يؤمن مايكل دوغلاس، أستاذ الإعلام في جامعة نورث داكوتا، بوجود تنسيق يميني موسع بين مؤسسات سياسية وأخرى إعلامية وجماعات ضغط، تقف كلها وراء الملياردير ورجل الأعمال الأميركي دونالد ترامب، من أجل الفوز بترشيح الحزب الجمهوري، لخوض السباق الرئاسي نحو البيت الأبيض.
ورغم أن الكثيرين في العالم العربي يعتقدون أن ترامب يغرد خارج السرب بآرائه المتطرفة وغير الجادة، إلا أن "الحقيقة ليست كذلك"، كما يعتقد دوغلاس المهتم برصد ظاهرة ترامب، وتفكيك المنظومة التي تقف خلفه، والتي تضم محطات تلفزيونية وأشخاصا متنفذين ودوائر يمينية محافظة إلى جانب مئات المواقع الإلكترونية المعادية للمهاجرين والعرب والمسلمين بشكل عام، والتي تدعم كلها خطابه.
وفي مستهل انطلاقة الانتخابات التمهيدية للسباق نحو البيت الأبيض، استعان "العربي الجديد"، بخبراء في الحملات الانتخابية وأساتذة الإعلام والتواصل في الولايات المتحدة، لسبر أغوارالمنظومة الداعمة لترامب، والتي تصنع صورته أمام الرأي العام الأميركي الذي يتمتع إمبراطور العقار وسطه بأفضلية عن بقية مرشحي الحزب الجمهوري، وفقا لآخر استطلاعات الرأي العام.
اقرأ أيضا: 8 مرشحين لخلافة أوباما.. كيف يرون قضايا العرب والمسلمين؟
كوري ليفاندوفسكي
"يعتبر كوري ليفاندوفسكي مدير الحملة الانتخابية لدونالد ترامب نسخة طبق الأصل عن هذا الأخير "كما يقول الصحافي الأميركي في مجلة بوليتكو، بن شريكنغر، قبل أن يضيف في تصريحات إلى "العربي الجديد": "هذا الرجل هو الذي ينصح ترامب ويؤطر خطابه وظهوره، وأيضا هجماته ضد الخصوم في الحزب الجمهوري منذ يناير/كانون الثاني الماضي".
يعرف كوري ليفاندوفسكي في الدوائر السياسية الجمهورية بـ"مفجر القنابل"، إذ غالبا ما تخلف تصريحاته الجدل وسط حزب تتجاذبه أطراف يمينية متشددة وأخرى تحاول إعادة تكييفه مع المجتمع الأميركي، كما يقول بروس بيرك، الخبير في الحملات الانتخابية وأحد مستشاري المرشح الجمهوري جون كيسك، ويتابع بيرك في تصريحات إلى "العربي الجديد" إن "كوري هو شخص صدامي ومندفع في كثير من الأحيان، ولا يخاف من إحداث ضجة في المواضيع المتعلقة بالأمن القومي الأميركي".
ويؤكد الصحافي السياسي شريكنغر، أن ترامب استعان بكوري مقابل إغراءات مادية كبيرة، فالأجر المعلن عنه قرابة ربع مليون دولار سنويا، وهو ما يعني أنه يتقاضى تقريبا 20 ألف دولار شهريا.
ورغم أن بعض وسائل الإعلام الأميركية اعتبرت التحالف بين ترامب وكوري "مرحلياً"، إلا أن أحد المستشارين الإعلاميين في حملة ترامب، يؤكد لـ"العربي الجديد" أن كوري "ما كان ليشتغل مع ترامب لولا إيمانه بالقيم والأفكار التي يريد ترامب أن تسود أميركا".
أما بن شريكنغر، فيقول إن ليفاندوفسكي نشأ في وسط فقير بولاية نيو هامبشير واشتغل مع اللوبيات (جماعات الضغط السياسية) ثم التقى في السنوات الأخيرة دونالد ترامب، متابعا "الاثنان يتشابهان. يمكن أن أقول لك إن أي شخص يحترم نفسه في واشنطن يرفض الاشتغال مع ترامب، لأن ذلك يعني نهاية مشواره المهني. لا أحد سيحترمه في الدوائر السياسية الأميركية بعد ذلك".
اقرأ أيضا: "أمنجية" الجالية المصرية في واشنطن.. "تنظيم الخارج"
سام كلوفيس
هو مستشار ترامب، وناشط محافظ عن ولاية أيوا. فشل مرارا في الوصول إلى الكونغرس فتفرغ لتقديم الاستشارات لصقور الحزب الجمهوري. بدأ حملة 2016 مؤيدا لحاكم ولاية تكساس السابق ريك بيري. آنذاك كتب حول دونالد ترامب في رسالة إلكترونية خاصة أن إمبراطور العقار "لا يتمتع بحظوة المسيح. وهذا شيء كبير بالنسبة لنا"، في إشارة إلى أن ترامب غير ملتزم دينيا.
