المعالجون الروحانيون يلقون شعبية في السعودية، فكثيرون يلجؤون إليهم بهدف حلّ مشاكلهم الصحية والاجتماعية والماورائية حتى
لا يمكن أن تمر في شارع شعبي في أي مدينة سعودية من دون أن تصادف إعلانات لمياه مقدسة (قرئ عليها القرآن) أو زيوت من نفس النوع، أو "شيوخ" يزعمون أنهم يطردون الجن والشياطين، ويعالجون الأمراض المستعصية بالقراءات. يتقاضى هؤلاء مبالغ ضخمة تتجاوز أحياناً 10 آلاف دولار أميركي عن كلّ مريض، وسط غياب تام لأيّ إجراء حكومي يكبح هذه الممارسات.
يعرف في السعودية أنّ الرقية الشرعية جائزة من خلال رجال الدين الثقات. لكنّ هؤلاء المعالجين يتجاوزون الرقية الشرعية إلى أمور أخرى يؤكد رجال الدين أنفسهم أنّها غير جائزة.
ويؤكد الداعية سعود السهيمي أنه لم يرد في الإسلام ما يؤكد صحة هذا الفعل. ويقول لـ"العربي الجديد" :"أفتى الشيخ محمد بن عثيمين أنّه لم يرد عن النبي الكريم أنّه كان يقرأ في الماء أو الزيت ليدهن به المريض أو يشربه. لكن مع ذلك، نجد من يروّج لهذه الأمور، ويستغل حاجة الناس للعلاج ويجني منهم الملايين من دون وجه حق".
ويحتاج الوصول إلى أحد هؤلاء المعالجين موعداً مسبقاً. ولديهم تباع قارورة الماء التي لا تتجاوز قيمتها أكثر من 30 سنتاً بأكثر من 1.5 دولار أميركي، وقارورة الزيت بأكثر من 6 دولارات. وتكلف جلسة القراءة الواحدة نحو 10 دولارات.
ولا يقتصر الأمر على بيع المياه والزيوت التي يُزعم القراءة عليها بأضعاف قيمتها الأصلية، بل يتجاوز ذلك للزعم بإخراج الجنّ المتلبس في جسد الإنسان. فيتقاضى "الشيوخ" المعالجون مبالغ طائلة. وعن ذلك، يؤكد الراقي الشرعي فهد البقمي أنّ كل هذا من تجارة الوهم التي لم ترد في شرع. ويقول لـ"العربي الجديد": "منذ أكثر من 25 عاماً أقوم بالرقية الشرعية، ولم يأتني مريض واحد تلبّسه الجن، ولا يعترف أحد بهذا الأمر سوى المغفلين. وهناك من يستغل غباء الناس لإيهامهم بذلك وسحب الأموال الطائلة منهم".
ولا يقتصر الأمر على الاحتيال وسرقة الأموال بل يهدد الحياة أيضاً. وتكشف استشارية المخ والأعصاب فوزية بامقدم أنّ محاولة أحد الشيوخ القراءة على طفلة مصابة بتشنجات عصبية انتهت بوفاة الطفلة. وتقول: "تجاهل أفراد عائلتها التشنجات التي أصابتها طبياً، وعالجوها بالقرآن لاعتقادهم أنّ جناً يسكنها، ولم يعرضوها على الطبيب". وتردف: "على الرغم من أنّ للقرآن الكريم فوائد كثيرة، إلاّ أنّ عصر الرسول الكريم شهد المعالجة بالطب الشعبي".
كذلك، دخلت محلات العطارة والأعشاب في السوق الرائج هذا، وباتت تبيع مواد عديدة قرئ عليها، من المياه والزيوت وحتى العسل، إلى الدهانات والكريمات التجميلية وبعض الأعشاب الطبية. وتجد هذه المواد رواجاً خصوصاً بين النساء، على الرغم من أنّ أسعارها تتجاوز خمسة أضعاف مثيلاتها في الصيدليات.
ويعترف محمد ناصر البائع في أحد محلات العطارة في الدمام لـ"العربي الجديد" أنّ "أسعار تلك المواد مرتفعة، نتيجة للوقت الذي يبذله الشيخ في قراءة القرآن عليها"، نافياً أن يكون في الأمر أيّ استغلال. ويشدد البائع الآخر سعد الجابري أنّه مجبر على البيع بأسعار مرتفعة، لأنّها محددة من الشيخ. ويقول لـ"العربي الجديد": "بيع هذه المواد جائز، والتداوي بالقرآن لا حرج فيه ويشمل طرد الجن وتعطيل السحر وعلاج جميع الأمراض. وإن كنا نعترف بمبالغة البعض في الأسعار".
