"غزوة الموصل": حرب أهلية أو حل سياسي؟

10 يونيو 2014
تعزيزات كردية شمال وشرق الموصل(امرح يلماز/الأناضول/Getty)
+ الخط -

بلغ الانهيار الأمني والسياسي في العراق ذروته، اليوم الثلاثاء، مع سيطرة المسلحين على عموم مدينة الموصل، ثاني أكبر مدن العراق، وست مدن كبيرة تابعة لمحافظة نينوى، وجزء من مدينة كركوك النفطية المتنوعة عرقياً، بعد انسحاب القوات النظامية من جيش وشرطة. وقد سيطر مئات المسلحين المدعومين شعبياً من قبل طيف واسع من أهالي المدينة، على المجمع الحكومي ومطاري الموصل المدني والعسكري ومعسكرات وقاعدة الجيش ومقرات الشرطة، وهو ما شكل صدمة كبيرة لحكومة نوري المالكي.

وتحاول القوات النظامية جمع قواتها المتناثرة حول المدينة من دون جدوى، إذ سُجل اختفاء آلاف الجنود وعودتهم إلى منازلهم في مدن الجنوب بوساطة سيارات مدنية بعد تغيير ملابسهم وإلقاء أسلحتهم، تاركين خلفهم المئات من الدبابات والمدرعات بيد المسلحين الذين ينتمون إلى فصائل إسلامية وقبلية عربية. في المقابل، تنشغل قطعات أخرى متماسكة بجبهات قتال أخرى مع مسلحين ينتمون إلى تنظيمات عشائرية وإسلامية. 

أهمية الموصل

تعتبر الموصل ثاني أكبر مدن العراق مساحة وعدد سكان يبلغ أربعة ملايين و560 ألف نسمة، وتحيط بها حقول النفط والغاز الطبيعي، إذ تضم شبكة من أنابيب النفط العملاقة المتجهة إلى ميناء جيهان التركي، ويصدّر العراق عبرها ما يقدر بأكثر من 40 في المئة من إنتاجه النفطي يومياً.

وتحوي الموصل مقرات لقنصليات غربية مختلفة، أهمها الأميركية والبريطانية والروسية ومكاتب للأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، فضلاً عن اتصالها المباشر بمحافظة دير الزور السورية، ومدينة أريجة التركية ضمن ما يعرف بالمثلث العراقي التركي السوري. لذا، فهي من ناحية جغرافية وسياسية وسكانية، تختلف عن مدينة الفلوجة أو الكرمة الخارجة عن سلطة الحكومة المركزية. 

هوية المسلحين

وبحسب معلومات "العربي الجديد"، هناك أربع فصائل مسلحة تسيطر على المدينة، وشاركت في قتال الجيش والشرطة ضمن عملية كبيرة استمرت ثلاث ساعات متواصلة، أطلق عليها من قبل "المجلس العسكري لعشائر الموصل" اسم "انتفاضة العزة والكرامة".

والفصائل هي "تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش)، و"المجلس العسكري لثوار العشائر/قطاع الموصل"، و"جيش رجال الطريقة النقشبندية"، و"جيش المجاهدين"، متوحداً مع فصيل عشائري صغير في منطقة حمام العليل.

ويلاحظ من أسماء تلك الفصائل أن ثلاثاً منها ذو طابع عشائري وطني، وخصوصاً من الاسم الذي أطلقه "المجلس العسكري لعشائر الموصل" على العملية، أي "العزة والكرامة". لكن يبقى "داعش" صاحب النفوذ الأقوى في المدينة على خلاف ما هو حاصل في الأنبار.

ويقول القيادي في "مجلس عشائر الموصل العسكري"، الشيخ خالد العكيدي، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، إن "ما يحدث في الموصل ثورة ضد الظلم والتهميش الذي تمارسه حكومة المالكي، على السنّة في العراق برعاية إيرانية". ويضيف العكيدي "صحيح أن هناك مقاتلين ينتمون إلى داعش، وهم كثر، لكن هذا لا يعني أنها تختزل ثورتنا التي تعتبر امتداداً لثورة عشائر الأنبار". ويكشف أن العشائر لها مطالب وحقوق يجب أن تسترد قبل الحديث عن إلقاء السلاح، وهي تختلف بطبيعة الحال عن توجهات "داعش". 

وتشير المعلومات الأولية إلى أن سيطرة "داعش" على الموصل تمت إثر انتقال المئات من مقاتلي التنظيم المتطرف من منطقة دير الزور السورية المحاذية للموصل عبر منفذ ربيعة، والأخاديد الأرضية المجاورة له، مساء الإثنين، بوساطة سيارات رباعية الدفع مجهزة بمدافع رشاشة وأسلحة حديثة، في مقابل انهيار الجيش من القطاع الثاني المتمثل بحدوده مع محافظة الأنبار، الخارجة أصلاً منذ ستة أشهر عن سيطرة الحكومة.

