ويدرسها بالفرنسية في الجامعة أو الأقسام التحضيرية أو المعاهد العليا؟". ويشير إلى أهمية فرنسة المواد العلمية في جميع المراحل، نظراً إلى عدم توفر الأسس العلمية والتقنية والتربوية لتعريب تلك المواد، داعياً إلى تهيئة الظروف في المستقبل القريب لتدريس اللغة الانجليزية أيضاً كلغة أساسية، وخصوصاً المواد العلمية، لأن غالبية الأبحاث العلمية التي يحتاجها الطلاب في الجامعة عادة ما تنشر باللغة الإنجليزية.

من جهته، يقول المواطن محمد الزواوي، لـ"العربي الجديد"، إن قرار "فرنسة" المواد العلمية جاء ليصحّح الخطأ الذي ارتكب من وزارات التعليم في وقت سابق، موضحاً أنه "لا أهمية لتدريس مواد علمية وتكنولوجية باللغة العربية، وخصوصاً أن الطالب سيجد نفسه مجبراً على دراستها باللغة الفرنسية في الجامعة ومعاهد الهندسة والطب. يتابع أن تدريس المواد العلمية باللغة الفرنسية ينسجم مع ما تفرضه ظاهرة العولمة، التي تستوجب دراسة مثل هذه المواد والمقررات بغير اللغة العربية، وتحديداً الفرنسية في البلدان الفرنكوفونية، والإنجليزية في سائر بقاع العالم.

بدوره، يؤكّد الناشط المدني وعضو المجلس الأعلى للتعليم، نور الدين عيوش، أن من مصلحة التلميذ المغربي دراسة المواد العلمية باللغة الفرنسية، وليس دراستها باللغة العربية في المرحلة الإعدادية، وتغيير اللغة في المرحلة الثانوية. ويشير إلى أنه يؤيد قرار "فرنسة" المواد العلمية، موضحاً أن هذا المقياس أساسي لنجاح أجيال المستقبل، وضمان دمجهم في سوق العمل، لافتاً إلى ضرورة ضمان تعلّمهم المواد العلمية باللغة الفرنسية على المدى القريب، والإنجليزية على المدى المتوسط.

إقرأ أيضاً: المدارس المغربيّة من دون مقاعد ولا مدرّسين