مستعطفاً بعينيه يتنقل الصبي أحمد إسماعيل، بين أحذية المارة والجالسين أمام متاجرهم، في شوارع العاصمة السودانية الخرطوم، وهو يردد عبارة (ورنش، ورنش) عارضاً خدماته في تلميع الأحذية مقابل القليل من المال، لكي ينفقه على أسرته الفقيرة حتى لا يضطر للتسول.
ويتعين على إسماعيل (12 عاماً) الاستيقاظ باكراً كل صباح، ليتجه إلى السوق الرئيسي بالخرطوم للعمل، متأبطاً حقيبة مهترئة، بداخلها أدوات مسح الأحذية (دهان بألوان مختلفة، وجرس تقليدي). ويقول: "بعد وفاة والدي تركت الدراسة، واضطررت إلى العمل وإعالة إخواني الصغار ووالدتي".
ويتجول "صبي الورنيش"، هكذا يطلقون عليه في السودان، في برندات الأسواق (أزقتها)، والمقاهي يومياً، وعندما يخلع له أي شخص حذاءه لتلميعه، يخرج من حقيبته حذاء "لينتعله العميل" إلى حين الفراغ من تلميع حذائه، ويفترش إسماعيل الأرض واضعاً قطعة بالية من القماش على أرجله ويبدأ في عملية التلميع، مقابل جنيهين (23 سنتا/ أقل من ربع دولار).
ويتابع إسماعيل "أتجول في مساحات واسعة، حتى أحصل على أكبر قدر من المال، لدي عدد من الزبائن، وأجني من عملي نحو 50 جنيهاً في اليوم (ما يعادل 6 دولارات أميركية) أصرفها على أسرتي"، مضيفاً "لدي عملاء ثابتون في بعض المؤسسات، أتردد عليهم، بعضهم يمنحني أتعابي نقداً، وآخرون في نهاية الشهر عقب صرف رواتبهم، كما أتردد على بعض أصحاب المحال التجارية في متاجرهم".
ويشير إلى أن "الزبائن يتعاملون معي باحترام ويعطفون عليّ، وبعضهم يمنحني أكثر من حقي، كما درج بعض الموظفين في المؤسسات على منحي الهدايا والأموال في المناسبات والأعياد".
وإسماعيل هو واحد من بين مئات الأطفال السودانيين الذين حرموا من التعليم، ولجأوا للعمل في مهن هامشية لتوفير بعض المال. ودرج صبية الورنيش التجول في الشوارع، بينما يجلس الكبار منهم في أماكن ثابتة في "الشوارع، محطات المواصلات، وأمام المؤسسات والشركات والمصالح الحكومية"، لتلبية خدمة من يود التلميع.
من جهته، يقول آدم الذي كان يجلس في ركن قصي، بالقرب من محطة المواصلات الرئيسية بالخرطوم، "أعمل في مسح الأحذية منذ نحو 12 عاماً، وبحمد الله تزوجت منه وأعول به أسرتي"، مضيفاً "لدي خمسة أطفال، اثنان منهم في المدارس، أنا حرمت من الدراسة لذلك حريص على تعليم أبنائي حتى يكون لهم شأن في المستقبل".
وعن بداياته مع مهنة "الورنيش" يقول آدم (31 عاماً): "عندما نزحت أسرتي من إقليم دارفور المضطرب غرب البلاد في العام 2003، إلى الخرطوم، عملت في متجر صغير وفرت منه بعض المال، اشتريت به معدات مسح الأحذية، واخترت مكاناً جيداً لممارسة عملي".
ويضيف "أحترم مهنتي وأبذل مجهوداً جباراً لتلميع الأحذية وإرضاء عملائي، ولا أتشدد معهم في المقابل".
بينما أوضح إبراهيم الذي كان يجلس بجواره "فقر أسرتي أجبرني على العمل في مهنة الورنيش، فأنا عشت في حي طرفي بمدينة الدمازين عاصمة ولاية النيل الأزرق (جنوب)، ودرست في مدرسة حكومية سبعة أعوام، لكن تركت مقاعد الدراسة، ونزحت إلى الخرطوم بحثاً عن العمل، لأنفق على عائلتي الفقيرة".
ويضيف إبراهيم "أرسل لوالدتي المال شهرياً، لكي تشتري لأشقائي الصغار الطعام"، مشيراً إلى أن أسرته "تسكن في منزل بدائي أنشأته أمي بمساعدة أهل الحي من العشب والخشب".
وتابع إبراهيم "العمل في المهن الهامشية هو سبيلنا نحن معشر الفقراء الذين حرمنا من التعليم، أنا حريص على الكسب الحلال وتعليم أشقائي لكي يعيشوا في سلام، وحتى لا يواجهوا نفس مصيري".
ويشتكي إبراهيم وزملاؤه من مضايقة سلطات البلدية لهم، وقال: "أنا وزملائي نعاني من حملات المطاردة اليومية، ونركض لمسافات طويلة تجنباً لمصادرة السلطات لأدوات عملنا، ليس لدينا مهنة أخرى لأكل العيش، نسعى لكسب رزق حلال".
ويجابه العاملون في المهن الهامشية والباعة الجائلون، بأسواق الخرطوم سلسلة من المضايقات وحملات المصادرة التي تنفذها السلطات المحلية، وعادة ما يتم إعادة المعدات التي تمت مصادرتها بعد دفع مبلغ مالي للسلطات المحلية، وعزت السلطات حملات المطاردة إلى تشويه أصحاب المهن الهامشية المظهر الحضاري للمدينة.
من جهته، يعتبر الخبير الاجتماعي عبد الرحيم بلال، أن لجوء الصبية للعمل في المهن الهامشية سببه الفقر والنزاعات التي يشهدها عدد من ولايات البلاد، موضحاً أن "على السلطات المحلية، تخصيص أماكن لهم بدلاً من مكافحتهم، هؤلاء جيدون ويناضلون من أجل كسب رزق حلال، وإذا طاردتهم السلطات سيضطرون للسرقة والتسول".