تُعرف البلدات الواقعة على الجهة الشرقية من خط القطارات، من حماة وريف إدلب الجنوبي الشرقي وصولاً إلى مدينة حلب، في سورية، بـ"شرق السكة". سيطرت قوات النظام السوري على المنطقة بعد هجوم بري مدعوم بالطائرات الحربية الروسية مطلع شهر يناير/ كانون الثاني الماضي، بما فيها من بلدات العادلية وجب الأبيض والراعفية والعزيزية ورسم الحميدي وراس العين ورسم نياص ومبوس ورسم الجحش والعوجة ورسم البرج وأم طماخ ورسم الخشوف والبويدر وكولة البويدر وبياعة كبيرة وبياعة صغيرة ورئيفة، بالإضافة إلى بعض القرى الصغيرة.
الناشط مروان الدغيم يتحدث إلى "العربي الجديد" عن واقع هذه البلدات وما حلّ بأهلها بعد سيطرة النظام عليها، فيشير إلى أنّ الحراك الثوري فيها لم يكن موازياً لبقية مناطق إدلب، وكان أهلها ضحية، إذ بعد تعطل الطريق الدولي في إدلب، تركز اهتمام النظام على الطريق الذي يمرّ من هذه المنطقة للوصول إلى حلب والرقة، فركز كلّ ثقله العسكري للسيطرة على هذه البلدات، وجعل منها مراكز سيطرة له، إلى أن وقع الأهالي في فخ "اتفاق أستانة" بعد انسحاب جبهة النصرة من منطقتهم، إذ سيطر النظام على بلداتهم، وهجّر قسماً كبيراً منهم فيما أبقى على قسم آخر.
يضيف الدغيم: "في المجمل، كان أهالي هذه البلدات يعيشون على تربية المواشي والثروة الحيوانية، بالإضافة إلى الزراعة، ومن جرى تهجيره منها بعد سيطرة النظام عليها خسر كلّ ما يملك، وكثيرون منهم يقطنون في مخيمات عشوائية بمنطقة جبل الزاوية، فيما أوضاعهم تتشابه مع أوضاع من بقي تحت سلطة النظام نوعاً ما، مع اختلاف أنّ أولئك بقوا في بيوتهم وإن خسروا مواشيهم نتيجة عمليات النهب تحت عين النظام".
مع اقتراب الشتاء، تعمل الخمسينية، فطوم البكور، أم علي، في حياكة أغطية من أكياس البلاستيك، كي تغطي بها الخيمة القماشية التي تعيش فيها مع أحفادها. تفرش أرض الخيمة الترابية بسجادة قديمة وبعض قطع الأقمشة كي لا تتسخ ملابس قاطنيها بالتراب. تتحدث إلى "العربي الجديد" عن معاناتها: "هربنا من الطائرات والقصف، فساقنا القدر إلى المخيم هنا في جبل الزاوية. العودة صعبة جداً خصوصاً أنّ بيتنا هُدم بقصف الطيران الحربي، ولا نعلم إلى متى نبقى في المخيم". تحاول تصليح أغطية شتوية (لحف) محشوة بصوف الأغنام، وتقول: "غسلنا الصوف وجففناه، كما غسلنا الأغطية التي اتسخت بالأتربة والغبار، فالبطانيات التجارية لا توفر الدفء لنا وللأطفال. اللحاف أفضل إذ يقينا من البرد جيداً. منذ خمسة أشهر لم يقدم لنا أحد أيّ مساعدة. الناس هنا يحتاجون إلى أيّ نوع من المساعدة، وقد تمكن شبان في المخيم من توفير سلة غذائية لنا".
الستيني، علي، شاءت ظروفه أن يبقى في بلدة العزيزية، لأنّ وضعه الصحي صعب، ولا يسمح له بالتنقل كثيراً، كما أنّ الحفاظ على منزله ومنزليّ ولديه، هاجس كبير له، إذ نزحا باتجاه مناطق سيطرة المعارضة في إدلب، خوفاً من ملاحقة النظام لهما. يقول، علي، لـ"العربي الجديد": "أنا رجل مسن، وأحاول التزام البيت دائماً، كي لا أقع في مشاكل مع شبيحة النظام ورجال الأمن هنا. هم في كلّ مكان وقد استولوا على كثير من المنازل، واعتقلوا أشخاصاً كثراً بتهمة دعم المعارضة والانتماء إلى المجموعات المسلحة. الآن، أعيش مع خوف يرافقني، فقد تكررت مداهمات الأمن لمنزلي للسؤال عن ولديّ، وأبلغتهم أنّهما ابتعدا عنا، وذهبا إلى مناطق إدلب، ولا سلطة لي عليهما بعد هذا العمر، بل بقيت مع زوجتي وبعض الأقارب، وكلّنا مسنّون". يضيف: "من بقي هنا عاد لزراعة أرضه وتربية الأغنام والأبقار، فهما السبيل الوحيد لكسب الرزق هنا، وبالتأكيد نحن نلتزم الصمت تجاه أي مطلب بالخدمات أو غيرها، كون النظام يعاملنا كأعداء حتى الآن، والأمر صعب فالاعتقال أسهل ما يمكن أن يلجأ إليه النظام".
يتحدث محمد أبو جوهر (46 عاماً) عمّا حلّ ببلدته، أم خريزة، بريف حماة الشرقي. يقول لـ"العربي الجديد": "غادرنا البلدة منذ سنوات من دون أن نحمل غير ملابسنا، وتركنا منازلنا على حالها، ومعها أراضينا الزراعية التي تضمّ أشجاراً مثمرة بأنواع كثيرة، وعلمنا بعد مدة أنّ شبيحة النظام قطعوا الأشجار في الأراضي، وبعدها هدموا منازلنا بالجرافات، انتقاماً منا كوننا في صف الثورة ضد النظام. بلدتنا محاطة بقرى موالية للنظام تقع في قبضة الشبيحة. بالنسبة لنا، سنبقى نازحين ولن نعود طالما بقي النظام وشبيحته".