بعد أن خرج بيري من السباق نحو البيت الأبيض، بسبب الاستطلاعات التي كانت تضعه في ذيل قائمة الجمهوريين، اتجه سام كلوفيس نحو دونالد ترامب كمستشار سياسي بارز. تقول صحيفة الغارديان البريطانية إن كلوفيس الذي يشتغل أيضا أستاذا للاقتصاد في كلية مورنينغسايد في سيوكس سيتي، هو الذي صاغ الخطة الاقتصادية لدونالد ترامب، وبعض سياساته المثيرة للجدل كاقتراح منع المسلمين من دخول البلاد.
ويؤكد أستاذ التواصل في جامعة نيو مكسيكو، جو ميكائيل أن كلوفيس مثال للسياسيين الذين يحيرون الناخب الأميركي، "إذا لا يجدون أي مشكل في الانتقال بين أحضان السياسيين. فقد شتم تقريبا ترامب، لكن اليوم هو الذي يصنع وجهات نظره حول الأمن القومي" كما قال لـ"العربي الجديد".
أما سام كلوفيس، فقد رفض في حوار، مع الإذاعة الوطنية العامة الأميركية، أن يناقش هجومه حول ترامب، مشددا على أنه جلس مع ترامب "ووجده الشخص الوحيد ضمن كل الجمهوريين، الذين يستحقون الذهاب إلى واشنطن"، في إشارة إلى نيل بطاقة الترشيح للحزب الجمهوري.
غادفلاي فرانك جافني
يخلق ترامب باستمرار تصدعات وسط الحزب الجمهوري، الذي تتجاذبه تقاطبات يمينية متشددة وأخرى محافظة أكثر انفتاحا، "لكن دعوة ترامب إلى حظر دخول المسلمين إلى أميركا لم تأت من فراغ"، كما يقول بينجي سارلين، الصحافي والمحلل السياسي الأميركي في محطة (Msnbc)، مضيفا "دعوة ترامب التمييزية مجرد هامش لحركة كارهة للإسلام تتوغل في الدوائر اليمينية".
ويضيف لـ"العربي الجديد"، اقتراح ترامب منع المسلمين من دخول الولايات المتحدة جاء مقتطفا بالحرف من تقرير أصدره مركز السياسة الأمنية، وهو ذراع يميني ينظّر لسياسة المحافظين في أميركا. ويتزعم هذا المركز البحثي غادفلاي فرانك جافني، وهو من صقور اليمين، ويعتبر الأكثر تطرفا وسط اليمين الجمهوري، وهو الذي يتزعم أيضا "حركة معاداة الشريعة الإسلامية". وتحذّر هذه المنظمة باستمرار من المخاطر التي تواجهها الولايات المتحدة بسبب "التدفق الإسلامي ودعم المملكة العربية السعودية للإسلام في أميركا"، بحسب أحد التقارير الأخيرة الصادرة عن المركز.
وسبق للمرشحين الجمهوريين بن كارسون ودونالد ترامب أن حضرا مؤتمرا رفقة زعيم هذه المنظمة، وقد شوهد أيضا مرارا مع المرشح الجمهوري المتشدد تيد كروز، الذي يأتي في المرتبة الثانية في الاستطلاعات بعد ترامب.
يقول بينجي سارلين لـ"العربي الجديد":"غادفلاي فرانك جافني هو الذي روج لمرشحين عديدين منهم بن كارسون، بأن الأميركيين المسلمين لا يصلحون لرئاسة أميركا، لأنهم يعتمدون مبدأ التقية لإيهام الناس بأنهم معتدلون أو لا يؤمنون بالإسلام أصلا".
اقرأ أيضا: بالوثائق.. هكذا روّج السيسي نظامه في "كي ستريت"
فوكس نيوز
يجيب الصحافي الأميركي مارك لوفين (يعمل في إذاعة wabc)، على سؤال: من صنع ترامب؟ "بالتأكيد صنعه الحزب الجمهوري. لقد صنعته سلالة إدارة بوش. لكن فوكس نيوز أظهرته للعالم وخلقت له أيضا رأيا عاما كبيرا".
ويضيف لوفين لـ"العربي الجديد"، شبكة فوكس نيوز الإخبارية عملت منذ سنوات طويلة لإنشاء قاعدة يمينية من البيض كارهة للعرب وللمسلمين، وللمهاجرين أيضا. "كانت تغذي الملايين بخطاب الكراهية ضد هؤلاء جميعا، حتى جاء دونالد ترامب. لقد وجد ترامب الناس تنتظره، بفضل فوكس نيوز وشبيهاتها".
يؤكد لوفين أن الحزب الجمهوري اليوم في ورطة حقيقة "لا يعرف ماذا سيفعل. يريد خطاب ترامب، لكن لا يريد غوغائيا مندفعا لا يتحكم في كراهيته للآخر، إنه شخص منفلت. لكن تحبه فوكس نيوز، حرصت فوكس على استضافته كثيرا، لأنه يرفع نسب المشاهدة، وثانيا لأنهم صانعوه في الأصل".
وتعمل أيضا مئات المواقع الإخبارية اليمينية على نقل تصريحات ترامب باستمرار. وقد أكد موقعا "كومنتري"، و"ذا فيديراليست" أنهما حققا نسب قراءة غير مسبوقة في الأشهر التي صعد فيها نجم ترامب.
