لا يستثمر الممثل الهندي هريثيك روشان، في "سوبر 30" (2019) للمخرج البوليوودي فيكاس باهل، خبراته السينمائية كلّها، التي راكمها في أعوامٍ طويلة. كما أنّه لا يستثمر ما لديه من نجوميّة وبراعة رقص ورشاقة جسد، إذْ سخّر جزءاً صغيراً من جسده، جاعلاً إياه في خدمة الكاميرا المُلتصقة بمسامه وحميميته، وإنْ لم يكتمل حضور الجسد وصورته، بسبب طبيعة الدور المُركّب الذي يُحتّم إخفاء وسامته وجماليّات جسده، في تأديته دور عالِم الرياضيات الهندي أناند كومار.
وبدا روشان، للمرّة الأولى، مُتنصّلاً من رومانسيته وعنفه وبطولته وحركاته وعضلاته، بتمثيله دوراً عادياً وتلقائياً، لا تكون الوسامة والرومانسية معه نواة العوالم الجمالية، بل قدرة المُمثّل على خلق نوعٍ من التماهي بين جسده وجسد أناند كومار، وما يفرضه هذا النوع من الأدوار من بحثٍ عن طبيعة الشخصية، قبل ولوج مُتخيّلها وتفكيرها وهواجسها وانفعالاتها.
هذا كلّه جعله يعمل كأنّه "يُلغي" المفاهيم الجمالية للتمثيل، التي اكتسبها منذ أعوام، كي يظهر بهذه التلقائية والقوّة التجديدية والبراعة الفنية الطفولية المرحة، التي طبعت دوره. يروي الفيلم سيرة أناند كومار، عالم رياضيات متحدّر من قرية فقيرة. يبيع والده المنزل لتعليمه، مُغذّياً شغف الرياضيات فيه. تمضي الأيام، قبل أنْ يصبح أستاذاً مشهوراً في مدارس تعليمية خاصّة، متخلّياً عن المواقف التي ربّاه والده وفقاً لها. بعد أعوامٍ من الرفاهية والسهر، يكتشف أناند ـ أمام طيف والده ـ فساد النظام التعليمي المنتمي إليه، الذي يحتكر المعرفة والتعليم، ويجعلهما سلعة تُباع بأموالٍ باهظة إلى طبقة بورجوازية عفنة.
في هذه الأثناء، يبدأ أناند مراجعة نفسه، مُتذكّراً كلام والده وأيام تشرّده في طرقات الهند، فيُقرّر الثورة على النظام الفاسد، بتخلّيه عن منصبه ومسيرته، وعن كلّ ما يملكه، لتعليم الأطفال مجّاناً. عندها، ومع تشابك القصّة، ينتقل فيكاس باهل من مستوى أول يتمثّل بتقديم القصّة والشخصيات، إلى مستوياتٍ فنية وجمالية، تغدو معها الصورة مرادفة للنقد اللاذع لأنصار الأنظمة التعليمية الفاسدة، مُرتكزاً على قوّة السيناريو وجمالياته في تمرير خطاباتٍ نقدية، تتناول فساد التعليم الهندي والمُتاجرة به، وجعله في خدمة طبقة بعينها، بدلاً من أنْ يستفيد منه المجتمع الهندي بأكمله.
يُصَوّر باهل سيرة كومار مع الأطفال الذين يزرع فيهم حبّ المادة، ويجعلهم يتخيّلون الأرقام والمعادلات والحالات الرياضية واقعياً، قبل تجريدها والتفكير بها. لذا، لجأ باهل طيلة الفيلم إلى المُؤثّرات البصرية، وقدرتها على الانفتاح على مواطن أخرى من جماليّات الصورة. علماً أنّ الأسلوب النقدي العنيف والمشروع ضد النظام التعليمي الفاسد يظلّ العنصر الأهم، لأنّه يُسوِّغ المواقف وسياقات المَشاهد وأنماط الصُوَر وتنوّعها في الفيلم، إذْ تكشف أكثر مما تُضمر، وتبوح وتنتقد ولا تُماري.
كما أنّ التحرّر من الأسلوب الميكانيكي البيوغرافي في سرد حياة كومار ضخّ حياة أخرى جديدة مُرادفة لسيرته، بحكم الهواجس الفنية والتخييلية، التي جعلها المُخرج قالباً سينمائياً لآرائه ومواقفه وصمته وصراخه وفرحه وأحزانه ونقده وتكتّمه. هذا البُعد التخييلي أسّس فنّيةَ الفيلم، وليس السيرة التقريرية لكومار نفسها، التي تبقى حكاية ميتة، لعدم دخولها في سياق فني جمالي، تعتلي فيه عرش الصورة في بنية التخييل، الذي تغدو السيرة، من خلاله، حيّة في عقل ووجدان كل من يُشاهدها.
هذا كلّه لم يتحقّق في معالجة سينمائية فذّة، تضغط على جرح السيرة، لمُواصلة صراخها ونزيفها وتأثيرها في مجتمعٍ هندي مُتناقضٍ بين الفقر والغنى، والنبوغ والأمية، وغيرها من الثنائيات، التي حاول فيكاس باهل إبرازها وتفكيكها ونقدها، قبل أنْ يُعيد بناءها بشكلٍ صحيح، ما جعل الصُور السينمائية تنجح في إنتاج خطابٍ احتجاجي سياسي، يُعرّي الأوضاع السياسية والاجتماعية المُتّصلة بقطاع التعليم.