"سيلفي وكاط كاط" لكل مواطن

10 يناير 2018
+ الخط -


يبدو أن الحملة الشرسة على امحند العنصر، الوزير الحركي السابق، وجب أن تجد محلاً لها لدى الجسم الحكومي، وخصوصاً من طرف رئيس حكومتنا، لما تشكله من خطر على أمن هذا البلد واستقراره وتهديد لرفاهيته المحسود عليها من طرف الجيران والجارات بالمنطقة.

بصفتي شخصاً عاطلاً عن العمل، ولا أجيد غير الجدال و"السفسطة" على المقهى مع أصدقائي، لا أتفق مع الشذرات الطائشة التي تم إنتاجها على مواقع التواصل حول مدى أخلاقية الفعل، أي صورة شخص ما أمام سيارة رباعية الدفع.

يبدو أننا لو طرحنا الأمر على أجنبي لسخر من شعب همه الوحيد صورة وزير سابق ورئيس إحدى الجهات المغربية، التي نسينا أسماء رؤسائها بعيد انتخابات الجهات بأشهر باستثناء جبلون الغني على التعريف، بالإضافة إلى كونه قيادياً ورئيس حزب إقطاعي تابع لدولة، قيل عنه حزب إداري، مع سيارته الرباعية الدفع الجميلة والرائعة ذات الصنف الاقتصادي.

من منا لم يقم بأخذ صورة مع سيارة ليست من ملكه كانت متوقفة في إحدى جنبات الطريق، ونشرها على الفيسبوك، بنية صافية بعيدة عن أي "فشخره"، ومن منا لم ينشر إعجابه ببيوغاتي أو مايباخ وغيرها من السيارات الفاخرة، ففي الأسبوع الماضي تداول المغاربة بفخر وطني، تواضع مواطن مغربي من أثرياء مراكش وشقيق أحد المسؤولين الحزبين بنفس المدينة، عندما اشترى سيارة بيوغاتي تبلغ قيمتها نحو 2.5 مليون دولار؛ إنها حالة سيكولوجية مرتبطة بمواقع التواصل، إذ من أبرز سماتها طغيان مراهقة افتراضية بنجوم تخطوا عقدهم الثاني والثالث، إذ ساهمت في رفع مستوى تفجر العواطف وصبيانيتها لدى جمهور التواصل.


إن أحسن حل بالنسبة لي هو إعلان حكومي عن برنامج مستعجل لتوزيع سيارات رباعية الدفع لكل مواطن مغربي بالداخل وبالخارج، كما وجب ألا ينسى هذا البرنامج مغاربة العالم والمريخ والمبعدين عن مجرة الذبانة (التبانة)، بالتالي سوف يتم إرضاء الجميع، على الرغم من خلقها أزمة مجتمعية أخرى تتمثل في كون نفس مواقع التواصل التي نددت بصورة الرجل أخلاقياً سوف تعج بصور السيلفي الرباعي الدفع، ما سيدفع مرة أخرى بمناضلي الفيسبوك ومحترفي "الركمجة" في الوقفات إلى الاحتجاج من أجل مصادرتها في إطار التسميم الذاتي على شاكلة النموذج البلشفي، في سيناريو يمكن القول عنه إنه ممل اتخاده موضوعاً للسخرية، لملل المتابعين من أفكار بقايا اليسار المغربي العقيم ومستحثات جدار برلين.

نعم، بالتأكيد وجب أن نتضامن مع سكان أعالي الجبال في هذا الموسم القارس، كما وجب أن نتضامن مع ساكنة خط الاستواء ومدار الجدي، ولما لا سكان ثقب الأوزون، فهم الأولى بالتضامن في الوقت الذي يتسع ثقبهم بدل أن يتم إيقافه كما غبائنا المستشري كل اليوم مع مواقع التواصل ومنابر صحافية ذات الخطوط والتقاطعات التحريرية الهابطة التي سفّهت العمل الصحافي بالمغرب وجعلته ساحة لتداول "الشنّاقة" لأعماله الصحافية بدل الصحافي المهني، وذاك موضوع آخر.

