07 نوفمبر 2024
"ضفة ثالثة"، مزهريات وظلال وارفة
انتبه قُرَّاء "العربي الجديد" إلى توقُّف الملحق الثقافي الأسبوعي وملحق الكتب الشهري. كما انتبهوا إلى إعلانٍ صادِرٍ في الصحيفة، يخبر قُرَّاءها أنها بصدد التهيؤ لمنبر ثقافي عربي، أطلقت عليه اسم ضفة ثالثة، وهو إصدار إلكتروني، يقع في قلبها وبمحاذاتها، لِيُتَمِّمَ ويُوسِّعَ الآفاق التي فتحت في مجال الإعلام العربي.
انتظر المتابعون مدة ليتلاحق بعد ذلك، صدور مواد "الضفة الثالثة". وكُنت قبل الصدور قد اسْتَطَبْت عنوان المنبر، بحكم أنه يحمل مفرداتٍ بإيحاءات متعدِّدة. وعندما اقتربت من نوافذ المنبر بعد صدوره، وحاولت قراءة بعض نصوصه، تَبَيَّنْت جوانب من بصمات الشاعر أمجد ناصر المشرف عليه، كما أدركت أن السبب في اسْتِطَابَتِي ما يرسمه عنوان "ضفة ثالثة" من آفاق للكتابة والتجريب، يعود إلى أن من يشرف عليه يَتَمَتَّع بِبَاعٍ طويل في الإعلام الثقافي، إضافة إلى أنه شاعر متميِّز وصاحب قَلَم، حيث يُواصِل جهوده في ترويض الكلمات وتلوين الصوَّر، بطرقٍ لا تخلو منازلها ومنعطفاتها من مُتَع وملذَّات.
افترضت أن "الضفة الثالثة" لا تكون إلا للمياه الجوفية، ومن المعلوم أن مياه الأعماق تتسرب وتندلق بطريقٍ لا ضوابط مطلقة تَحكمها، إنها تمتلك ضفافاً متعدِّدة، حسب العمق الذي تتسرب منه وإليه. كما أنها قد تكون بِلا ضِفاف، حيث يكون من الصعب على من يقترب منها، أن يعثر على مُرتَكَزِ يابسة أو صخر، أو سماء بجانبها أو فوقها.. وفي هذه المسألة المرتبطة بإيحاءات التسمية كثير من الشاعرية والسحر، وقليل مما يمكن أن نُدرجه في عِدَاد الأمور الواضحة.
يتلاحق صدور أعداد الضفة الثالثة بوتيرةٍ منتظمة، وهو يستوعب في كل عدد منه مجموعة من النوافذ، كل منها يحمل أضواء وعطوراً وكلمات. وقد حَرِصَ المشرفون على الضفة أن تتمتَّع موادها بقليل أو كثير من الضوء الذي يكشف، من دون أن يطمس أو يُغَيِّب، وذلك لتجنُّب الكتابة السهلة.. الكتابة التي تحرص على إعلان المواقف وتحرير البيانات بصوت مرتفع. وضمن هذا الأفق، المتحرِّر من الأنماط المتداولة، أو شبه المتداولة في الكتابة، يجد المُطِلّ من نوافذ الضفة الثالثة نَفْسَه، أمام مجموعةٍ من النصوص المُدْرَجَة ضمن نوافذ ثابتة مرفقة برسوم من أحجام متنوعة.
تحمل نوافذ الضفة الثالثة عناوين محدَّدة، أهمها حوارات، كتب، فنون، عمران، ثم آراء
ونصوص، ونافذة تحمل اسم ضفة ثانية، من دون أن نعثر على الضفة الأولى.. تُفتح النوافذ على نصوصٍ، كما تُفْتح على بعضها، وننتظر، نحن القراء والمتابعين، تسمياتٍ لنوافذ أخرى.. كما ننتظر نصوصاً ورسوماً بألوانٍ لا حصر لها.
تنفتح النوافذ على نصوصٍ، وأحياناً تنفتح على بؤر ضوئية بصفاء ولَمعانٍ متفاوتين، وفي لحظاتٍ أخرى، يحضر اللمعان بجوار الموج، كما يحضر رذاذ الموج، فتتلألأ الكلمات ضياءً..
