"سوتشي" و"أستانة": هل أنهتهما الحرب على إدلب؟

25 مايو 2019
امتصّت المعارضة الصدمة وشنت أكثر من هجوم معاكس(فرانس برس)
+ الخط -
تثير التطورات العسكرية المتسارعة في شمالي غربي سورية بعد التصعيد الذي بدأته قوات النظام بشكل واسع النطاق منذ بداية شهر مايو/ أيار الحالي، الكثير من الأسئلة بشأن مصير اتفاق سوتشي المبرم ما بين الروس والأتراك في سبتمبر/ أيلول الماضي، والذين لم يعلنوا حتى اللحظة انهياره في مسعى للحيلولة دون انزلاق النظام والمعارضة المسلحة نحو صدام عسكري ربما يصعب التحكم به. كما تعود التساؤلات بشأن مسار أستانة الذي كان بوابة للروس للفتك بالمعارضة السورية وقضم مناطقها على مراحل. وهو ما يحاول النظام وحلفاؤه القيام به مجدداً في محافظة إدلب ومحيطها، ولكن الوقائع الميدانية تشي بأنّ مهمة هذه القوات هذه المرة ستكون صعبة بسبب موقف تركي رافض بالمطلق لكسر إرادة فصائل المعارضة في شمال غربي البلاد.

وبدّلت هذه الفصائل، الثلاثاء الماضي، جانباً من معادلة القوة والسيطرة في شمال غربي سورية، باندفاعة أعدّت لها جيداً، كما تؤكد النتائج، أفضت إلى استعادة السيطرة على بلدة كفرنبودة في ريف حماة الشمالي، وتكبيد قوات النظام التي كانت تتمركز بالبلدة التي سيطرت عليها في التاسع من الشهر الحالي، خسائر كبيرة. وجاء "النصر"، وفق توصيف المعارضة السورية المسلحة، ليؤكّد إصرار الأخيرة على عودة نقاط السيطرة كما كانت عليه قبل توغّل قوات النظام تحت غطاء ناري روسي أفضى إلى تراجع فصائل المعارضة عن 16 منطقة في ريفي حماة وإدلب.

وتشي التطورات العسكرية والميدانية المتلاحقة بأنّ اتفاق سوتشي بين الجانبين التركي والروسي يقترب من الانهيار الكبير، ما يعني خلط الأوراق من جديد وعودة الصراع إلى المربع الأول، مع ما يفضي إليه ذلك من تراجع الخيارات السياسية للتوصّل لحلول مؤقتة للوضع في شمال غربي البلاد، بانتظار التسوية النهائية للقضية السورية.

وتم بموجب اتفاق سوتشي المبرم بين الجانبين الروسي والتركي في سبتمبر/ أيلول الماضي، إنشاء منطقة عازلة في محيط إدلب بين مناطق النظام والمعارضة، بحدود تراوحت بين 15 و20 كيلومتراً، خالية من السلاح الثقيل. لكنّ الاشتباكات اليوم بين المعارضة السورية وقوات النظام تدور ضمن المنطقة العازلة، ما يعني عملياً انتهاء اتفاق سوتشي على الأرض، رغم أنّ أنقرة وموسكو لم تعلنا رسمياً انهياره، إذ من الواضح أنّ الجانبين يعملان على بقائه رغم هشاشته، كي لا ينتقل الصراع إلى مستويات يصعب التحكّم بها.

وكان الهدف من اتفاق سوتشي نزع فتيل الحرب في منطقة تضمّ ملايين المدنيين، هم بمثابة قنبلة بشرية، ستكون لانفجارها ارتدادات كبرى لن تبقى ضمن الحدود الجغرافية السورية. ومنذ إعلان الاتفاق، بدا واضحاً أنه لن يصمد طويلاً، خصوصاً أنه جرى استبعاد الجانب الإيراني منه، في خطوة اعتبرت محاولة من أنقرة وموسكو لتحييد طهران عن أداء أي دور في شمال غربي سورية. ولم تتوقف محاولات قوات النظام ومليشيات طائفية ومحلية مدعومة من إيران لتقويض الاتفاق، ولكن الجانب الروسي كان يلجم هذه القوات حتى فشل الجولة 12 من مسار أستانة في 25 إبريل/ نيسان الماضي، إذ لم تحصل موسكو على موافقة تركية على تشكيل اللجنة الدستورية المنوط بها وضع دستور جديد للبلاد، وفق التصور الروسي، فأعطت قوات النظام الضوء الأخضر لبدء هجوم بري بعد تمهيد جوي ومساندة من الطيران الروسي.

المعارضة السورية، التي كانت حريصة على إنجاح الاتفاق دعماً للموقف التركي، فوجئت بهجوم قوات النظام بداية الشهر الحالي، ولكنها امتصّت الصدمة وشنت أكثر من هجوم معاكس ناجح. وفي هذا الإطار، رأى العقيد مصطفى البكور، قائد العمليات في "جيش العزة"، الفصيل البارز في ريف حماة الشمالي التابع لـ"الجيش السوري الحر"، أنّ اتفاق سوتشي ومسار أستانة كله "انهارا على الأرجح". ولفت في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أنّ انهيار اتفاق سوتشي يعني استمرار المعارك بين فصائل المعارضة وقوات النظام.

