"سرايا عابدين".. حريم الخديوي يكتبن التاريخ

03 ابريل 2015
فريق مسلسل "سرايا عابدين" (العربي الجديد)
+ الخط -


على خطى "حريم السلطان" المسلسل التركي المدبلج، يمضي مسلسل "سرايا عابدين" في جزء ثان، مثقلاً بنجاحه الجماهيري والسخط النقدي عليه، دون أن يبدو مؤكداً إن كان صانعو العمل استفادوا مما كتب وقيل عن الجزء الأول منه، ولا سيما لجهة مراعاة الحقائق التاريخية في الحكاية، وتجاوز ما شابها من تزييف في الجزء الأول، أو أنهم سيديرون ظهورهم لكل ما سبق، ويكتفون بإيراد العبارة ذاتها التي تم وضعها في مقدمة (تترات) الجزء الأول من العمل بأن ما سنتابعه كجمهور هو "دراما مستوحاة من قصة حقيقية" وليس قصة حقيقية.

بالتالي علينا نحن الجمهور أن نتحلى بالسذاجة الفائقة، ونتقبل أنّ الأحداث في الجزء الثاني كما الأول منه هي من وحي خيال الكاتبة، وليست تجسيداً لحياة الخديوي إسماعيل حتى لو تشابهت الأسماء في الحكاية المتخيلة، وحدد مكان وقوعها في "مصر"، وحدد زمان أحداثها من خلال إيراد عدد من الوقائع التاريخية التي شهدتها المحروسة.

بكل الأحوال، من الصعب أن نقبل بعبارة صانعي المسلسل "دراما مستوحاة من قصة حقيقية"، فهي ليست أكثر من "ضحك على الدقون"، وليتوقف هؤلاء عن استغباء جمهورهم، ولا سيما من خرج منهم إلى الإعلام ليؤكد عدم صحة اتهام المسلسل بتزييف الحقائق لكونه من وحي خيال المؤلفة.. ولننهي الجدل الدائر حول ذلك، فالمسلّم به، كما كشفت عنه وقائع المسلسل، هو أنّ أسرة العمل أنجزت حكاية عن الخديوي إسماعيل، وعيونها على المسلسل التركي "حريم السلطان" أكثر من عيونها على كتب التاريخ.

المتابع للعملين لا يحتاج إلى كثير من الذكاء ليدرك التطابق الكبير بينهما، ولا سيما في الخط الدرامي الرئيسي لحكايتهما، أي خط (هويام- السلطان سليمان) في "حريم السلطان" وخط (شمس- الخديوي إسماعيل) في "سرايا عابدين. فشخصية "شمس" بنيت من تفاصيل شخصية "هويام"، وأداء المصرية "غادة عادل" لشخصية "شمس" بُني من أداء التركية مريم أوزلي لشخصية "هويام"، حتى الصراع بين والدة السلطان سليمان والجارية هويام، كان يتكرر بين والدة الخديوي إسماعيل "خوشيار" والجارية شمس. وفي ذلك، بعض من التطابق بين العملين لا كله.

من دون شك، حالة الوله بالمسلسل التركي "حريم السلطان" والسعي لاستنساخه واستثمار نجاحه الجماهيري أمر مشروع لأي جهة إنتاجية، وكان بوسع فريق عمل "سرايا عابدين" إنجاز عمل ضخم بحكاية مسلية وجذابة وناجحة (حتى لو بدت تقليداً) لو أنّهم ابتعدوا عن كتب التاريخ وشخصياته، ونسجوا حكايات لأحداث وحيوات أشخاص متخيلين، من رجال سلطة وقصور بكل ما يدور فيها من مؤامرات وفتن ومكائد، بعيداً عن نبش أسماء تاريخية، حضورها لا بد أن يضع المسلسل أمام مساءلة تاريخية.

كان بوسعهم أن يفعلوا ذلك كله، كما سبق وأنجز السوريون على سبيل المثال ما عرف بـ "الفنتازيا التاريخية"، وفيها قدموا محاكاة للتاريخ والواقع العربي دون تحديد زمان ومكان معينين. ومع تغييب الزمان والمكان والأسماء التاريخية، أطلقوا العنان لمخيلتهم دون أن يضعوا أنفسهم أما مساءلة عن تفاصيل الفترة التاريخية لحكايتهم أو مقتضيات مكانها وناسها.