يجد القارئ في هذه النوافذ ما يُقَرِّبُه من أنماطٍ من الكتابة والبحث واللغة والموقف، مع حِرْصٍ على أن تكون للنوافذ، في الوقت نفسه، عيونٌ تجعل النظر بواسطتها، ومن خلالها، مناسبةً لقياس مفعول التفاعل الذي تحققه عملية تلقي النصوص، حيث يعيد القارئ إنتاج المعاني التي تستبطنها، بالصورة التي تناسبه.
لا أتردَّد في وصف منبر الضفة الثالثة بالمِزْهَرِيَّة، ففيه نعثر على قصائد يُجَرِّب أصحابها لغاتٍ جديدة، وهم يرسمون لمفرداتهم وصورهم معانيَ أخرى، كما نجد نوعيةً مختارةً من الحوارات التي تتجه إلى مساءلة جذور القضايا، ومحاولة الإمساك بما يصعب الإمساك به. وبجواز ذلك كله، تنتشر على حواف الضفة الثالثة نصوصٌ مليئة بالمطرزّات الفاتنة.
أما نافذة الرأي، فيجرّب أصحابها إنتاج مواقف وتصوُّراتٍ بلغة تبتعد عن الوثوق السهل، لمعانقة ما يُقَرِّب من دروب الرِّيبيَّة الخلاَّقة، حيث يتم تعيين الخيارات في نصوص الرأي بهدوء أكبرَ وثقةٍ أَقَل، مع الحرص على الوفاء لقيم التاريخ والإنسان والمستقبل. ولا ينبغي أن يُفهم مما نحن بصدده، هنا، أن مسألة الرأي في نوافذ الضفة الثالثة مرسومةٌ سلفاً، إنها، كما نتصوَّر، تمرين في التمرس بقيم في الكتابة، مُعادية للغطرسة والتمترس.
إذا كان المشرفون على هذه الحديقة قد رتَّبُوا مواقف الزهور وجداول المياه، وغرسوا أشجاراً للفواكه التي تملأها غِلاَلٌ بِطُعُوم لا حَصْر لها، فإن ثِمَارَ هذا المشروع تظلّ رهينة بالحَدَب والعناية التي سَتُوكَل لمن تتجه نوافذ الضفة إلى استيعاب نصوصهم، وترتيبها فوق ضفافٍ تزداد اتساعاً وتوسعاً، لتساهم في إنشاء لغةٍ جديدةٍ في دروب الثقافة والإعلام العربيين.
انتظر المتابعون مدة ليتلاحق بعد ذلك، صدور مواد "الضفة الثالثة". وكُنت قبل الصدور قد اسْتَطَبْت عنوان المنبر، بحكم أنه يحمل مفرداتٍ بإيحاءات متعدِّدة. وعندما اقتربت من نوافذ المنبر بعد صدوره، وحاولت قراءة بعض نصوصه، تَبَيَّنْت جوانب من بصمات الشاعر أمجد ناصر المشرف عليه، كما أدركت أن السبب في اسْتِطَابَتِي ما يرسمه عنوان "ضفة ثالثة" من آفاق للكتابة والتجريب، يعود إلى أن من يشرف عليه يَتَمَتَّع بِبَاعٍ طويل في الإعلام الثقافي، إضافة إلى أنه شاعر متميِّز وصاحب قَلَم، حيث يُواصِل جهوده في ترويض الكلمات وتلوين الصوَّر، بطرقٍ لا تخلو منازلها ومنعطفاتها من مُتَع وملذَّات.
افترضت أن "الضفة الثالثة" لا تكون إلا للمياه الجوفية، ومن المعلوم أن مياه الأعماق تتسرب وتندلق بطريقٍ لا ضوابط مطلقة تَحكمها، إنها تمتلك ضفافاً متعدِّدة، حسب العمق الذي تتسرب منه وإليه. كما أنها قد تكون بِلا ضِفاف، حيث يكون من الصعب على من يقترب منها، أن يعثر على مُرتَكَزِ يابسة أو صخر، أو سماء بجانبها أو فوقها.. وفي هذه المسألة المرتبطة بإيحاءات التسمية كثير من الشاعرية والسحر، وقليل مما يمكن أن نُدرجه في عِدَاد الأمور الواضحة.
