"عملية رمضان" في موريتانيا

28 يونيو 2016
مع بداية شهر رمضان، انتشرت الأسواق المؤقتة (فرانس برس)
+ الخط -

يقترب شهر رمضان من نهايته، ويحاول الموريتانيون الاحتفال كما يجب بما تبقّى منه، إذ لم تتمكّن أسر كثيرة من استهلاله هذا العام مثلما جرت العادة. فالتهيؤ لاستقبال هذا الشهر الفضيل تزامن مع امتحانات نهاية العام الدراسي في مدارس موريتانيا وجامعاتها.

بعدما قدّمت مؤسسات تعليمية كثيرة مواعيد امتحاناتها النهائية ونظّمتها في أوائل شهر يونيو/ حزيران الجاري حتى لا تتزامن مع بداية شهر رمضان، لم تتمكّن كثيرات من ربات البيوت من الاستعداد بحسب ما كنّ يرغبن. يُذكر أنّ تلك الامتحانات تنظّم عادة بين السادس والعاشر من يونيو/ حزيران من كلّ عام. وبسبب ضيق الوقت وحفاظاً على جوّ الدراسة في المنازل، ألغت أسر موريتانية كثيرة استعداداتها، سواء تلك المتعلقة بترتيب البيت وإعداد المأكولات أو تلك العادات والتقاليد الاجتماعية التي تسبق شهر الصيام من زيارات عائلية أو توزيع المساعدات على الأقارب والمحتاجين. وقد عمد البعض إلى تأجيل ذلك حتى اللحظة الأخيرة.

تأثّرت عملية شراء المؤونة الخاصة برمضان، بالأجواء التي سادت قبيل الصيام على أثر تقديم مواعيد الامتحانات، فبدت الأسواق هادئة على غير عادتها. ويشير محمد أحمد ولد بياه (51 عاماً) وهو تاجر، إلى "أنّ حركة الشراء كانت منخفضة في تلك الفترة، بسبب انشغال العوائل بفترة الاختبارات، بالإضافة إلى عاملَي ارتفاع الأسعار وارتفاع درجات الحرارة". يضيف أنّ "كثيرين راحوا ينتظرون انخفاض أسعار المواد الأساسية لشراء مؤونة الشهر. فالأسعار في البداية تتأثّر بالمضاربات واحتكار بعض التجّار للمواد الأساسية المستوردة من الخارج".

تجدر الإشارة إلى أنّ الأسواق المؤقتة تنتشر مع بداية شهر رمضان، إذ تسمح السلطات لصغار الباعة بعرض الخضر والفاكهة والأسماك في الشوارع وبالقرب من المساجد. فيلعب هؤلاء على عامل القرب من المستهلك، لمنافسة الأسواق الكبيرة التي أصبح الوصول إليها صعباً نتيجة زحمة السير في شوارع العاصمة على خلفيّة أعمال البناء والصيانة، فنواكشوط تستعد لاستقبال القمة العربية في 25 و26 يوليو/ تموز المقبل.




ولعلّ أكثر ما يميّز الأسواق المؤقتة، البائعات اللواتي يعرضن الخضر والأواني البلاستيكية على البسطات. أم الخوت بنت سعد بوه من بين هؤلاء، وقد دفعتها الحاجة إلى هذا العمل. تقول: "أبيع الخضر بالتجزئة، أو أجهّزها وأقطّعها لمن يرغب في ذلك". وتقرّ بأنّ "حركة البيع كانت ضعيفة في الأيام الأولى لرمضان على غير عادتها. وهذا ما سبّب لي خسارة كبيرة، بسبب البضائع التي تلفت والإتاوات التي اضطررت إلى تسديدها للبلدية".

الباعة جميعهم، عوّلوا في بداية شهر رمضان على ما يليها من أيام، لتعويض خسارتهم. فالمتسوقون راحوا ينتظرون انخفاض الأسعار التي كانت قد ارتفعت بشكل غير مسبوق قبيل رمضان، قبل الإقبال على الأسواق. يُذكر أنّ أسعار السلع الرمضانية كانت قد تزايدت قبيل الشهر الفضيل وفي بدايته، على الرغم من حملات السلطات لضبط الأسواق. وقد عرفت أسعار التمور والألبان والبصل والبطاطس والدقيق ارتفاعاً كبيراً، الأمر الذي دفع السلطات الى إطلاق "عملية رمضان" التي رُصد لها أكثر من 2.6 مليون دولار أميركي لتمكين المواطنين وذوي الدخل المحدود من التزوّد بالسلع بعيداً عن مضاربات التجّار، ولتلبية الطلب المتزايد على المواد الغذائية خلال هذا الشهر وضبط تقلّب الأسعار.

وكانت السلطات قد أملت أن تساعد عمليتها تلك في تثبيت الأسعار وتوفير كميات معتبرة من المواد الاستهلاكية الأساسية مثل السكر والأرزّ والمعجنات والحليب المجفف والبطاطس والبصل التي تباع بأسعار مخفّضة في دكاكين البيع بالتقسيط. لكنّ صغار الباعة عبّروا عن امتعاضهم من تلك العملية التي رأوا أنّها تحرمهم من جزء من زبائنهم، بحسب ما يقول البائع إبراهيم ولد الصغير. يضيف أنّ "صغار الباعة متضررون من تقلبات الأسعار وكساد السوق وأيضاً من توسيع عملية توزيع المواد الأساسية، فيما كبار الباعة والمورّدون يستفيدون من المضاربات وعمليات الاحتكار وبيع المواد الغذائية المنتهية الصلاحية وأيضاً من صفقاتهم مع الدولة لتوفير مواد بأسعار مخفّضة".

على الرغم من كلّ ما أثّر على احتفال الموريتانيين بشهر رمضان في بدايته، إلا أنّ هذا الشهر الفضيل يبقى مناسبة دينية يُقبل الموريتانيون خلالها على الاعتكاف في المساجد وممارسة العادات الاجتماعية الأصيلة المرتبطة بصلة الرحم والتكافل الاجتماعي والأعمال الصالحة. وتقول سعاد بنت أحمد زين (52 عاماً) وهي ربّة منزل، إنّ "أبرز ما يميّز شهر رمضان في موريتانيا هو صلة الرحم وتجمّع العائلات حول مائدة الإفطار، بالإضافة إلى حضور الدروس الدينية وإقامة صلاة التراويح". وتشير كذلك إلى أنّ "النساء والرجال يحرصون على ارتداء الملابس التقليدية طيلة هذا الشهر، ويحترمون العادات المرتبطة به كعدم الاختلاط في المجالس. كذلك تمتنع النساء عن التبرّج والزينة، فيما يحرصن على دعوة الأقارب للإفطار والقيام بواجب صلة الرحم".