كذلك، يتبع بعض المعالجين الروحانيين، بفضل قبول المجتمع، أساليب جديدة منها القراءة الجماعية. وفيها يجمع المعالج أكثر من عشرين "مريضاً" في غرفة واحدة ويقرأ عليهم القرآن والتمائم دفعة واحدة. وكلّ منهم يدفع المطلوب. وهي طريقة يؤكد كبار رجال الدين أنّها غير صحيحة، ولا تتفق مع الطرق الشرعية للقراءة. ويقول الشيخ أحمد سندس لـ"العربي الجديد" إنّ هذه الطريقة "مخالفة للسنة، وتهدف إلى سرقة أموال الناس لا أكثر، مثلها مثل استخدام الذئاب لطرد الجن".
وبعيداً عن كلّ ذلك، يؤكد أستاذ علم الاجتماع في جامعة الملك سعود في الرياض أحمد الموسى أنّ غياب الثقة في الطبّ يقود بعض المرضى إلى الدجالين ومن يدعون العلاج بقراءة القرآن. ويقول لـ"العربي الجديد": "التغير السريع في المجتمع بات سبباً في رواج تجارة الوهم، والعلاج بالرقية الشعبية لبيع هذه الأوهام التي لم تقتصر على قطاع أو فكر معين". ويضيف: "هناك من يزعم أنه يعالج كل الأمراض من دون استثناء، وللأسف يصدقه الكثيرون، ويدفعون مبالغ طائلة من دون أي فائدة. هؤلاء الدجالون يستغلون حاجة الناس للعلاج، ليبيعوا لهم الوهم، فهم يتاجرون بأمراضهم".
كذلك، تطالب استشارية طب الأسرة والمجتمع في جامعة الملك سعود، نورة الدويش بفرض رقابة مشددة على هؤلاء المعالجين. وتقول لـ"العربي الجديد" إنّ كثيرين من بينهم "يتورطون في جرائم تحرش، واعتداء على النساء. وقد تم تسجيل أكثر من 520 عملية تحرش في الأعوام الخمسة الماضية من قبل مدّعي الرقية الشرعية". وتضيف :"العقل البشري قابل لتلقي الخرافة والوهم، سواء أكان في السعودية أو في أي مكان. وهذا التقبل لا يختلف ما بين متعلم وغير متعلم".
إقرأ أيضاً: "فقهاء" المغرب مشعوذون
لا يمكن أن تمر في شارع شعبي في أي مدينة سعودية من دون أن تصادف إعلانات لمياه مقدسة (قرئ عليها القرآن) أو زيوت من نفس النوع، أو "شيوخ" يزعمون أنهم يطردون الجن والشياطين، ويعالجون الأمراض المستعصية بالقراءات. يتقاضى هؤلاء مبالغ ضخمة تتجاوز أحياناً 10 آلاف دولار أميركي عن كلّ مريض، وسط غياب تام لأيّ إجراء حكومي يكبح هذه الممارسات.
يعرف في السعودية أنّ الرقية الشرعية جائزة من خلال رجال الدين الثقات. لكنّ هؤلاء المعالجين يتجاوزون الرقية الشرعية إلى أمور أخرى يؤكد رجال الدين أنفسهم أنّها غير جائزة.
ويؤكد الداعية سعود السهيمي أنه لم يرد في الإسلام ما يؤكد صحة هذا الفعل. ويقول لـ"العربي الجديد" :"أفتى الشيخ محمد بن عثيمين أنّه لم يرد عن النبي الكريم أنّه كان يقرأ في الماء أو الزيت ليدهن به المريض أو يشربه. لكن مع ذلك، نجد من يروّج لهذه الأمور، ويستغل حاجة الناس للعلاج ويجني منهم الملايين من دون وجه حق".
ويحتاج الوصول إلى أحد هؤلاء المعالجين موعداً مسبقاً. ولديهم تباع قارورة الماء التي لا تتجاوز قيمتها أكثر من 30 سنتاً بأكثر من 1.5 دولار أميركي، وقارورة الزيت بأكثر من 6 دولارات. وتكلف جلسة القراءة الواحدة نحو 10 دولارات.
ولا يقتصر الأمر على بيع المياه والزيوت التي يُزعم القراءة عليها بأضعاف قيمتها الأصلية، بل يتجاوز ذلك للزعم بإخراج الجنّ المتلبس في جسد الإنسان. فيتقاضى "الشيوخ" المعالجون مبالغ طائلة. وعن ذلك، يؤكد الراقي الشرعي فهد البقمي أنّ كل هذا من تجارة الوهم التي لم ترد في شرع. ويقول لـ"العربي الجديد": "منذ أكثر من 25 عاماً أقوم بالرقية الشرعية، ولم يأتني مريض واحد تلبّسه الجن، ولا يعترف أحد بهذا الأمر سوى المغفلين. وهناك من يستغل غباء الناس لإيهامهم بذلك وسحب الأموال الطائلة منهم".