إلاّ أنّ صانعي مسلسل "سرايا عابدين" بدوا مأخوذين بالمسلسل التركي ومحاكاته حتى النسخ تقريباً، ومن مقتضيات تلك النسخ كان لا بد من إيجاد شخصية تاريخية تتشابه وأجواء السلطان التركي سليمان، فكانت الأسرة العلوية والخديوي إسماعيل. فما هم استطاعوا أن يقدموا حكاية تاريخية محكمة بلا تزييف، ولا هم استطاعوا تقديم دراما من وحي الخيال تماماً معها نشغف بالحكاية دون أن نسأل عن مرجعيّتها التاريخية.

اقرأ أيضا:
الدراما العربية تعاني من عَوَارِض "حريم السلطان"

كان من الممكن أن نقول إن حالة أسر مسلسل "حريم السلطان" لمسلسل "سرايا عابدين" ليست قدراً، وأن هذا الأخير بوسعه التحرر من أسر المسلسل التركي بمقدار ما يتحرر من لعبة الخيال التي يدعيها أو يتوهّمها، ويعود أكثر إلى لعبة التاريخ وبالتالي تجاوز ما شابه من تزييف للحقائق في جزئه الأول...كان ذلك من الممكن لو أن العمل لم يبالغ في خياله/ تزييفه للحقائق.. فأي جزء ثان بوقائع تاريخية دقيقة، والأمير فؤاد الذي يحكم مصر في العام 1922 قضى مسموماً وهو ما زال طفلاً في الجزء الأول في المسلسل، ومثله ماتت الأميرة شفق نور هانم بحمى الكوليرا، وهي التي بقيت حية حتى العام 1894م وشهدت حكم ابنها الخديوي توفيق..؟!

تلك الوقائع ليست سوى بعض أخطاء الجزء الأول التاريخية التي لا يمكن أن ترفع عن الجزء الثاني المنتظر شبهة تزييف التاريخ، حتى لو أصرّ صناع العمل أنّهم يقدمون دراما مستوحاة منه. الصورة بمجملها تؤكد أنّ الجزء الثاني من العمل (13 حلقة فقط) سيأتي استكمالًا لأحداث الجزء الأول دون تغييرات بنيوية في تعامله مع الوقائع التاريخية.

وفي الغالب سيستمر في الاتكاء على لعبة الدراما المستوحاة من الواقع والنسج من الخيال في الذهاب أكثر في حكايته بعيداً عن كتب التاريخ، ما يرجح المزيد من المغالطات التاريخية في الجزء الجديد، وذلك أمر لا نستطيع حسمه ما لم تعرض حلقاته، وإن كنا نحسم أنّ منتجي الدراما باتوا يتحلّون بمزيد من الجرأة لإعادة كتابة التاريخ وفق ما تقضيه لعبة السوق.

تبقى التعديلات الوحيدة التي يمكن الجزم بها في الجزء الثاني من المسلسل هي بعض التغييرات التي طرأت على فريق العمل، حيث تغيبت الفنانتان غادة عادل وداليا مصطفى بعد أن اعتذرتا عن المشاركة في الجزء الثاني، واكتفى المخرج عمرو عرفة بالإشراف على العمل، واعتذر عن مواصلة إخراجه ليحل مكانه المخرج السوري شادي أبو العيون السود.

وكانت مصادر إعلامية نقلت عن لسان نجوم العمل أنّ المسلسل سيعرض بمعدل حلقة أسبوعياً، فيما بدأت شبكة قنوات "إم بي سي " ببث الدعاية الترويجية للجزء الثاني من المسلسل. 
المسلسل من بطولة يسرا، وقصي خولي، نيللي كريم، نور، كارمن لبس، سوسن أرشيد، ونخبة من الفنانين المصريين والعرب.


مصر بالسوري
بتجسيد السوري قصي خولي شخصية الخديوي إسماعيل في "سرايا عابدين"، يكون السوري الثالث الذي جسد شخصية مصرية لعبت دوراً في التاريخ السياسي لمصر، بعد أن جسّد تيم حسن شخصية الملك فاروق، في المسلسل الذي حمل الاسم ذاته، وأدّى جمال سليمان شخصية الرئيس جمال عبد الناصر في "صديق العمر"، وإن ظلّ أداء تيم حسن الأفضل بين النجوم الثلاثة.
المساهمون