يتلاحق صدور أعداد الضفة الثالثة بوتيرةٍ منتظمة، وهو يستوعب في كل عدد منه مجموعة من النوافذ، كل منها يحمل أضواء وعطوراً وكلمات. وقد حَرِصَ المشرفون على الضفة أن تتمتَّع موادها بقليل أو كثير من الضوء الذي يكشف، من دون أن يطمس أو يُغَيِّب، وذلك لتجنُّب الكتابة السهلة.. الكتابة التي تحرص على إعلان المواقف وتحرير البيانات بصوت مرتفع. وضمن هذا الأفق، المتحرِّر من الأنماط المتداولة، أو شبه المتداولة في الكتابة، يجد المُطِلّ من نوافذ الضفة الثالثة نَفْسَه، أمام مجموعةٍ من النصوص المُدْرَجَة ضمن نوافذ ثابتة مرفقة برسوم من أحجام متنوعة.
تحمل نوافذ الضفة الثالثة عناوين محدَّدة، أهمها حوارات، كتب، فنون، عمران، ثم آراء
تنفتح النوافذ على نصوصٍ، وأحياناً تنفتح على بؤر ضوئية بصفاء ولَمعانٍ متفاوتين، وفي لحظاتٍ أخرى، يحضر اللمعان بجوار الموج، كما يحضر رذاذ الموج، فتتلألأ الكلمات ضياءً..
يجد القارئ في هذه النوافذ ما يُقَرِّبُه من أنماطٍ من الكتابة والبحث واللغة والموقف، مع حِرْصٍ على أن تكون للنوافذ، في الوقت نفسه، عيونٌ تجعل النظر بواسطتها، ومن خلالها، مناسبةً لقياس مفعول التفاعل الذي تحققه عملية تلقي النصوص، حيث يعيد القارئ إنتاج المعاني التي تستبطنها، بالصورة التي تناسبه.
لا أتردَّد في وصف منبر الضفة الثالثة بالمِزْهَرِيَّة، ففيه نعثر على قصائد يُجَرِّب أصحابها لغاتٍ جديدة، وهم يرسمون لمفرداتهم وصورهم معانيَ أخرى، كما نجد نوعيةً مختارةً من الحوارات التي تتجه إلى مساءلة جذور القضايا، ومحاولة الإمساك بما يصعب الإمساك به. وبجواز ذلك كله، تنتشر على حواف الضفة الثالثة نصوصٌ مليئة بالمطرزّات الفاتنة.
أما نافذة الرأي، فيجرّب أصحابها إنتاج مواقف وتصوُّراتٍ بلغة تبتعد عن الوثوق السهل، لمعانقة ما يُقَرِّب من دروب الرِّيبيَّة الخلاَّقة، حيث يتم تعيين الخيارات في نصوص الرأي بهدوء أكبرَ وثقةٍ أَقَل، مع الحرص على الوفاء لقيم التاريخ والإنسان والمستقبل. ولا ينبغي أن يُفهم مما نحن بصدده، هنا، أن مسألة الرأي في نوافذ الضفة الثالثة مرسومةٌ سلفاً، إنها، كما نتصوَّر، تمرين في التمرس بقيم في الكتابة، مُعادية للغطرسة والتمترس.
إذا كان المشرفون على هذه الحديقة قد رتَّبُوا مواقف الزهور وجداول المياه، وغرسوا أشجاراً للفواكه التي تملأها غِلاَلٌ بِطُعُوم لا حَصْر لها، فإن ثِمَارَ هذا المشروع تظلّ رهينة بالحَدَب والعناية التي سَتُوكَل لمن تتجه نوافذ الضفة إلى استيعاب نصوصهم، وترتيبها فوق ضفافٍ تزداد اتساعاً وتوسعاً، لتساهم في إنشاء لغةٍ جديدةٍ في دروب الثقافة والإعلام العربيين.