واعتبر خبراء وأكاديميون هذا التصويت بمثابة "خيانة لتاريخ المغرب ومستقبل المدرسة الوطنية"، و"انقلاب على الدستور المغربي" الذي ينص في فصله الخامس على أن "تظل العربية اللغة الرسمية للدولة، وتعمل الدولة على حمايتها وتطويرها وتنمية استعمالها، وتعدُّ الأمازيغية أيضاً لغة رسمية للدولة، باعتبارها رصيداً مشتركاً لجميع المغاربة دون استثناء".
وتمت المصادقة على مشروع قانون - إطار رغم النقاش الحادّ الذي سبقه بين الأغلبية الحكومية والمعارضة، حول تدريس المواد العلمية والتقنية باللغة الفرنسية، إلى جانب مهاجمة رئيس الحكومة السابق عبد الإله بنكيران له، ودعوة نواب حزبه إلى إسقاطه.
ووفقاً للنتائج، صوّت 25 نائباً برلمانياً، من لجنة التعليم والثقافة والاتصال، لفائدة مشروع القانون الإطار، فيما سجل عضوان من فريق حزب العدالة والتنمية الذي يقود الحكومة اعتراضهما عنه في شموليته، وامتنع ثلاثة أعضاء من فريق حزب الاستقلال عن التصويت.
وأقرت اللجنة البرلمانية تدريس المواد العلمية باللغات الأجنبية المنصوص عليها في المادة الثانية، بموافقة 12 عضواً على مضمون المادة، واعتراض نائبين من فريق العدالة والتنمية هما أبو زيد المقرئ الإدريسي ومحمد العثماني، وتحفظ 16 عضواً من العدالة والتنمية والاستقلال.
ويتكون مشروع القانون الإطار رقم 51.17 المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي من ديباجة و60 مادة موزعة على عشرات الأبواب. وهو كما جاء في ديباجته "مرجعية تشريعية ملزمة في اتخاذ النصوص التشريعية والتنظيمية اللازمة لبلورة الأهداف والتوجهات والمبادئ المتعلقة بإصلاح منظومة التربية والتكوين"، كما أنّ "جوهر هذا القانون يكمن في إرساء مدرسة جديدة مفتوحة على الجميع، تتوخى تأهيل الرأسمال البشري مستندة إلى ركيزتي المساواة وتكافؤ الفرص من جهة، والجودة للجميع من جهة أخرى".
وبحسب المادة الثانية فيه، فإنّ "التناوب اللغوي هو مقاربة بيداغوجية وخيار تربوي مندرج يستثمر في التعليم المتعدد اللغات، بهدف تنويع لغات التدريس إلى جانب اللغتين الرسميتين للدولة وذلك بتدريس بعض المواد، ولا سيما العلمية والتقنية منها أو بعض المضامين أو المجزوءات في بعض المواد بلغة أو بلغات أجنبية".
أما المادة 31 فتنص على "إرساء تعددية لغوية بكيفية تدريجية ومتوازنة تهدف إلى جعل المتعلم الحاصل على البكالوريا متقناً للغتين العربية والأمازيغية، ومتمكناً من لغتين أجنبيتين على الأقل؛ وذلك إعمالاً لمبدأ التناوب اللغوي في التدريس، كما هو منصوص عليه في المادة الثانية من مشروع القانون".
وزير التربية الوطنية والتكوين المهني، سعيد أمزازي، أكّد في كلمة له أنّ "هذا يوم مشهود له، بعد التصويت على القانون الإطار بالأغلبية"، مشيداً في الوقت ذاته بتصويت الفرق البرلمانية على أول قانون يؤطر عملية إصلاح التعليم في المغرب.
من جهتهم، كان لخبراء تربويين وأكاديميين وأنصار اللغة العربية في المغرب وجهة نظر مغايرة، بالتعبير عن رفضهم بقوة لمشروع القانون الإطار، معتبرين مضامينه بمثابة انقلاب على الدستور المغربي، ودقّ لناقوس الخطر حول مستقبل السياسة اللغوية في التعليم المغربي.
واعتبر الدكتور فؤاد بوعلي، رئيس الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية، أنّ تمرير القانون الإطار هو شرعنة قانونية لما يطبق واقعياً في مسار فرنسة المدرسة المغربية وهو خيانة لتاريخ المغرب ومستقبل المدرسة الوطنية.
وقال بوعلي في تصريح لـ "العربي الجديد"، "ندين هذا التصويت الذي نعتبره خيانة للشعب الذي صوت على هذه الأحزاب انطلاقاً من مرجعياتها وقيمها ومبادئها، وهي اليوم تمرر مشروعاً ضد هذه القيم، ينسف كل النضالات من أجل التخلص من الهيمنة الفرنسية سياسياً وعسكرياً وثقافياً وفكرياً وتربوياً".