ولا يقتصر الأمر على الاحتيال وسرقة الأموال بل يهدد الحياة أيضاً. وتكشف استشارية المخ والأعصاب فوزية بامقدم أنّ محاولة أحد الشيوخ القراءة على طفلة مصابة بتشنجات عصبية انتهت بوفاة الطفلة. وتقول: "تجاهل أفراد عائلتها التشنجات التي أصابتها طبياً، وعالجوها بالقرآن لاعتقادهم أنّ جناً يسكنها، ولم يعرضوها على الطبيب". وتردف: "على الرغم من أنّ للقرآن الكريم فوائد كثيرة، إلاّ أنّ عصر الرسول الكريم شهد المعالجة بالطب الشعبي".
كذلك، دخلت محلات العطارة والأعشاب في السوق الرائج هذا، وباتت تبيع مواد عديدة قرئ عليها، من المياه والزيوت وحتى العسل، إلى الدهانات والكريمات التجميلية وبعض الأعشاب الطبية. وتجد هذه المواد رواجاً خصوصاً بين النساء، على الرغم من أنّ أسعارها تتجاوز خمسة أضعاف مثيلاتها في الصيدليات.
ويعترف محمد ناصر البائع في أحد محلات العطارة في الدمام لـ"العربي الجديد" أنّ "أسعار تلك المواد مرتفعة، نتيجة للوقت الذي يبذله الشيخ في قراءة القرآن عليها"، نافياً أن يكون في الأمر أيّ استغلال. ويشدد البائع الآخر سعد الجابري أنّه مجبر على البيع بأسعار مرتفعة، لأنّها محددة من الشيخ. ويقول لـ"العربي الجديد": "بيع هذه المواد جائز، والتداوي بالقرآن لا حرج فيه ويشمل طرد الجن وتعطيل السحر وعلاج جميع الأمراض. وإن كنا نعترف بمبالغة البعض في الأسعار".
كذلك، يتبع بعض المعالجين الروحانيين، بفضل قبول المجتمع، أساليب جديدة منها القراءة الجماعية. وفيها يجمع المعالج أكثر من عشرين "مريضاً" في غرفة واحدة ويقرأ عليهم القرآن والتمائم دفعة واحدة. وكلّ منهم يدفع المطلوب. وهي طريقة يؤكد كبار رجال الدين أنّها غير صحيحة، ولا تتفق مع الطرق الشرعية للقراءة. ويقول الشيخ أحمد سندس لـ"العربي الجديد" إنّ هذه الطريقة "مخالفة للسنة، وتهدف إلى سرقة أموال الناس لا أكثر، مثلها مثل استخدام الذئاب لطرد الجن".
وبعيداً عن كلّ ذلك، يؤكد أستاذ علم الاجتماع في جامعة الملك سعود في الرياض أحمد الموسى أنّ غياب الثقة في الطبّ يقود بعض المرضى إلى الدجالين ومن يدعون العلاج بقراءة القرآن. ويقول لـ"العربي الجديد": "التغير السريع في المجتمع بات سبباً في رواج تجارة الوهم، والعلاج بالرقية الشعبية لبيع هذه الأوهام التي لم تقتصر على قطاع أو فكر معين". ويضيف: "هناك من يزعم أنه يعالج كل الأمراض من دون استثناء، وللأسف يصدقه الكثيرون، ويدفعون مبالغ طائلة من دون أي فائدة. هؤلاء الدجالون يستغلون حاجة الناس للعلاج، ليبيعوا لهم الوهم، فهم يتاجرون بأمراضهم".
كذلك، تطالب استشارية طب الأسرة والمجتمع في جامعة الملك سعود، نورة الدويش بفرض رقابة مشددة على هؤلاء المعالجين. وتقول لـ"العربي الجديد" إنّ كثيرين من بينهم "يتورطون في جرائم تحرش، واعتداء على النساء. وقد تم تسجيل أكثر من 520 عملية تحرش في الأعوام الخمسة الماضية من قبل مدّعي الرقية الشرعية". وتضيف :"العقل البشري قابل لتلقي الخرافة والوهم، سواء أكان في السعودية أو في أي مكان. وهذا التقبل لا يختلف ما بين متعلم وغير متعلم".
إقرأ أيضاً: "فقهاء" المغرب مشعوذون