لعلّ رواية "يوتوبيا"، للكاتب أحمد خالد توفيق، كانت من الأعمال البارزة التي استطاعت أن تقارب المجتمع المصري قبل قيام ثورة يناير 2011؛ إذ اقترحتْ مشهداً لمصر، وما يدور فيها من صراعٍ طبقي وواقع متفكّك في حال استمر الوضع على ما كان عليه قبل الثورة.
من ناحيةٍ أخرى، يحاول كتّاب شباب اقتراح تصوّر لما يمكن أن يحدث في مصر ما بعد الثورة، على المستويات السياسية والاجتماعية. من التجارب اللافتة في هذا السياق، رواية "عطارد" (2015)، لـ محمد ربيع (1978)، التي تنتظر إعلان نتائج جائزة "بوكر للرواية العربية"؛ حيث تنافس خمس روايات أخرى على القائمة القصيرة.
كثيرٌ من النقّاد والقرّاء، وجدوا أن الرواية مشبعة بالكآبة والعنف، وأنّها تقدّمُ تصوّراً سوداوياً للبلاد، قبل أن يشير الكاتب، في ما بعد، عبر أحد الحوارات التلفزيونية أن بعض أحداث الرواية بُنيت علي أحداث حقيقية بالفعل.
هكذا، تقف "عطارد" على الجهة المقابلة لـ "يوتوبيا"، لتصبح رمزاً لـ "ديستوبيا"، تصوّر مجتمعاً يعاني من مختلف أنواع القمع والفساد والعبث والفوضى، ربّما تعيش مصر جزءاً منها الآن.
عطارد هو أقرب كواكب المجموعة الشمسية إلى نجمها، وهو الاسم الذي اختاره ربيع لبطل روايته، أحمد عطارد؛ ضابط الشرطة الذي شهد سقوط المؤسسة الأمنية التي يعمل فيها في يناير 2011، ثم أكمل حياته ليشهد ما يحدث لمصر بعد 14 عاماً من الثورة.
تدور أحداث الرواية عام 2025؛ حيث اختار ربيع من هذا الزمن مسرحاً لأحداثٍ غريبة، إذ تقع البلاد تحت احتلال جيش فرسان مالطا الذين "ربما شجعتهم حكومات دول العالم المختلفة للخلاص من جعجعة المصريين الفارغة والسذاجة التي تُدار بها العلاقات الدولية طوال السنوات الماضية"، كما يقول الكاتب.
هنا، يتحوّل عطارد إلى قناص في صفوف المقاومة، يقضي معظم وقته فوق أسطح البنايات وبرج القاهرة لقنص عناصر جيش فرسان مالطا، ومسؤولين مصريين متواطئين مع الاحتلال. أحياناً، نجده يطلق النار بشكل عشوائي على المصريين، بهدف استفزازهم لعلّهم يثورون على الاحتلال.
تتحوّل مصر، إذن، إلى نموذج مثالي للدستوبيا؛ حيث الدعارة أصبحت مهنة قانونية، والكربون المستخرج من النمل والصراصير والجعارين والخنافس هو المخدر الأكثر شيوعاً في البلد، وشارع الأهرام يحتضن سبعة أهرامات من القمامة، والكلاب تدفن البشر.
يردّد عطار طوال الرواية فكرةً مفادها بأننّا أصبحنا في الجحيم: "لن يخرجوا من جحيمنا هذا إلا إلى جحيم آخر"، ويصبح مؤمناً بأن خلاص البشر يكمن في "إخراج الناس من الجحيم بقتلهم".
(مصر)