منذ أيام، أعلنت مؤسسة "بيرانا" (دار نشر باريسية) عن عدولها عن طباعة وإصدار الترجمة الفرنسية لكتاب "الفاشية الإسلامية" للكاتب المصري الألماني حامد عبد الصمد، والذي كان من المقرّر صدوره الشهر المقبل، على خلفية ما سمّاه مدير الدار، جان ماري لوبيه، بـ "مخاطر نشر الكتاب"، مشيراً إلى أن إمضاء عقد الترجمة تمّ قبل سلسلة العمليات الإرهابية التي جدّت في فرنسا، وأن المناخ العام لم يعد يسمح بمثل هذه الأعمال الإشكالية. الكاتب، سرعان ما عبّر، على صفحته في تويتر، عن خيبة أمله من هذا القرار، ولكنه أكّد أن عمله سيُطبع قريباً بالفرنسية، إذ إن حقوق نشره ستذهب إلى مؤسسات نشر أخرى.
تشبه هذه الحادثة شكل الموشور، الذي يدخله الضوء من جهة بلونه العادي فيخرج في ألوان متعددة. فالمسألة تبدو للبعض، ومنهم الكاتب، رضوخاً لضغط الجماعات المتطرفة، وهو بالتالي شكل من أشكال الحد من حرية التعبير، ولكن فيه أيضاً شقاً آخر، وهو تغليب المصلحة الجماعية على مصلحة الربح، حيث أن الكِتاب حقق أرقام مبيعات عالية في ألمانيا منذ أن صدر أوّل مرة في 2014.
يتضمّن الموشور عناصر أخرى تزيد من تلوين المسألة، فنحن إزاء كاتب بات يعدّ رأس حربة في منظومة الإسلاموفوبيا، وهو الذي أصدر في 2010 كتاباً مثيراً آخر بعنوان "سقوط العالم الإسلامي"، دون أن ننسى روايته "وداعاً أيتها السماء" (2008).
لا تتعلّق شهرة الكاتب فقط بما أصدره من مؤلفات، فهو رجل سجالات. غالباً يوجّه النقد إلى فضاء أصوله العربية الإسلامية، ولكنه لا يتوانى أيضاً في انتقاد السياسات الألمانية، وأحياناً يمسك بهما معاً حين يعتبر أن حكومة ميركل تتساهل مع الإسلام.
سؤال آخر ينبعث من الموشور/ الحادثة، وهو عن جدوى ومعنى الامتناع عن نشر كتاب اليوم، ثم الإعلان عن ذلك، إذ إن المخارج المتاحة لوصول العمل إلى القارئ متعدّدة (منح حقوق النشر لمؤسسات أخرى أو نشره إلكترونياً وفي أسوأ الظروف تمرير محتوياته من خلال وسائل الإعلام والإنترنت).
المسألة قد تبدو في المحصلة دعاية إضافية، حيث أن مثل هذه الأخبار عادة ما تحمّس القراء على البحث عن كل ما يدور حول العمل، وحين نتحدّث عن ترجمة فرنسية فنحن إزاء مجال ثقافي (الفرنكوفونية) يُعتبر الأكثر ملاءمة لانتشار كتاب عبد الصمد والكتابات الإسلاموفوبية المثيرة.
تلتقي كل هذه الأشعة، التي تخرج من موشور "الفاشية الإسلامية"، مع الهمّ المشترك، الذي تعيشه كل من فرنسا وألمانيا، العمليات الإرهابية الأخيرة التي ضربت البلدين، والذي يهيئ جواً عاماً تتصدّر فيه مقولات، كالتي يطلقها عبد الصمد، الأخبار الثقافية، ولا تحتاج سوى إلى إشعال قليل من النار كي يجلب دخانُها الأنظار.
قد لا تكون كل هذه الضجة سوى حلقة جديدة من حلقات صناعة "نجومية" لعدد من المثقفين، الذين يقولون الأشياء التي يريد أن يقولها (ويسمعها) البعض في الغرب. مقولات ولا شك سيعتبرها الجمهور ذات مصداقية أكبر حين تأتي من أصحاب الأصول العربية.