ويعزز الهجوم الذي شنته المعارضة السورية، الثلاثاء، لاستعادة بلدة كفرنبودة أنّ الطرفين التركي والروسي وصلا إلى طريق مسدود، إذ تشترط موسكو تثبيت نقاط السيطرة كما هي عليه مقابل وقف إطلاق النار، فيما تصرّ أنقرة على عودة قوات النظام إلى نقاط تمركزها السابقة، ما يعني خروجها من مدينة قلعة المضيق ومواقع أخرى.

ومن الواضح أنّ الحكومة التركية تعتبر الأوضاع في شمال غربي سورية تمسّ أمنها القومي، وهو ما ترجمته على الأرض من خلال دعم فصائل المعارضة من أجل الصمود للحيلولة دون توغّل قوات النظام في عمق محافظة إدلب، وهو ما يخلق أزمات إنسانية ترتدّ تبعاتها السلبية على الأتراك، وذلك في ظلّ سياسة ضغط على أنقرة من قبل الروس.

من جهته، قال عضو الائتلاف الوطني السوري ياسر الفرحان، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "المعارضة السورية المسلحة تدافع عن نفسها وعن المدنيين في ريفي حماة وإدلب"، موضحاً أنّ "صدّ العدوان عمل مشروع في القانون الدولي وفي مذكرة التفاهم المبرمة في أستانة واتفاق سوتشي الذي نصّ على عدم خلق وقائع جديدة على الأرض تحت ذريعة محاربة الإرهاب". وأكّد فرحان، الذي سبق له المشاركة في مفاوضات أستانة، أنّ "إعادة الأمور لما كانت عليه أمر مشروع"، مضيفاً "النظام وحلفاؤه ارتكبوا جرائم حرب بحق المدنيين في ريفي حماة وإدلب". وشدد على أنّ المعارضة "ملتزمة بكل الاتفاقات وبالعملية السياسية، لكنّ النظام وداعميه ينسفون كل شيء".

وفي موازاة انتظار التطورات في الفترة المقبلة لحسم مصير سوتشي، يحضر الحديث عن وضع مسار أستانة برمته، الذي كان مدخلاً واسعاً للروس والإيرانيين لسحق فصائل المعارضة السورية وطردها من أهم مناطقها في جنوب سورية وغوطة دمشق الشرقية وريف حمص الشمالي. وكان هذا المسار بمثابة "خديعة" دفعت المعارضة جرائها أثماناً كبرى، ولا سيما دفعها إلى محافظة إدلب التي باتت المعقل البارز لها، والذي إن فقدته سيكون الصراع قد انتهى لصالح النظام، ما يعني تسوية تبقي بشار الأسد في السلطة، وترسّخ الوجود الإيراني والروسي الذي يكاد يرقى إلى مستوى الاحتلال المباشر.

ومنذ انطلاقه في بداية عام 2017، بدا مسار أستانة وكأنه وُجد من أجل القضاء على المعارضة السورية على مراحل، وهو ما تحقّق، خصوصاً خلال عام 2018، إذ خرجت فصائل المعارضة من كل مواقعها باستثناء منطقة التصعيد الرابعة التي تضمّ محافظة إدلب ومحيطها. ولم يحقّق هذا المسار أي نتائج إيجابية على الصعيدين العسكري والإنساني، إذ لم يستطع فكّ عقدة المعتقلين على الإطلاق، بل إنّ النظام رفع سقف تحديه لهذا المسار وغيره، من خلال الإفراج عن قوائم لمعتقلين قتلهم تحت التعذيب.

وبرأي الكاتب المختصّ في الشأن الروسي طه عبد الواحد، في حديث مع "العربي الجديد"، فإنّ "اتفاق سوتشي الخاص بإقامة منطقة منزوعة السلاح في محيط المنطقة الرابعة من مناطق خفض التصعيد، يتضح مصيره على الأرض حالياً من خلال المعارك في ريفي إدلب وحماة". واعتبر أنّ "الميدان يشير إلى مواجهة روسية تركية غير مباشرة، يستخدم فيها كل طرف أدواته، رغم أنّ الاتصالات مستمرة بين الجانبين على المستويين العسكري والسياسي".

وأضاف عبد الواحد أنّ "الحسم سيكون سياسياً في مرحلة معينة من المعارك"، مرجحاً أنّ "يتوصّل الروس والأتراك لاتفاقات جديدة مكمّلة لاتفاق سوتشي حول المنطقة العازلة، لعودة وقف إطلاق النار إلى المنطقة". وأشار إلى أنّ الجانبين، التركي والروسي، "كلاهما مهتم في هذه المرحلة بالحفاظ على التعاون والتنسيق في سورية وعدم السماح بانهيار اتفاق سوتشي".

وبالنسبة لمسار أستانة، رأى عبد الواحد أنه "عملياً انهار بعد فشل آخر جولة منه في تحقيق أي نتائج بالنسبة للجنة الدستورية والملفات الأخرى"، مستدركاً "لكنّ مصيره أيضاً يحدده قرار سياسي بغضّ النظر عن نتائج هذا المسار". ولفت إلى أنّ مسار أستانة "حاجة ملحة لروسيا، يسمح لها بضبط تحركات الأطراف على الأرض من خلال التنسيق ضمن الثلاثي الضامن، فضلاً عن كونه مهمّاً لها باعتباره إطاراً أساسياً تفرض عبره مشاركتها الحاسمة في عملية التسوية السورية". وتابع "كما أنّ أستانة مهم للجانبين التركي والإيراني، باعتباره إطاراً يتيح للجميع مساحة للتنسيق، وعلى الأقل يساعد في تجنب التصعيد بينهم في سورية".

المساهمون