"سحبة"

25 ابريل 2015
لم تخبرها أموراً إيجابية أو سلبية (فرانس برس)
+ الخط -

بعد الغداء، يصيرُ بمقدورنا النزول إلى دكان "أبو خضر" لشراء المأكولات الضارة، أو ما اعتدنا على تسميته بـ"التشبرق". كان شغفنا بـ"السحبة" أكبر بكثير من الشوكولاتة أو البوظة أو السكاكر وغيرها. أطوي ورقة المئتين وخمسين ليرة (ثمن السحبة)، بعناية حتى لا تتمزق أطرافها ويرفضها أبو خضر. أخلط "السحبات" الموضوعة في صندوق مصنوع من الكرتون، علّني بذلك أحظى بهدية أجمل. أزيل أوراق الصحف التي تغلّفها قبلَ أن أعرف حظي. كان جيداً في ذلك اليوم. أقراطٌ زهرية عرفتُ أنها تليق بالثوب الأبيض الذي اشتريته للعيد. أذكرُ من كل السحبات التي اشتريتها هذين القرطين فقط. كأن الحظ لم يبتسم لي إلا مرة واحدة.

لا "سحبة" في الدكاكين اليوم. كأن من كان يصنعها يوماً لم يعد يحب المفاجآت. لعلّه كان يبحثُ عن هديةٍ لم يكن يجدها في "سحبة". 

***

حينَ التقاها، أخبرها أنها ورقة اللوتو التي ربحها في حياته. وهو، لم يحالفه الحظ يوماً في مئات أوراق اللوتو التي اعتاد شراءها قبل سنوات. ذلك اليوم، لم ينتظر توالي الأرقام على الشاشة لمقاطعتها مع الأرقام التي تحملها ورقته. ظهرت الأرقام دفعة واحدة. وكانت هي. لطالما رآها تمهيداً لأيام أفضل. لم تكن صيفاً أو خريفاً أو شتاء أو ربيعاً. كانت صيفاً يمهّد لخريف يمهّد لشتاء يمهّد لصيف. وتتوالى الحلقة.

كانَ في العاشرة من عمره حين سحب "سحبة" من دكان الحي، وقد اختبأت بين الأوراق الملفوفة فوق بعضها البعض طابة عليها وجه باسم. حين رأى فتاته، تذكر هذه اللحظة، وعرف أن الأمر لم يكن صدفة.

***

صارت تخافُ الناس. تنظرُ إليهم وتقول لنفسها إنها أحسنت الاختيار. كانت "سحباتها" موفّقة دائماً، أو هكذا ظنّت. لم تكن تعرف أن النتيجة تظهر في وقت لاحق. كأن الهدية لا تصل إلى صاحبها بمجرد فتحها. بعدها توقفت عن النظر إلى الصندوق، وصارت تفضّل ادّخار المال للاستمتاع بمذاق الشوكولاتة والسكاكر.

***

لا تؤمن بكلمات العرافات. مع ذلك تحب الاستماع إلى بعضهن.

تؤمن بطاقة قد تسري بينهما وتكشف بعضاً من ألغاز المستقبل. كتبت العرافة أرقاماً كثيرة. ملامحها بدت قاسية. لم تخبرها أموراً إيجابية أو سلبية، كلون البشرة الحنطي الذي تكرهه. ترى أن هذا اللون الواقع بين البياض والسمرة لا موقف له. ما زالت تذكر أمراً واحداً. أخبرتها أن "سحباتها" في الحياة ستكون مثل لون الحنطة...

في صغرنا، كنا نغارُ من صديقٍ حالفه الحظ وخبأت له "السحبة" هدية جميلة. كبرنا وما زلنا نغار من أصدقاء خبأت لهم الحياةُ هدايا جميلة. وقد يبقى كثيرون منّا يبحثون عن هدية لن يجدوها يوماً في "سحبة" أو "حياة".
دلالات
المساهمون