"صدمتني شاحنة".. عبارة تكشف إصابات بالغة للجنود الأميركيين بصواريخ إيرانية

21 فبراير 2020
قصفت إيران قاعدتين أميركيتين في العراق (Getty)
+ الخط -
في الهزيع الأخير من ليل الثامن من يناير/كانون الثاني جاء الرد الإيراني على هجوم أميركي أسفر عن مقتل أقوى قادتها العسكريين وذلك بقصف قاعدة الأسد الجوية في العراق.

يتذكر كيمو كيلتز الجندي بالجيش الأميركي الذي كان واحدا من 2000 جندي يرابطون في القاعدة أنه سمع صوت صاروخ يشق السماء وهو راقد فوق برج مراقبة. ورفع انفجار الصاروخ جسده بكل ما يحمله من دروع وسلاح عدة سنتيمترات عن الأرض.

يقول كيلتز إنه اعتقد أنه نجا ولم يصب سوى بصداع بسيط. وأشارت التقديرات الأولية لما جرى في القاعدة إلى عدم وجود إصابات خطيرة أو حدوث وفيات من جراء الهجوم. ونشر الرئيس الأميركي دونالد ترامب تغريدة قال فيها "كل شيء على ما يرام".

غير أن الحال اختلف في اليوم التالي. قال كيلتز في مقابلة بقاعدة الأسد الجوية في صحراء الأنبار في غرب العراق "كان إحساسي برأسي وكأن شاحنة صدمتني ... وأحسست بعسر في بطني". وأصبح كيلتز، الذي عانى من أعراض الإصابة بارتجاج في الدماغ لأيام، واحدا من 109 جنود تم تشخيص حالاتهم بأنها إصابات دماغية رضية في أعقاب الهجوم الذي وقع الشهر الماضي. وبدأ العدد صغيرا ثم ظل يرتفع مع إبلاغ المزيد من الجنود عن إصابتهم بأعراض وخضوعهم للفحص الطبي.

حاورت "رويترز" أكثر من عشرة من المسؤولين والجنود كما حاورت خبراء في الإصابات الدماغية للتوصل إلى أفضل وصف تفصيلي ممكن حتى الآن لطبيعة إصابات الجنود وكيفية إصابتهم بها.

ويؤكد تزايد عدد الإصابات تدريجيا صعوبة رصد ومعالجة ما أصبحت من أكثر الإصابات شيوعا في صفوف الجيش الأميركي خلال حروب على مدى عقدين من الزمان في أفغانستان والعراق، حيث تواجه القوات الأميركية تفجير عبوات ناسفة في الطرق وانفجارات الصواريخ وقذائف المورتر.

وفي يوم 16 يناير/كانون الثاني وبعد مرور أكثر من أسبوع على الهجوم قالت وزارة الدفاع (البنتاغون) إن وزير الدفاع مارك إسبر أحيط علما بأن الجنود أصيبوا بإصابات دماغية من جراء انفجار الصواريخ.

وفي ذلك اليوم قالت الوزارة إن عددا لم تحدده من الجنود عولج من أعراض الارتجاج وإنه تم نقل 11 جنديا جوا إلى الكويت وألمانيا للخضوع لرعاية على مستوى أعلى. ويوم 22 يناير/كانون الثاني قال ترامب "سمعت أنهم يعانون من الصداع وعرضين آخرين" الأمر الذي أدى إلى انتقادات من أعضاء بالكونغرس من الديمقراطيين والجمهوريين ومن جماعة تمثل قدامى المحاربين الأميركيين اتهموا فيها الرئيس بالاستخفاف بالإصابات التي أحدثها الهجوم.

وقال النائب الجمهوري ريتشارد هدسون الذي يمثل فايتفيل بولاية نورث كارولاينا مقر قاعدة فورت براغ التي تضم قيادة العمليات الخاصة بالجيش الأميركي "أعتقد أن من المؤسف استخدام تلك الكلمات". وامتنع البيت الأبيض عن التعليق على مضمون هذا التقرير.

نوع مختلف من الإصابات
منذ فترة طويلة يتعامل الجيش الأميركي مع الإصابات الدماغية باعتبارها نوعا مختلفا من الإصابات لا يتطلب سرعة الإبلاغ عنه في تسلسل القيادة على عكس الإصابات المهددة للأرواح أو فقدان أطراف أو فقدان البصر.

