ويقول الملحق الاعلامي في السفارة السودانية لدى الدوحة، سيف الدين البشير أحمد، لـ"العربي الجديد"، إن قبول المستويين الاقليمي والمحلي بالدور القطري سمح للدوحة بمواصلة دورها وإقناع المتفاوضين بضرورة السلام، وظل التفاوض يحظى بالدعم الاقليمي والعالمي وهو ما جعل الاتفاقية تحظى بالقبول والرضى بالنسبة لمن وقعوا عليها من الأطراف السودانية وحتى من المجتمع الدولي، على حد تعبيره.
وانطلقت المفاوضات التي رعتها قطر وقادتها بـ"اتفاق حسن النوايا" بين حكومة السودان وحركة العدل والمساواة بتاريخ 17 فبراير/ شباط 2009، وتلا ذلك، الاتفاق الإطاري بين الطرفين في 23 فبراير 2010. وفي 18 مارس/ آذار 2010، وقّعت الحكومة وحركة العدل والمساوة اتفاق وقف إطلاق النار والاتفاق الإطاري الثاني.
وعلى الرغم مما واجهته الوساطة القطرية من مصاعب، وأهمها انقسام الحركات الدارفورية وعدم اتفاقها على موقف تفاوضي واحد، لكن في النهاية وقّعت حركة التحرير والعدالة، إحدى حركات دارفور بالدوحة، في 14 يوليو/ تموز 2011، اتفاقية مع حكومة جمهورية السودان، إيذاناً بوضع لبنات السلام الدائم في دارفور. وقد وقّعت حكومة السودان وحركة التحرير والعدالة، اتفاقاً بروتوكولياً، ألزمتا بموجبه نفسيهما بالوثيقة، التي تُعدّ الآن إطاراً لعملية السلام الشامل في دارفور. وتعتبر الوثيقة تتويجاً للمفاوضات والحوار والتشاور بين مختلف الأطراف الكبرى، في نزاع دارفور وأصحاب المصلحة والشركاء الدوليين. وقدّمت البعثة المشتركة للاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة (يوناميد) خبراتها الفنية دعماً لعملية السلام، إضافة إلى حثها الأطراف غير الموقعة عليها للانضمام إليها والتوقيع عليها.
وفي 22 يوليو رحّب الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، بوثيقة سلام الدوحة التي تبنّاها أصحاب المصلحة كأساس لإنهاء النزاع، الذي دام لسنواتٍ ثمان بغرب السودان، كذلك قدم الاتحاد الأفريقي دعمه للإطار. وتعالج وثيقة الدوحة لسلام دارفور سبع قضايا أساسية هي: حقوق الإنسان والحريات الأساسية، وتقاسم السلطة، والوضع الإداري لدارفور، وتقاسم الثروة والموارد القومية، والتعويضات وعودة النازحين واللاجئين، والعدالة والمصالحة، ووقف إطلاق النار الدائم والترتيبات الأمنية النهائية، وأخيراً الحوار والتشاور الداخلي وطرق التنفيذ.
واستمرت المتابعة القطرية لتنفيذ اتفاق سلام دارفور من خلال 11 اجتماعاً ما بين الخرطوم والدوحة، للجنة متابعة تنفيذ اتفاق الدوحة للسلام في دارفور، برئاسة نائب رئيس مجلس الوزراء القطري، وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء، أحمد بن عبدالله آل محمود.
وفي الاجتماع الأخير للجنة في مايو/ أيار الماضي، قال آل محمود إن "دارفور شهدت منذ دخول الوثيقة حيّز التنفيذ، خطوات متسارعة نحو التعافي والعودة إلى الحياة الطبيعية، وتجاوز الأيام الصعبة، ومضت تستشرف مستقبل التنمية والإعمار".
وبموجب بنود الاتفاق، تعهدت قطر بإعادة إعمار هذا الإقليم، بعدما دمّرته الحرب الطويلة وأثّرت بالسلب على بنيته التحتية ومرافقه العامة ومنشآته التعليمية والطبية والخدمية. من هذا المنطلق، استضافت الدوحة في إبريل/ نيسان من عام 2013 مؤتمر المانحين لإعادة الإعمار والتنمية في دارفور، بمشاركة وفود من 36 دولة و22 وكالة من وكالات الأمم المتحدة و60 منظمة دولية ووطنية. ونجح المؤتمر في جمع تمويل لمشروعات التنمية في الإقليم تجاوز 3.5 مليارات دولار، تغطّي فترة أربع سنوات من استراتيجية تنمية دارفور التي تمتد على مدى ستة أعوام، كما تعهّدت دولة قطر بدفع مبلغ 500 مليون دولار، كمنح ومساهمات لإعادة الإعمار. وتعهّدت الجمعيات والمؤسسات الخيرية القطرية بتقديم 141 مليون دولار لدعم التنمية وإعادة الإعمار في إقليم دارفور، أعلنها ممثلو ست جمعيات خيرية قطرية.
ثم وقّعت قطر في نهاية العام الماضي، اتفاقاً بغرض إطلاق مشاريع الإنعاش المبكر بين دولة قطر وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، الذي بمقتضاه يقوم البرنامج ومنظمات الأمم المتحدة الأخرى، بتنفيذ مشاريع عدة بدارفور في المرحلة الأولى، لتشمل مجالات الصحة والتعليم والمياه والطرق وتوفير الكهرباء باستخدام الطاقة الشمسية والعودة الطوعية للسكان والسلام، وذلك تنفيذاً لاستراتيجية تنمية دارفور، التي تمّ تبنيها في المؤتمر الدولي للمانحين لإعادة الإعمار والتنمية الذي استضافته الدوحة.
مع العلم أنه جرت مراسم الاحتفال في الاتفاق الموقّع في عام 2011، بالدوحة بحضور أمير قطر آنذاك الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، والرئيس السوداني عمر البشير، ورؤساء تشاد وإريتريا وبوركينا فاسو ومسؤولين أفارقة ورؤساء وممثلي المنظمات الإقليمية والدولية.
ووقع على الوثيقة مستشار الرئيس السوداني، مسؤول ملف دارفور غازي صلاح الدين، وعن حركة التحرير والعدالة رئيسها التيجاني سيسي. كما وقع على الاتفاق وزير الدولة القطري للشؤون الخارجية، ووزير خارجية بوركينا فاسو، والممثل الخاص المشترك للاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة.
وتضمنت الوثيقة عنصراً أساسياً لحلّ أزمة دارفور وهو تقاسم الثروات والسلطة بين حكومة الخرطوم وحركات دارفور، فضلاً عن التصدي لقضايا أساسية للنزاع المسلح في الإقليم، كإقرار تعويضات للنازحين، وموضوع اللجوء ووضع الإقليم من الناحية الإدارية، إذ تقرر اللجوء للاستفتاء للحسم في هوية دارفور بين أن يكون إقليماً واحداً أو ولايات.