للأسف ما يقع في المغرب ليس مرتبطاً بمطالب مواطنيه بتقديم متطلبات البرد القارس لسكان محتاجين، إذ لا يعدو الأمر أن يكون عدوى تتشابه فيها مختلف البلدان العربية، بفضل مواقع التواصل الاجتماعي التي ساهمت وقدمت فرصة ذهبية للحمقى والمجانين في إبداء آرائهم، وأنا مثل هؤلاء الحمقى أحاول أن أثبت مدى سلامة قدراتي العقلية في كل مرة أحاول فيها الكتابة من دون الخروج عن السطر والتفوه بالهراء، فهي الموضة في أيامنا العجيبة.

في المحصلة قصة السيارة لا تعدو أن تكون نفاقاً مغربياً موسمياً، إذ في كل سنة تتكرر المآسي في الجبال بسبب عدم وجود بنيات تحتية أساسية، وحتى المؤسسات المرتبطة بالموضوع تعرف خصاص في الكوادر البشرية، وحتى الفعل التضامني الجمعوي والمؤسساتي أصبح منغمساً بدوره في البروباغندا السياسية، ولا يتم استحضاره إلا من أجل ضمان رأسمال انتخابي بشري في تلك الجهات، على اعتبار أن اللعبة الانتخابية بالمغرب ما زالت تعتمد في تقطيعها على المجال القروي، فهي المنقذ دائماً أمام عزوف الحواضر الكبرى عن المشاركة السياسية.

لا يمكنني القول إن مآسي البرد القارس شيء عادي، لكن سلوكنا العادي تجاه معاناة إنسانية هو المشكلة والخطر الذي يحتاج إلى "انفكوا" جديدة لإيقاظ ضميرنا الميت من نومه المخزي.

بالعودة إلى مواقع التواصل تبقى الذاكرة القصيرة ما يمتاز به رواد هذه المواقع التي قد لا تتعدى أسبوعاً، فمن منا يتذكر قضايا الأسبوع الماضي، لا أظن أنه بإمكانك تذكر حروب الكيبورد للأسبوع الماضي وهنا مربط الباندا وليس الفرس.

يكفي لقضية أخرى مستجدة لتكسب تعاطف الجميع، في الوقت الذي يتم تناسي القضايا الكبرى التي كان الأولى أن تكون محط اهتمام ومتابعة دورية، لكن هذا لا يتم بسبب وجود مشكل آخر المتمثل في طفيليات بشرية متخصصة في الـ"ركمجة" النضالية أينما كانت، اليوم نناضل على انقلاب نملة في منعرج "شوكولا طي"، "وغدا وقفة بعد غرق نحلة في إناء من العسل"، لا يهمم من أنت ومع أي تيار، المهم فرصة لتنديد بتخاذل الدولة وشتم ساستها مع الأفضلية لـ"هوتات المركز" كلما كانت القضية بمحور الدار البيضاء الرباط كان أحسن، وذلك لوجود معظم المنابر الإعلامية وتمركز محترفي النضال المركزي أيضاً.

أكيد، فما دور الساسة إن لم يكن استيعاب سباب مواطني هذا البلد العاجزين عن توجيه إبهامهم نحو المشكل الحقيقي في الوقت الذي يتطلب الأمر ذلك، لن يختلف العنصر عن باقي ساسة المغرب، فهم في النهاية واجهة للديمقراطية المغربية و"الأوراش" الكبرى وحقوق الإنسان وحسد الجيران. إن الأمر لا يعدو أن يكون مسرحية لا نهاية لها بين ساسة هذا البلد ونجوم الرأي العام من مناضلين ومحترفي النضال وأشباه المناضلين ومواطنيه المسحوقين، إذ في المحصلة هم الضحايا بالإعلام أو بدونه فلا أحد يتقاسم الألم ولا أحد في خط النهاية يكون لتعويضهم عما فاتهم.

في الختام لا تمكن استساغة هذا النفاق الذي نعيشه في المغرب، إذ لا يعد تضامننا الافتراضي مع قضايا هذا الوطن إلا دغدغة لأنانية ضميرنا وإراحتها بأداء الواجب، فإلى متى يتوقف أداؤنا للواجب افتراضياً بدل النزول للشارع من أجل أداء مواطنتي حقيقي.
5123E660-4CC8-483E-89F5-33AE186CE52E
أسامة طايع

باحث جامعي متخصص في الدراسات السياسية والدولية من المملكة المغربية.