وتوضح بيانات وزارة الدفاع أنه تم منذ العام 2000 تشخيص ما يقرب من 414 ألفا من أفراد القوات المسلحة بإصابات دماغية رضية. ومن المرجح أن يكون هذا الرقم أعلى لأن الوزارة تحتسب إصابة الجندي الواحد بعدة إصابات دماغية في حوادث مختلفة بأنها إصابة واحدة.

وقال اللفتنانت كولونيل تيموثي غارلاند الذي كان موجودا بقاعدة الأسد وقت الهجوم، إن الجنود الأميركيين الذين يشغلون رحلات الطائرات المسيرة أصيبوا فيما يبدو بأكثر الإصابات الدماغية خلال الهجوم. وأضاف أن كثيرين منهم كانوا موجودين قرب مدرج الطائرات. وكان هؤلاء مثل كيلتز مكلفين بالمراقبة تحسبا لحدوث هجوم أرضي.

وقال غارلاند الذي يشرف على أكثر من 400 جندي باعتباره قائدا لقوة عمل الجزيرة "هؤلاء الطيارون الذين يوجهون الطائرات المسيرة هم الذين تحملوا العبء الأكبر من حالات الإصابات الدماغية الرضية".

وقال مسؤول أميركي إن من المتوقع أن يستقر عدد الجنود الذين تم تشخيص إصاباتهم بإصابات دماغية من هجوم الشهر الماضي حوالى العدد الحالي. وأضاف أن أقل من عشرة جنود الآن تحت المراقبة لاحتمال إصابتهم بأعراض الإصابة الدماغية.

غير أن الحصر العسكري الأميركي يستبعد المتعاقدين المدنيين الذين كانوا بالقاعدة في ذلك الوقت وكثيرون منهم سافروا منذ ذلك الوقت. وأصيب بعض الجنود الأميركيين أيضا بأعراض مرتبطة بالتوتر بعد الهجوم من بينها الأرق، كما أصيب جندي واحد على الأقل بارتفاع كبير متواصل في سرعة خفقان القلب وفق ما ورد في اللقاءات مع الجنود والمسؤولين. غير أنهم لم يتمكنوا من ذكر رقم محدد.

وتصنف وزارة الدفاع الإصابات الدماغية في درجات من بسيطة ومتوسطة إلى حادة ونافذة. وتقع الغالبية العظمى من الإصابات ضمن تصنيف "بسيطة" مثل كل الإصابات التي تم الإبلاغ عنها بعد الهجوم على قاعدة الأسد.

اختباء الجنود لم يحمهم
قال غارلاند إنه بغت عندما علم باستخبارات أميركية تشير إلى أن الصواريخ الإيرانية ستضرب خلال ساعات. وعلى الفور أحضر خريطة للقاعدة وشرع في تحديد أفضل الخيارات لاختباء الجنود.

وتذكر غارلاند المخابئ القديمة التي بنيت في القاعدة في عهد صدام حسين. غير أن هذه المخابئ لا تتسع للجميع. وسيتعين على البعض التفرق والاحتماء في العربات المدرعة بعد إبعادها عن الأهداف.

وسيضطر آخرون في وحدة غارلاند ومنهم الجندي كيلتز، إلى القيام بمهمة الحراسة ترقبا لأي هجمات إضافية بخلاف الصواريخ المتوقعة. وقال كيلتز إنه وجنديا من زملائه كانا في برج للحراسة عندما جاء السيرجنت لاري جاكسون ونقل إليهما مضمون رسالة الاستخبارات وأصدر لهما الأوامر.

وروى جاكسون في مقابلة ما أصدره من تعليمات لكيلتز وغيره من الجنود بالقاعدة، فقال إنه قال لهم "ما أريد منكم يا شباب هو أن ترقدوا على الأرض عندما يحدث الانفجار ثم أريدكم أن تنهضوا بسرعة وتتولوا تشغيل هذه المدافع".

وقال غارلاند إن محركات الصواريخ الإيرانية كانت متوهجة باللون البرتقالي مثل أعقاب السجائر وهي تنطلق عبر سماء الليل صوب القاعدة. وكان هذا التوهج هو كل ما استطاع غارلاند رؤيته في الظلام قبل العودة سريعا إلى المخبأ. ثم جاءت الانفجارات.

وأصاب القاعدة 11 صاروخا على الأقل دمرت وحدات سكنية مصنوعة من حاويات الشحن ومنشآت أخرى. وقال غارلاند "كنت أقول لنفسي كلما سمعت انفجارا هذا عدد من الناس فقدوا أرواحهم للتو".