وانضم المتسللون إلى المقاتلين المتواجدين هناك منذ يومين في الجانب الأيمن من الموصل، وهو ما أدى إلى انهيار دفاعات الجيش المنهك أصلاً من معارك تلت معركة أخرى جرت، فجر الثلاثاء. 

خيارات المالكي

ويظهر عمق الأزمة من خلال إعلان المالكي حالة التأهب القصوى في البلاد، وطلبه من البرلمان إعلان الطوارئ الذي يتيح له إيقاف العمل بالدستور وإلغاء المحاكم المدنية مقابل إقامة أحكام عرفية عسكرية. وفي الوقت نفسه، تشهد بغداد حشوداً عسكرية هائلة حول أسوارها الأربعة، بواقع ست فرق عسكرية تابعة للجيش، وتحليق مكثف للطائرات المروحية، بالتزامن مع اتصالات هاتفية لا تقل سخونة عن الواقع في الأرض، مع مسؤولين أميركيين وسفراء دول أوروبية وإقليمية لطلب المساعدة العسكرية والسياسية لدعم العراق.

غير أن مراقبين يرون أن إعلان حالة الطوارئ في البلاد، لن يكون ذا فائدة أو تأثير كبيرين، مع وجود جيش مفكك تعرّض لنكسات كبيرة في الفلوجة والرمادي والكرمة، وآخرها في الموصل، ما قد يعني أنه سيكون على المالكي الرضوخ لمطالب العشائر والقوى العربية السنية، المتمثلة بـ14 بنداً من أجل إقناعهم بإلقاء السلاح والركون إلى التفاوض، وهو ما يعول عليه الجميع الآن. 

ويقول النائب في البرلمان العراقي خالد الدليمي، لـ"العربي الجديد"، إن "سقوط الموصل قد يكون مرحلة أولى لسقوط مدن عراقية كبرى من بينها بغداد، وخصوصاً مع وجود عشائر عربية سنية قوية تحيط بالعاصمة من اتجاهاتها الأربعة والجيش منهار بشكل شبه كامل". وأضاف أن "الجميع على أعتاب مرحلة مفتوحة على كل الاحتمالات، وعلى المالكي، إن رغب بالسيطرة على الأوضاع في البلاد، أن يذعن لمطالب العشائر وينفذها سريعاً، لأن هناك تقاطعا كبيرا بين العشائر وداعش، والمصلحة في التصدي للمالكي جمعتهم، ويمكن عند انتفاء تلك المصلحة أن تقوم العشائر نفسها بالتصدي للتنظيم وإعادة العمل بالقانون والدستور".

ومن أبرز مطالب العشائر، المقدمة قبل عام، وأُضيف إليها بند تنحّي المالكي عن السلطة: تعديل بعض فقرات الدستور، وإطلاق سراح المعتقلين السنّة من النساء والرجال، وإحالة المتهمين بجرائم تعذيب وإعدام من قوات الأمن إلى القضاء، وهيكلة الجيش والشرطة وإعادة بنائها وفق التركيبة السكانية، ودمج المليشيات بقانون مكافحة الإرهاب أسوة بالجماعات المرتبطة بتنظيم "القاعدة"، ومطالب أخرى من بينها إعادة محاكمة الأشخاص المحكومين بالإعدام وفقاً لنظام المخبر السري.

وفي حال الموافقة على تلك المطالب، تكون العشائر المنتفضة، ومعها الفصائل الإسلامية الوطنية المتحالفه معها، أمام مطلب واحد، هو تجميد العمل المسلح والجلوس للحوار بهدف رسم الصورة السياسية المستقبلية للعراق. وإن تم ذلك، سيفقد تنظيم "داعش" القدرة على التحرك، وخصوصاً أن صورة هذا التنظيم في سورية تختلف عما هي عليه في العراق، بوجود عشائر مسلحة قوية يمكن لها التصدي لمشروعه.

وفي حال رفض المالكي المطالب تلك، سيكون على العراق الاستعداد لحرب داخلية كبيرة ذات طابع مذهبي لن يكون فيها رابح، وهو ما يؤكده أمير عشائر الدليم في الأنبار، الشيخ علي الحاتم، الذي وصف الوضع في بلاد الرافدين، في حديث لـ"العربي الجديد"، بأنه "على شفا حفرة من النار يمكن الابتعاد عنها في حال وافق حاكم المنطقة الخضراء (بالإشارة إلى المالكي) إلى إعادة الحقوق لأهلها".

المساهمون