وأكد المتحدث أن تمرير هذا القانون هو رهن لمستقبل أبنائنا بمسار فاشل ومشروع أثبت فشله في عقر داره، فبالأحرى في باقي البلدان، مستدلاً بنتائج تقرير "تيمبس 2015" حول جودة التعليم، فـ20 دولة متقدمة لا تستعمل إلا لغتها الوطنية في التدريس، فكيف نتحدث اليوم عن إقرار للغة الفرنسية ورغبة في الإصلاح؟
ودعا بوعلي المجتمع المغربي إلى تحمل مسؤولياته عبر فعالياته المدنية والأكاديمية "للوقوف ضد هذا المنحى الخطير الذي يهدد مستقبل المدرسة المغربية"، لافتاً إلى أن القضية سياسية إيديولوجية، بعيدة كل البعد عن إصلاح منظومة التربية والتعليم، بل إن غايتها هي إلحاق المغرب ثقافة واقتصاداً وتعليماً بفرنسا.
بدوره، ضمّ الخبير في الشؤون التربوية جواد حنافي صوته إلى صوت الدكتور فؤاد بوعلي، محذراً في تصريح لـ "العربي الجديد" من خطورة المصادقة على مشروع القانون الإطار، خاصة فيما يتعلق ببعض المضامين التي لا تخدم إصلاح المنظومة التعليمية في البلاد، بل على العكس تساهم حسبه في مزيد من الهدر المدرسي وتكريس الجهل بالمواد العلمية.
فيما صرح المستشار في التخطيط التربوي، محمد اقديم، أنّ هذا القانون لم يأخذ الوضع اللغوي بالمغرب بعين الاعتبار ولم يقم بتشخيصه، مشيراً إلى أنه يعرف حالياً عملية "افتراس لغوي" من المحتمل أن تصل في ظرف وجيز، على المتوسط فقط، إلى إبادة لغوية linguicide، حيث ستنفرد اللغة الفرنسية، وهي لغة مدعومة سياسياً اقتصادياً وإعلامياً واجتماعياً بنخبة ماسكة بكل القرارات بالقطاعات الاستراتيجية، مما يسمح لها بافتراس اللغات الوطنية، التي هي في حاجة ماسة واستعجالية إلى سياسة وتخطيط لغوي محكم لحمايتها وتنميتها.
وأوضح في تصريح لـ "العربي الجديد" أنّ الحديث عن "التناوب اللغوي" لا يعني عملياً سوى فرض لغة غير دستورية في النظام التربوي المغربي، بحجة الانفتاح على اللغات الأجنبية، هذا الانفتاح الذي يتم في كل بلاد العالم من خلال "تدريس اللغات"، وليس بـ"لغات التدريس".
من جهتها، أشارت حركة التوحيد والإصلاح، الدعوية والتربوية، إلى خطورة المصادقة على مشروع القانون الإطار 51.17 في لجنة التعليم والثقافة والاتصال بمجلس النواب، وإلى "مآلات هذه الخطوة التي ترهن مستقبل التعليم ببلادنا بخيارات لا تنسجم مع دستور البلاد ولا تتماشى مع متطلبات تعليم المستقبل".
وجددت في بيان لها، حصل "العربي الجديد" على نسخة منه، رفضها لـ"كل القرارات التي تمس بمكانة اللغتين الرسميتين العربية والأمازيغية، واستنكار اعتماد لغةٍ أجنبية لغةً للتدريسِ مع الإصرار على تعميم التدريس بها في مختلف أسلاك التعليم".
كما دعت الحركة التي توصف بأنها "الذراع الدعوية" لحزب العدالة التنمية الذي يقود الحكومة، الأحزاب السياسية والحكومة أيضاً إلى "تحمل مسؤوليتها التاريخية في المحطات التشريعية القادمة، التزاماً بدستور البلاد وتحصيناً لمكانة اللغتين الرسميتين في التعليم وفي الإدارة وفي مختلف مجالات الحياة العامة".
يذكر أنه في عام 2015 أصدر وزير التربية الوطنية السابق رشيد بلمختار مذكرة طالب فيها مسؤولي الوزارة بتعميم تدريس المواد العلمية والتقنية في المرحلة الثانوية باللغة الفرنسية، واعتبرت المذكرة أن تدريس المواد العلمية باللغة الفرنسية يأتي تصحيحاً للاختلالات التي تعرفها المنظومة التعليمية.