"صفاقة" دعوة الكونغرس نتنياهو
المبادرة التي اتخذها رئيس مجلس النواب الأميركي، جون بونر، خصوصا بعد حصول الحزب الجمهوري على أكثرية واضحة على الحزب الديمقراطي، بدعوة رئيس وزراء إسرائيل، بنيامين نتنياهو، إلى أن يلقي خطاباً في 11 فبراير/شباط المقبل، لم تكن الأولى، فقد فعل ذلك مرتين في السنوات الأخيرة. وُجّهت الدعوة في اليوم الثاني من خطاب الرئيس باراك أوباما في الكونغرس إلى مجلس الشيوخ والنواب. وجاءت ليعلن نتنياهو وجهة نظر خاصة فيما يتعلق بالملف النووي من مجموعة الدول الست، بما فيهم الولايات المتحدة.
شكلت الدعوة مفاجأة في تسرّع رئيس مجلس النواب لدعوة نتنياهو، ما استفزّ البيت الأبيض، حيث، وفي مثل هكذا مناسبات، تكون دعوة رئيس حكومة أجنبية بالتنسيق مع البيت الأبيض، خصوصاً أن رئيس الولايات المتحدة هو المسؤول الأول عن السياسة الدولية للولايات المتحدة. وشكلت هذه المبادرة لرئيس مجلس النواب الأميركي استفزازاً واضحاً، وتحدّياً مباشراً للرئيس أوباما والبيت الأبيض. وقد قال الرئيس أوباما في خطابه يوم 20 يناير/كانون الثاني الجاري، إنّه كان يستعمل حق النقض في أي مشروع قرار يتّخذه الكونغرس لمزيد من العقوبات على إيران. يبدو أن هذا شكّل استفزازاً واضحاً لأكثرية أعضاء مجلس النواب الذين يلبّون، بشكل فوري ومتواصل، طلبات منظمة "إيباك" الصهيونية، والتي من خلالها تقوم بجمع الأموال لدعم حملات من يناصر إسرائيل من أعضاء الكونغرس، وهم الأكثرية.
يسود بعض القوى السياسية المناصرة لإسرائيل اعتقاد بأن الرئيس أوباما، في العامين الأخيرين، يأخذ إجراءات في سياسته الدولية قد لا تتلاءم مع ما ترغب فيه "إيباك" التي تملي سياسة إسرائيل على الأعضاء المستفيدين من دعمها.
ولا شك أن توقيت رئيس مجلس النواب، بونر، دعوة رئيس حكومة إسرائيل اليمينية بهذه السرعة، محاولة جديّة كي يظهر فيها نتنياهو في الانتخابات الإسرائيلية المقبلة، في مارس/آذار المقبل، أنه الوحيد الذي تدعمه الولايات المتحدة في حملته الانتخابية. هذا التدخّل السافر منه، ومن دون أي تنسيق مع البيت الأبيض، وبهذا الشكل، يُضاف إليه أن الدّعوة تأتي في سياق حملة لحزب الأكثرية الجمهوري، وتشكّل طعناً في سياسة الرئيس أوباما، خصوصاً في رفضه فرض عقوبات إضافية على إيران، ما دامت المفاوضات باقية وقائمة ومستمرة في نظر أوباما ومساعده بين الدول الست، وفي طليعتها الولايات المتحدة.
أمّا في نظر نتنياهو، فإن المفاوضات مع إيران تشكّل أولاً تهديداً لإسرائيل، كما أن نتنياهو يدين، ثانياً، المفاوضات، ويفترض نتائج خطيرة منها، وهذا اتهام صريح للولايات المتحدة وزعزعة في الثقة تجاهها، وهذا ما يؤدّي إلى عناصر كثيرة، منها تدمير التحالف مع الولايات المتحدة، لكي يربح أصوات اليمين وغيرهم. أي أن نتنياهو يهدّد حليفه الوحيد في العالم، وهي الولايات المتحدة والدول الأوروبية، وهذا ما أُدرجه في خانة "الابتزاز".