غير أن عمليات الفحص الأولية عقب الهجوم أظهرت أنه لم يقتل أحد أو يصب بإصابات ظاهرة رغم الدمار الواسع الذي لحق بالقاعدة. ووصل الخبر إلى واشنطن. وقبل السادسة صباحا بتوقيت بغداد كان ترامب قد نشر تغريدة قال فيها "يجري الآن تقييم الإصابات والأضرار. وحتى الآن كل شيء على ما يرام".

في ثنايا النسيان
على الأرض في قاعدة الأسد، دافع الميجر روبرت هيلز الطبيب بالجيش الأميركي عن التقارير الأولى التي أفادت بعدم وجود إصابات. وقال في مقابلة "لم يصب أحد هنا بأي إصابات جسدية خارجية. لم يحدث بتر لأطراف أو جروح من جراء الشظايا".

وأضاف أن ظهور الإصابات "الصامتة" يستغرق وقتا. وظلت أرقام الإصابات ترتفع في الأسابيع التي أعقبت الهجوم. ارتفع العدد من 11 على الأقل في البداية إلى 34 بعد نحو أسبوع. ويوم 22 يناير/كانون الثاني أدلى ترامب بالتعليق الذي أثار الانتقادات فأشار إلى أن الإصابات مجرد "صداع".

وطالبت جماعة قدامى المقاتلين في الحروب الخارجية باعتذار عن تصريحات "ترامب المغلوطة". وبعد أسبوع في يوم 28 يناير/ كانون الثاني ارتفع عدد الإصابات الدماغية إلى 50. وفي أوائل فبراير/شباط كانت "رويترز" أول من نشر تقريرا عن تجاوز العدد المئة حالة. وقال خبراء في الإصابات الدماغية الرضية إن الإصابات التي أحدثتها الصواريخ الإيرانية مختلفة في الأساس عن تلك الإصابات التي كانت تقع في العادة في الهجمات السابقة.

ويرجع السبب في ذلك إلى أن قصف قاعدة الأسد كان أشد كثافة من الهجمات المعتادة التي يحدث فيها تفجير واحد. فقد جاءت التفجيرات في موجات واستمرت أكثر من ساعة. وعندما تنفجر قنبلة في الطريق في أفغانستان تحدث في كثير من الأحيان إصابات ظاهرة.

وفي تفجيرات المتمردين للقنابل يمكن أن تتسبب الشظايا وغيرها من الحطام المتطاير في إصابات دماغية. غير أن التشخيص يستغرق وقتا أطول للضرر الناجم عن موجات ضغط كبيرة من جراء تفجير كبير مثل التفجيرات التي شهدتها قاعدة الأسد وشعر بها الجندي كيلتز.

قالت ماريلين كراوس مديرة برنامج الإصابات الدماغية الرضية وعيادة الارتجاج بجامعة جورج واشنطن، إن الجنود ربما يقللون من وصف الأعراض في البداية أو لا يذكرونها كلها. وقد لا تظهر الأعراض على آخرين حتى وقت متأخر، لأسباب منها أن الإصابات يغطي عليها في البداية ارتفاع نسبة الأدرينالين في الدم المصاحب للحظة القتال.


وقالت "بعض هذه الأمور قد تقع في ثنايا النسيان في البداية". وأضافت كراوس أن الإصابة الدماغية الرضية البسيطة يمكن أن تتسبب في المدى القريب في الإحساس بالصداع والغثيان والدوار والتشوش في حين يمكن أن تتمثل الآثار على المدى الأبعد في صداع مزمن وتغيرات في الحالة المزاجية والدوار.

وقالت إن تكرار التعرض لإصابات الرأس يمكن أن يؤدي إلى تلف دماغي مزمن يربطه بعض الباحثين بالتفكير في الانتحار وسوء استخدام العقاقير والاكتئاب. واستشهد هيلز طبيب الجيش بأبحاث في الشهور الستة الأخيرة أظهرت في نماذج من الحيوانات علامات على احتمال تزايد التلف بالدماغ في الأسابيع التي تعقب التفجير.

وقال هيلز إن أعراضا بدأت تظهر على جنود في قاعدة الأسد مثل الصداع والشعور بالضبابية بعد أيام من الهجوم. وفي كثير من الأحيان استمرت الأعراض. وأضاف "لهذا السبب شهدتهم تأخيرا كبيرا" في التعرف على الإصابات. وقال "دفعنا هذا إلى إعادة فحص كل المقيمين في قاعدة عين الأسد تقريبا".

(رويترز)