"صورة عن الإرهاب"

03 سبتمبر 2014
موقوفين في إحدى آليات الجيش اللبناني (جوزف عيد/فرانس برس/Getty)
+ الخط -

ينتشر منذ يومين على مواقع التواصل الاجتماعي، تسجيل مصوّر لشاب يُدعى توفيق صالح في أحد المستشفيات اللبنانية (يُعتقد أنه المستشفى العسكري)، يتعرّض للإهانة والتعذيب من قبل عناصر يُعرّفون عن أنفسهم كعناصر من الجيش اللبناني. يبدو أن الفيديو صحيح، وتهمة الشاب القتال في سورية، بينما أشار بيان للجيش، صدر عند توقيفه في 28 أغسطس/ آب، إلى أنه أوقف بسبب "انتمائه إلى مجموعات إرهابية". لا يهم سبب التوقيف، مع العلم أن الجيش اللبناني يوقف مختلف الشباب الذين يعودون من القتال في سورية، باستثناء مقاتلي حزب الله.

فبغضّ النظر عن سبب التوقيف، فإن ما ظهر في الفيديو لا يُشير مطلقاً إلى أن الجيش يتعاطى مع الموقوفين لديه بما تقضيه القواعد القانونية والإنسانيّة ولا الاتفاقات الدولية التي وقّع عليها لبنان منذ عقود.

منذ سنوات، تنتشر المعلومات عن وجود تعذيب في سجون الجيش، لكن التأكّد من هذا الأمر لم يكن ممكناً، إلا عبر شهادات لمَن يُغادر هذه السجون. وبالطبع، فإن شهادة "إرهابي" تسقط أمام شهادة عسكري. لكن منذ أحداث عبرا في يونيو/ حزيران 2013، بدأت تخرج فيديوهات تُظهر مدى الوحشية التي يلجأ إليها العسكريّون خلال توقيف متهمين. في تلك الأحداث انتشرت تسجيلات عدة لجنود يعتدون بالضرب المبرح على موقوفين، ومات المواطن نادر البيومي تحت التعذيب، علماً أنه سلّم نفسه طوعاً لاستخبارات الجيش. حينها قال الجيش إنه اتخذ إجراءات مسلكيّة، لم تُعلن مطلقاً.

اليوم يتكرر الأمر، وفي مستشفى. الجرم مضاعف هنا، إذ تسقط الحصانة المفترضة للمستشفيات. يُضرب صالح على قدمه المصابة. يُمنع من شرب الماء، لا بل تُمرّر قنينة الماء فوق وجهه. يُطالبه العسكريون بشتم نفسه. وما خفي أعظم.

نحن، إذاً، أمام حالة تتكرر كلّ حين. بات الأمر فعلاً عادياً وليس حادثاً استثنائياً. تتميّز الجيوش عن الميليشيات بأنها ذات مناقبية وانضباطها عالٍ، وأنها تحترم القوانين والمواثيق الدولية.

لا يجوز للجيش اللبناني أن يستغلّ الاجماع اللبناني حوله ليقوم بممارسات مرفوضة إنسانياً. ولا يُمكن للجيش أن يستنسخ ممارسات يقوم بها الجيش السوري، وإن كان للأخير دورٌ كبير في بناء الجيش اللبناني في بداية تسعينات القرن الماضي. السماح للعناصر بالتمادي بهذه الممارسات، بشكل منهجي أو غير منهجي، يضرب صورة المؤسسة العسكرية بالكامل.

وعدم التعاطي القانوني مع هذه الأخطاء بشكلٍ تلقائي وعلني من قبل المحكمة العسكرية، أو المحاكم المدنية، يعني الغرق في شكل من أشكال الدولة الأمنية، التي أخذت بلداناً كثيرة إلى الخراب. في السنة الثانية من الثورة السورية، ومع بدء ممارسات "عسكرة الثورة"، رُفع شعار: "ثورة على النظام... مش صورة عن النظام".

المساهمون