أما موقع "ستورم فرونت"، فنقلت عنه صحيفة "يوإس توداي" أنه شهد نسب متابعة كبيرة منذ الأحداث الإرهابية في كاليفورنيا. وفي حوار له مع صحيفة "بوليتيكو" قال دون بلاك، مؤسس الموقع إن "ستورم فرونت يحظى يوميا بحوالي نصف مليون مشاهدة وآلاف الزيارات العاجلة، بينما لم يكن يتعدى قبل ذلك 80 ألف زيارة في اليوم".
النازيون الجدد
"هايل دونالد ترامب (التحية النازية).. المنقذ أخيرا"، بهذا الشعار استقبل موقع "ذا ديلي ستورمر" التابع للنازيين الجدد في أميركا، دعوة ترامب لحظر دخول المسلمين إلى الولايات المتحدة.
وقال المسؤول عن الموقع أندرو أنجلين، 30 عاما، لوسائل إعلام أميركية "نحن داعمون لهذا الرجل. يا ترامب اجعل أميركا بيضاء من جديد".
ويعادي النازيون الجديد وجماعات كوكلوكس كلان العنصرية، (منظمة أخوية تؤمن بتفوق العنصر الأبيض)، استمرار استقبال المهاجرين. ويقول أنجلين "اقتراح ترامب بمنع المسلمين يتماشى مع توجهاتنا. ندعمه في حملاته وسنصوت عليه".
اقرأ أيضا: "إخوان" البيت الأبيض.. هكذا صنع اليمين الأميركي شائعات الاختراق
خطورة ترامب على الجمهوريين
تشغل ظاهرة "ترامب" بال الكثيرين من المهتمين بالانتخابات الأميركية، إذ كتب الدكتور أشرف الشريف أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأميركية في القاهرة، على صفحته على موقع التواصل الإجتماعي (فيسبوك)، "في ولاية أيوا الأميركية، وقف الملياردير ورجل الأعمال دونالد ترامب، في مؤتمر انتخابي، وبينما كان يمطر الحضور من مؤيدي الحزب الجمهوري بوعوده الغامضة الجوفاء، وأنه سيحقق كذا وكذا كالعادة، ارتفع صوت واحد معترض في الجموع، متساءلا "كيف؟"، كان رد ترامب هو: "Just watch".
وتابع أن "ظاهرة ترامب"، تبقى عصية علي فهم المحللين للشأن السياسي الأميركي، فكيف يستطيع شخص غير جاد مثل هذا، لا يتحدث في مضامين وتفاصيل أي سياسات في ظل وعود ضخمة يطرحها، كيف له أن يحظى بكل هذا التأييد وسط قاعدة جماهيرية تنتمي إلى مجتمع كانت وما زالت فلسفته المميزة تاريخيا هي البراغماتية نظريا علي يد فلاسفة مثل وليم جيمس وجون ديوي وعمليا علي يد الرأسمالية الأميركية بمؤسساتها الفوارة في السياسة والاقتصاد والثقافة.
وأوضح أن "ترامب يعبر عن تيار مزيج من الشعبوية الاقتصادية الغاضبة الممتزجة بالمحافظة الاجتماعية والعداء للمؤسسة السياسية وفكرته هي "Bringing america back" وأميركا المقصودة هنا هي أميركا الطبقة الوسطى والعاملة البيضاء التي تحتضن مبدأ الحراك الاجتماعي وحلم الصعود الطبقي الشهير.
وتوقع الشريف في منشوره، في حال فاز ترامب بورقة ترشيح الحزب الجمهوري، أن تدخل أزمة الحزب الجمهوري مرحلة تاريخية غير مسبوقة من التدهور، ما يجعل الرئيس الأميركي المقبل من الحزب الديمقراطي.
ويشبه الرأي السابق ما ذهب إليه المحلل السياسي الأميركي دافين برنارد، الذي قال لـ"العربي الجديد"،المرشح الذي سيفوز ببطاقة الحزب الجمهوري سيواجه بضربات كبيرة من الديمقراطيين، "فالخطابات غير العقلانية المفتقدة للبراغماتية، التي يروجونها في الانتخابات التمهيدية لدغدغة عواطف المتشددين وقواعد اليمين، لا تجد ترحيبا على المستوى الوطني، ويمكن أن تسبب في خسارة جديدة وفادحة للحزب الجمهوري".
وهو رأي يشاركه فيه المدير التنفيذي لمنظمة المسيحيين التقدميين براندان روبرتسون، والذي قال لـ"العربي الجديد"، بدأ المرشح الجمهوري الأبرز دونالد ترامب حملته الرئاسية بخطاب معاد للمكسيكيين. كان يدغدغ جمهور اليمين والشباب العاطل عن العمل بوعود "فاشية منذ البداية"، يتابع "إعلام اليمين المحافظ كان يهلل لخطاب ترامب العنصري، لكن الإعلام الليبرالي المتزن وقع في مصيدة اللهث وراء رفع المشاهدة. في المحصلة نحن من صنع ترامب".