"عولمة التطرّف" في الإسكندرية

30 يناير 2017
+ الخط -
على مدى يومين، عقدت مكتبة الإسكندرية مؤتمرها السنوي عن مواجهة التطرّف والإرهاب. شارك فيه أكثر من مائة خبير وباحث من مختلف دول العالم، للتباحث في كيفية التعامل مع ظاهرة "التطرّف" في النطاق العالمي. الجديد فيه أنه وضع النطاق العالمي لظاهرةٍ في بؤرة الاهتمام والتحليل، فمعظم الفعاليات التي تصدّت للظاهرة بصفة خاصة، والإرهاب عموماً، كانت تنطلق من منظورٍ محلي، أياً كانت الدولة المعنية به. وعلى الرغم من أن العالم كله متفق في أن الإرهاب والتطرّف ظاهرةٌ عالميةٌ ليست مرتبطةً بمجتمع معين، ولا ببيئة أو ثقافةٍ من دون غيرها. لكن، عند البحث في الأسباب والدوافع وراء الظاهرة، سرعان ما يتم اختزال الأمر في جذور داخلية بالأساس. من هنا، كانت لمؤتمر الإسكندرية أهمية كبيرة في اتجاهين أساسيين، النظرة المقارنة بين أسباب الظاهرة ومحرّكاتها في أكثر من حالة على مستوى العالم. ثم الاطلاع على تجارب دولية متنوعة في التعاطي مع التطرّف ومواجهته.
تطلع منظمو المؤتمر في تناول الظاهرة وإخضاعها للتحليل بشموليةٍ، وباقتراب عولمي، إلا أن مشاركين ممن يفترض أنهم خبراء متخصصون لم تكن مساهماتهم على مستوى طموح مكتبة الإسكندرية، فقد انطلقت أوراق بحثية وأطروحات بعض المتحدثين الرئيسيين من مواقف مقولبة ومتحيزة مسبقاً، تعتبر التطرّف صنواً للإسلام والمسلمين، حتى وإن كانوا من المقيمين في الغرب منذ عقود، مع تجاهل تام لوجود أمثلةٍ عديدةٍ على تطرّف غير المسلمين، ليس ضد الإسلام فقط، لكن أيضاً ضد هويات أخرى، قد تكون عرقيةً أو قوميةً، بغض النظر عن العقيدة.
هناك اتفاقٌ على أن التطرّف هو المرحلة النظرية السابقة على الإرهاب، فالفكر المتطرّف، أياً كان مجاله، هو أساسٌ قابلٌ للتطور والتحول عند التطبيق إلى سلوك عنيف. وعلى الرغم من ذلك، لا ترى العالم يتحرّك أو يفزع لاستباق تلك النقلة، إلا عندما يرتبط التطرّف بالإسلام والمسلمين. وعلى الرغم من أن عنوان مؤتمر الإسكندرية هو "العالم ينتفض.. متّحدون في مواجهة التطرّف"، فإن من تابع أعمال المؤتمر يمكنه بسهولةٍ أن يدرك كم كان العالم (ولا يزال) بعيداً عن الانتفاض ضد التطرّف بمفهومه المطلق غير المبتسر.
وعلى أهمية مقارناتٍ بين تجارب بعض الدول الغربية في مواجهة ظاهرة التطرّف، إلا أنها أظهرت نتائج محبطة لجهة التعاطي العالمي مع الظاهرة، فقد ثبت أن أزمةً حقيقيةً تواجه التنسيق بين الدول الغربية، ليس فقط على مستوى التحرّك الفعلي واستراتيجيات المواجهة وأدواتها وتجفيف منابع التطرّف ثقافياً وتعليمياً، لكن أيضاً على مستوى التخطيط والمتابعة، خصوصاً في تبادل المعلومات والخبرات السابقة. وما يدعو إلى الدهشة أكثر غياب ذلك التنسيق والتعاون، ليس فقط فيما بين الدول وبعضها بعضاً. لكن أيضاً في داخل الدولة الواحدة، والمثال الأبرز ألمانيا، حيث لكل ولاية جهازها الأمني وحكومتها وسياستها الداخلية تجاه المقيمين فيها. وتبادل المعلومات والتنسيق، سواء في التخطيط أو التنفيذ، أمرٌ ليس مؤكداً في كل الحالات. والسبب المباشر وراء ذلك الارتباك غياب رؤية واحدة شاملة متفق عليها حول الظاهرة، بدءاً من التعريف، انتهاءً بطرائق المواجهة وأدواتها. والوجه الإيجابي في ذلك الوضع أن بعض الأوروبيين والغربيين عموماً يدركون جيداً أن تجاربهم في هذا الصدد فاشلة بامتياز. على خلاف الشرق الآسيوي، حيث اقترح خبير صيني الاستفادة من آلية الاحتواء والدمج التي طبقتها الصين تجاه تعدّد الهويات لديها، بين أديان وعقائد وأعراق وقوميات مختلفة، فيما وصفه بالصيننة أو التصيين. وهو أمر يحتاج إلى دراسةٍ وافية للواقع الصيني، قبل قبول هذا الطرح. نجح المؤتمر، إلى حد كبير، في طرق زوايا جديدة للنظر إلى ظاهرة التطرّف، وإن لم يتجاوز مسائل إشكالية مبدئية، مثل التعريف والربط الشرطي بين الظاهرة والإسلام. لكنه بدايةٌ تستحق التسجيل والمتابعة والبناء عليها.
58A20E76-8657-4557-85A3-A5682BEB4B9A
سامح راشد

باحث مصري متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الإقليمية للشرق الأوسط. درس العلوم السياسية وعمل في مراكز أبحاث مصرية وعربية. له أبحاث ومقالات عديدة في كتب ودوريات سياسية.