"سادو- مازوشية" الدّولة والمُواطن

15 أكتوبر 2014
+ الخط -

صرّح الرّئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، نهاية سبتمبر/أيلول الماضي، بعبارة صريحة جداً "إذا لم تسمعوا صرخات المواطن، فهذا يعني أننا لم نطبّق سياسة التّقشف. وبالتالي، أنتم ترون، وأنتم تسمعون".

استغربت من المقولة، وأعدت البحث في الجرائد الفرنسية، وقرأت تداعيات الخطاب وَأسبابه، ولاحظت تشابهاً طفيفاً معَ السياسة التي تعتمدها الحكومة المغربية، إلى أن وقع بين يدي قول رئيس الحكومة المغربية، عبد الإله بنكيران: "شدّوا الحزام.. إنه التقشّف!".

نحن، الآن، في سنة 2014، قانون المالية لسنة 2015 في فرنسا يطمح إلى توفير 700 مليون يورو عن طريق "عَصرنة الاستحقاقات العائلية" فقط!، وهذه جزء صغير من مشروع سنة 2015. بينما المغرب، في آن واحد، يقود مشروعاً مالياً مشابها لسنة 2015، لديه أهداف، منها توفير ميزانية لسدّ حاجة صناديق الدولة في السنوات المقبلة.

فلا فرق بين خطاب هولاند ورئيس الحكومة المغربية، الأول عبّر بصراحة عن سياسته التي يمكننا فهمها، أقول يمكننا فهمها، لأن فرنسا تتخذ، في كلّ الأحوال، إجراءات صارمة بخصوص الأموال التي تصرفها الحكومات المتعاقبة، وقال إن "سماع أصوات مقاومة الشعب معناه بداية نجاح السياسة الإقتصادية الجديدة". لكن، حين يأتي خطاب مشابه من حكومة المغرب، بعد أيام من طرحه على الساحة الفرنسية، فهذا، على الأقل، يطرح تساؤلات عديدة!

لا يوجد مبرر آخر لسياسة التقشف سوى أنها ضرورة حتمية، إن لم تُحقق، الآن، فسوف يتكبد الشعب خسائر باهظة في المسقبل. والطريف أن محللاً قال تعقيباً على مقولة بنكيران: "سياسة التقشف جاءت متأخرة. كان يجب أن تُطبق قبل أعوام".

كمواطنين، لا يهمنا سؤال "من الذي أفرغ صناديق الدولة؟"، هذا سؤال يجب أن تطرحه الأحزاب فيما بينها في لقاء ودّي، وليسَ لقاء مصارعة، وتجلس كل الجهات على طاولة شاي واحدة، وتناقش، بهدوء مُطلق، السؤال الكبير. المواطن لم يكن يوماً بيده تسيير صناديق الدولة، حتى نطالبه، الآن، بسدّ خصاصها!

أين كان المواطن حين كانت الصناديق مفتوحة لكلّ من هبّ ودبّ "من دون مراقبة"؟ أين كانت دعوات المواطنين والجهات الفاعلة، آنذاك، والتي حذّرت من تداعيات هذه "السّيبة" على مستوى تسيير الصناديق؟

عفواً. ولكن المواطن ليس هنا لحلّ مشكلاتكم الحزبية. إن كانت لدى الحكومة الحالية مشكلات مع الحكومات السابقة، أحدهم يتهم الآخر بأنه المسؤول عن فراغ الصندوق، فلماذا المواطن هو من يجب أن يدفع ثمن الصراع؟

يبدو أن صرخات المواطنين أصبحت "مقياساً حتمياً" لقياس مدى نجاح سياسة الدولة؛ ولا فرق بين هذا والسادية، كما لا فرق بين المازوشية وَما يقوم به المواطنون المغاربة الذين يصدّقون هذه الحلول الجديدة، والتي من غريب المصادفات أنها تظهر الآن.

ما أريد أن أصل إليه أن "التقشف" الذي يقولون إنه "الحلّ"، هو "حلّ المواطن مشكلات الحكومات الماضية"، وليس "حلا حكومياً"، ولذلك، يسهل على المواطن البسيط اعتقاد أن السياسة لأجل مصلحته. تعلّمنا النظريات العلمية الجديدة التي تدرس الأنظمة والفوضى أن كلّ ما يحدث، الآن، مرتبط بالماضي، وليس مستقلاً عنه أبداً. الحلّ الذي يتحدثون عنه هوَ حلّ لمشكلة غير حقيقية، هو حلّ خاطئ لمشكلة خاطئة.

تخيّلوا منزلاً تمّ تخريب أنابيب مياهه من الداخل، وحين يأتي شخصٌ ليصلح المشكلة، يقوم بإصلاح الشكل الخارجي، وينسى أن عليه البحث عن نقطة الخلل الرئيسية من الداخل. وسؤالي: هل تملك أجهزة الدولة الجرأة على فتح تحقيق دقيق حول الأخطاء التي ارتكبت أثناء تسيير ميزانية الدولة، طوال السنوات الماضية؟ أم أن كلّ حكومة ستخرّب الأنبوب، وتخرج لتأتي حكومة أخرى، لإصلاحه من الخارج، في حين أن المنزل يغرق؟

59873A7D-24D4-4B8D-A7BC-6509D21A6274
59873A7D-24D4-4B8D-A7BC-6509D21A6274
إيمان ملال (المغرب)
إيمان ملال (المغرب)