"صديق إسرائيل الكبير" منسّقاً للسلام في الشرق الأوسط

07 فبراير 2015
إحياء عملية السلام على رأس مهام ملادينوف (فرانس برس)
+ الخط -

أقل من عشرين شهراً كانت كافية لأن يستنجد الدبلوماسي البلغاري نيكولاي ملادينوف برئيسه الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، طالباً منه إعفاءه من مهمته كممثل للأمم المتحدة في العراق، وتكليفه بملف أقل تعقيداً وأقل سخونة. وبالفعل فقد استجاب بان كي مون لنداء ملادينوف، إذ وافق مجلس الأمن الدولي على تعيين ملادينوف منسقاً خاصاً لعملية السلام في الشرق الأوسط، خلفاً للديبلوماسي الهولندي روبرت سري.

وفي موقعه الجديد سيكون ملادينوف ممثلاً شخصياً للأمين العام للأمم المتحدة لدى منظمة التحرير الفلسطينية، والسلطة الوطنية الفلسطينية، وبهذه الصفة سيكون أيضاً ممثلاً للأمين العام في اللجنة الرباعية الدولية.

وعلى رأس مهام ملادينوف الجديدة، إحياء عملية السلام المتعثرة منذ أعوام، وبالتوازي مع ذلك المباشرة بإعادة إعمار قطاع غزة، بعدما لحق به من دمار بسبب العدوان الإسرائيلي خلال الصيف الماضي.

وبصرف النظر عن تعقيدات المهمة، التي أطاحت بعدة مبعوثين دوليين أكثر خبرة من ملادينوف، إلا أن المؤشرات الأولية توحي بأن مهمة المبعوث الأممي الجديد لن تكون سهلة وسوف تُواجه بألغام كثيرة لا تقل خطورة عن تلك التي هرب منها ملادينوف في العراق.

أولى تلك الألغام التي قد تعيق مهمة ملادينوف في الشرق الأوسط، تتمثل في خلفية الرجل السياسية، ومواقفه المعلنة والمنحازة إلى "حق إسرائيل في الوجود"، كما قال في مداخلة خلال "المنتدى العالمي ضد اللاسامية" الذي عُقد في القدس في مايو/أيار من عام 2013. كما ينحاز إلى "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها وسط بيئة أمنية صعبة تحيط بها"، وفق ما قال في مقابلة مع صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية في فبراير/شباط من عام 2010.

في المقابل، فإن ملادينوف الذي شغل سابقاً منصب وزير الخارجية في بلغاريا، اكتفى في أحسن الأحوال بدعوة المجتمع الدولي لـ"الاهتمام بالصعوبات التي يواجهها الفلسطينيون" على حد تعبيره. وربما هذا ما يُفسّر تخوّف بعض القيادات الفلسطينية من الرجل الذي يصفه الإسرائيليون بـ"صديق إسرائيل الكبير"، في حين اعتبره عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين تيسير خالد بـ"غير مؤهل للقيام بمثل هذا الدور، ولا يوحي بالثقة"، فيما وصفه عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين كايد الغول، بـ"المعروف بتقاطعه الشديد مع دولة الاحتلال الإسرائيلي وتبريره وتأييده لجرائمها ضد الشعب الفلسطيني".

أما اللغم الثاني الذي ينتظر المبعوث الأممي الجديد، فيكمن هذه المرة في الجانب الإسرائيلي، إذ قد يفاجأ ملادينوف بأن أصدقاءه في إسرائيل لا يقيمون اعتباراً للأمم المتحدة وأمينها العام وقراراتها ومبعوثيها، لأنهم يتصرفون "فوق القانون الدولي"، ولا يقيمون اعتباراً لـ "عملية السلام" التي لطالما زعموا أنها "ماتت" بفعل التصرفات الفلسطينية "أحادية الجانب". وبالتالي إما أن يرضخ للرغبات الإسرائيلية التي لا ترقى إلى "الصداقة"، أو سيكون مصيره مثل مصير سلفه روبرت سيري، الذي غضبت عليه إسرائيل لمجرد أنه "حاول إقناع السلطة الفلسطينية بتحويل عشرين مليون دولار مجمّدة في قطر، لحل أزمة رواتب الموظفين في غزة"، على حد تعبير وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان.

أما على الجانب الفلسطيني، فلا ريب أن المبعوث الأممي، الذي سبق أن زار إسرائيل مرات عدة، سيرى من موقعه الجديد واقعاً مختلفاً عما صوّره له أصدقاؤه في إسرائيل، يبدأ بمشهد المستوطنات الإسرائيلية التي تغوّلت في "الأراضي الفلسطينية" في الضفة الغربية، ولا ينتهي عند مشاهد الدمار الشامل الشاهدة على العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، مروراً بكل ما صنعته السياسات الإسرائيلية بالأرض الفلسطينية وما عليها من حجر وبشر، وهي السياسات التي أدت إلى "وفاة" عملية السلام حسب المنظور الفلسطيني.

ولا شك في أن الانقسام المُزمن في الساحة الفلسطينية، سيبرز كذلك عقبة في وجه المبعوث الأممي الجديد، وخصوصاً أن هذا الانقسام، السياسي والإداري، بين السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، وحركة "حماس" في قطاع غزة، يحول دون التوصل إلى توافق فلسطيني- فلسطيني في ملف المفاوضات ومستقبل التسوية النهائية مع إسرائيل، كما أنه يحول دون التقدم في ملف إعادة إعمار قطاع غزة، إذ ترفض الدول المانحة تسليم أموال الإعمار لحركة "حماس"، وترفض إسرائيل فتح المعابر لإدخال مواد البناء إلى قطاع غزة، وفي المقابل ترفض "حماس" تسليم إدارة القطاع للسلطة الفلسطينية من دون التوصل إلى تفاهمات شاملة لكل الملفات العالقة بينهما.

أمام هذه الألغام الكامنة والموقوتة، من غير المرجح أن تكون مهمة المبعوث الأممي الجديد للشرق الأوسط نيكولاي ملادينوف، سهلة كما يظن، وربما عليه إعادة حساباته قبل مباشرة أعماله، للتأكد من قدرته على إحياء "عظام" عملية سلام طالما أصدرت القيادات الفلسطينية والإسرائيلية شهادة "وفاتها"، مع التباين في تشخيص كل طرف لأسباب الموت.

يُذكر أن ملادينوف من مواليد 5 مايو/أيار 1972، وكان قد شغل منصب وزير الشؤون الخارجية في حكومة رئيس الوزراء البلغاري بويكو بوريسوف بين أعوام 2010 و2013، وكان عضواً في البرلمان البلغاري من 2001 إلى 2005، ثم عضواً في البرلمان الأوروبي بين 2007 و2009. كما شغل منصب وزير الدفاع في بلاده للفترة من 2009 إلى 2010. وتولى العديد من المناصب الحكومية وفي القطاع الخاص، ومن ضمنها مناصب في البنك الدولي والمعهد الأوروبي. وفي أغسطس/آب من عام 2013 عُيّن ملادينوف من قِبل بان كي مون ممثلاً خاصاً له في العراق ورئيساً لبعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي).

يتمتع ملادينوف بخبرة في مجال الخدمة العامة، والشؤون الدولية، وحائز على شهادة الماجستير في الآداب حول الدراسات الحربية من جامعة "كينغز" البريطانية، وشهادة الماجستير والبكالوريوس في العلاقات الدولية من جامعة الاقتصاد الوطني والدولي في صوفيا.

المساهمون