ويعرب نتنياهو عن مخاوفه من أن إيران أصبحت على وشك أن تتحول إلى دولة نووية، تهدّد إسرائيل، وأنه، كرئيس وزراء إسرائيل، لن يترك جهداً ليحول دون تحوّل إيران إلى دولة ذات أسلحة نووية، وهو بذلك يبالغ في نتيجة المفاوضات، ويشكّك في نيات الولايات المتحدة والدول الست.
الأهم، في نظري، هو ظاهرة القرار الفوري والمتسرّع من رئيس الكونغرس الأميركي، للاستنجاد بنتنياهو ضد أوباما، ما دفع البيت الأبيض إلى أن يعلن أن هذه الدعوة خرق للبروتوكول، وخروج عنه، وضدّ مراسم العلاقات الدولية، وهذا ما أثار حفيظة وسائل الإعلام الإسرائيلية التي اعتبرت هذا التصريح "إهانة" لنتنياهو. في حين أن بعض الإعلام اليميني في الولايات المتحدة المؤيد لإسرائيل والحزب الجمهوري، مثل Fox News علّق أحد كبار إعلامييها، مديناً إجراء رئيس مجلس النواب.
هذه العملية الاستباقية التي قام بها الكونغرس لإفشال المفاوضات مع إيران، قبيل نهايتها، بنتيجة التنسيق بين رئاسة الوزراء في إسرائيل و"إيباك"، تشكّل البرهان الساطع على استحالة وعدم جدوى التفرّد الأميركي، لإدارة أي مباحثات ستؤول إلى الشرعية الدولية التي توفّر ضمان حقوق الشعب الفلسطيني في دولة مستقلة.
وحيث إن الدولة الفلسطينية المعترف بها من الأمم المتحدة انضمّت إلى محكمة الجنايات الدولية، فقد كان عمل الكونغرس محاولة لإفشال صلاحية هذه المحكمة في أن تحقق في جرائم إسرائيل، خصوصاً المستوطنات وتمدّدها، كما الحروب التي شنّتها على قطاع غزّة، وحيث إن الاستمرار في الاستيطان يشكّل خرقاً للقانون والشرعية الدولية، ستأتي دعوة رئيس الكونغرس بونر دعوة استباقية: أولاً لتحييد الأنظار عن الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني، كما عملية التدخّل السّافر في انتخابات إسرائيل المقبلة، وضمان تأييد اليمين الإسرائيلي ليبقى في الحكم برئاسة نتنياهو.
التحدّي المباشر الذي يواجه الدول العربية وجامعتها، كما على الدول التي تدعم قضية الشعب الفلسطيني، أن تسارع في القيام بمجابهة هذا الخرق، لا للبروتوكول، كما ورد في ردود فعل البيت الأبيض، بل على العرب أن يجابهوا "صفاقة" هذه الدعوة من رئيس الكونغرس الأميركي، حتى تكون هذه المجابهة العربية والدولية تعبيراً عن الالتزام العربي والدولي المتصاعد لحقوق الشعب الفلسطيني، وأن تكون مصر والأردن في طليعة الحملة السياسية والإعلامية والدبلوماسية، حتى تدرك إسرائيل والولايات المتحدة أن شعبي مصر والأردن، كما باقي الشعوب العربية في كل أقطار العالم العربي والإسلامي والدولي، لا يستنكرون الدعوة فحسب، بل يعتبرونها لا تعبّر عن الرأي العام الأميركي. وأكثر من ذلك، فإنها تصطدم بعملية تعزيز الرأي العام الأوروبي لتأييد حق الشعب الفلسطيني تقرير مصيره، واستعادة استقلاله وحريته وكرامته وحق العودة للاجئين، وأن تكون القدس عاصمة كيانه ودولته.