يشهد الشمال الشرقي من سورية، أو ما بات يُعرف اصطلاحا بـ"شرقي الفرات"، حراكاً سياسياً بين مختلف القوى المعارضة للنظام السوري، إذ تتجه عدة تيارات سياسية لعقد تحالف فيما بينها، فيما لا يزال الكرد السوريون يحاولون ردم هوة الخلاف بينهم، مع ظهور دعوة سياسية إلى استقلال منطقة الجزيرة السورية وحوض الفرات عن الدولة السورية.
ومن المقرر أن يأتلف المجلس الوطني الكردي، وتيار "الغد السوري"، والمنظمة الآثورية، والمجلس العربي للجزيرة والفرات في تشكيل سياسي جديد يحمل عنوان "جبهة السلام والحرية" في منطقة شرقي نهر الفرات التي باتت محور نشاط وحراك سياسي في الآونة الأخيرة، إذ تسعى جميع الأطراف المعارضة ليكون لها حضور في مشهد هذه المنطقة الأكثر حيوية في الجغرافيا السورية والتي باتت مسرح تنافس ما بين الروس والأميركيين والأتراك.
ويهدف إنشاء هذا التشكيل، وفق الدعوة التي وُجهت لحضور الاجتماع التأسيسي، الثلاثاء، إلى "العمل المشترك والمنسق بين المكونات المشتركة فيه لخدمة المواطن السوري، وحصوله على حقوقه المشروعة، بكافة مكوناته، وقضية السلام والحرية والتحول الديمقراطي في سورية".
ويضم المجلس الوطني الكردي المنضوي في صفوف المعارضة السورية، والذي يعد مكوناً رئيسياً من مكونات الائتلاف الوطني السوري، عدة أحزاب كردية منخرطة منذ إبريل/نيسان الماضي في حوار مع أحزاب "الإدارة الذاتية" الكردية، وهدفه تشكيل مرجعية سياسية كردية واحدة تدير منطقة شرقي الفرات التي يسيطر أكراد سورية عليها من خلال قوات "سورية الديمقراطية"، (قسد)، والتي تشكل الوحدات الكردية ثقلها الرئيسي.
وبينما تشكل تيار "الغد السوري" في مارس/آذار من 2016، في العاصمة المصرية القاهرة، من عدة شخصيات سورية معارضة، أبرزها أحمد الجربا، رئيس الائتلاف الوطني السوري الأسبق والمدعوم من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، لكن مصادر مطلعة قالت لـ "العربي الجديد" إن هذا التيار "لم يعد له أي تأثير مع انسحاب أغلب أعضائه منه"، مشيرةً إلى أن التيار أغلق مكتبه في العاصمة المصرية "بسبب انقطاع التمويل"، مضيفةً: من بقي من موظفي التيار لم يتقاض راتباً منذ نحو عام.
وتدعو المنظمة الآثورية "حزب مسيحي قومي عرقي"، إلى حماية وجود الشعب الآثوري وتحقيق تطلعاته القومية المشروعة"، وفق تعريف معهد كارنيغي للشرق الأوسط. وتعد هذه المنظمة من أقدم الأحزاب الآشورية، حيث تأسست عام 1957، وقد دعمت وشاركت في الحراك الثوري ضد النظام السوري والذي بدا في ربيع عام 2011، وهي عضو مؤسس في الائتلاف السوري الوطني المعارض. ويقطن في محافظة الحسكة السورية أقصى الشمال الشرقي من سورية القسم الأكبر من الآشوريين (مسيحيين) وخاصة في مدينة تل تمر وعدة قرى في محيطها.
وذكرت مصادر مطلعة لـ "العربي الجديد" أن المجلس العربي للجزيرة والفرات الذي تأسس في 2017، يرأسه أيضا أحمد الجربا، مشيرةً إلى أن هذا المجلس "لا يملك تأثيراً سياسياً كبيراً في منطقة شرقي نهر الفرات التي يشكل العرب غالبية سكانها"، وفق المصادر.
وتُشكل منطقة شرقي نهر الفرات أكثر من ثلث مساحة سورية، حيث تضم كامل محافظة الحسكة والجانب الأكبر من محافظة الرقة وريف دير الزور الشرقي شمال نهر الفرات، وجانباً من ريف حلب الشمالي الشرقي وفي قلبه مدينة عين العرب/ كوباني. ورغم أن العرب هم غالبية سكان المنطقة، إلا أنها تضم العدد الأكبر من أكراد سورية وخاصة في محافظة الحسكة، كما تضم نسبة كبيرة من تركمان سورية، إضافة إلى الأشوريين والسريان، وبعض الشركس والأرمن.
وقال عضو "الهيئة الرئاسية للمجلس الوطني الكردي" والمنسق العام في حركة الإصلاح الكردي، فيصل يوسف، لـ"العربي الجديد"، إنه " لطالما سعى المجلس الوطني الكردي لتعزيز علاقاته مع كل القوى السياسية الوطنية المعارضة ومن كل المكونات".
وحول أهمية "جبهة السلام والحرية"، أشار يوسف إلى أنه "من الضروري تطوير العلاقات مع هذه القوى في هذه المرحلة، لتعميق العلاقات المجتمعية الأهلية والضغط باتجاه الحل السياسي للوضع السوري وفق القرارات الدولية والمحافظة على السلم الأهلي"، وفق يوسف.
دعوة لاستقلال الجزيرة السورية وحوض الفرات
وعلى نفس الصعيد، ومع انعدام الأمل في تحقيق تسوية سياسية شاملة للقضية السورية، طفت على السطح أخيراً دعوة من قبل مثقفين عرب وكرد وآشوريين لـ "استقلال الجزيرة وحوض الفرات" عن الدولة السورية، مشيرين، في بيان، إلى "أن اتفاقية سايكس- بيكو، التي رسمت الخرائط والحدود في المنطقة، وما تلاها من معاهدات دولية، أنتجت دولاً من دون العودة إلى السكان المحليين"، مشيرين إلى أن سكان هذه المنطقة من عرب وكرد وآشوريين وتركمان عانوا من التهميش والإقصاء منذ إنشاء الدولة السورية، حيث "كان سكان الجزيرة دائماً الحلقة الأضعف في المؤسسات السورية العسكرية والمدنية، إذ لم يكن هناك أيُّ تمثيل يعكس مصالح سكان المنطقة، رغم أنها المصدر الأساسي للموارد"، وفق البيان.
وأشاروا إلى أن "الجزيرة تمتلك كافة الأسس والمقومات والموارد التي تؤهلها لقيام دولة مستقلة مزدهرة؛ تحقق مصالح سكانها؛ وترتبط بعلاقات حسن جوار مع محيطها".
وتأتي هذه الدعوة في ظل مشهد مضطرب في منطقة الجزيرة السورية (شرقي الفرات) الأغنى بالثروات من بين المناطق السورية، والتي مرت بتحولات سياسية وعسكرية واقتصادية كبرى منذ عام 2013، تدفع باتجاه القبول بأي تسوية سياسية يمكن أن تفضي إلى استقرار "حتى لو كان الاستقلال عن الدولة السورية"، وفق مصادر محلية أعربت عن اعتقادها بأن "هذه الخطوة تبدو بعيدة المنال إذا لم تجد دعما إقليميا ودوليا"، وفق المصادر.