"زمن الفنّ الجميل"

04 يونيو 2014
Getty
+ الخط -

يكثر نواحنا على الزمن الجميل؟ ودائماً ما يكون التعبير إشارة إلى الماضي، والماضي البعيد تحديداً.
لماذا هذه التسمية حكر على الماضي؟ ولماذا تعطي الماضي صفة الجمال المطلقة؟

يكثر استخدام هذه العبارة مقرونة بالغناء والفنون. زمن الغناء الجميل، زمن الفنّ الجميل، زمن الطرب الجميل... بديهي أنّ مَن اخترعها هم كبار السنّ، أو مَن عاصروا ذلك الزمن، وأنهم إنما فعلوا ذلك لنفض القبح والوحشة عن ملابسهم وأرواحهم.

يتناسى المرتبطون زمنياً وعاطفياً بـ"الزمن الجميل" أنّه، كأيّ زمن آخر، لم يكن من دون شوائب وقبح وسخافة، وأنّ ذاكرتهم انتقت فقط الأشياء الجميلة، لأنّ الأشياء القبيحة وغير الأصيلة والطارئة تزول، تصفّي نفسها بنفسها.
من الصعب أن تحتفظ الذاكرة بما لم يلمس القلب، وما يلمس القلب غالباً ما يعيش عبر القلب نفسه، فلولا أنّ الناس يتداولون أغنيات بعينها لما صمدت إلى اليوم. اذاً، هؤلاء الناس صنعوا "الزمن الجميل" وحافظوا عليه ليكون ملاذهم حين يفقدون قدرتهم على التواصل مع الحاضر والعبور إلى المستقبل.

ليس للفنّ الجميل زمن على الأرجح. الجمال نسبي وليس مطلقاً. والفنّ الجميل يتنقّل بين الأزمنة، تزيد نسبته أو تقلّ وفق المناخ الذي يعيش فيه... لكن، في المقابل، ثمّة عوامل تقنية ترجّح التسليم بأنّ نجمات الماضي (مطربات وممثلات) كنّ أجمل من نجمات الحاضر، لأنهنّ كنّ يتمتّعن بجمال طبيعي، ولم تتوفّر في زمهنّ جراحات التجميل، كما أنّ تقنية التصوير بالأبيض والأسود ساعدتهن في إخفاء بعض العيوب الشكلية، تحديداً بثور الوجه وحجم الأنف. 

بعكس الكائنات الحيّة، ونحن في طليعتها، يصبح الماضي أجمل كلّما هرم. يصبح جميلاً لأننا صرنا أبشع، أو لأنّ جمالنا يبهت، لأننا ببساطة لا ننفكّ نشيخ.

وبالتالي نحن لا نحبّ الماضي لجماله هو فقط، بل لأنّنا نحبّ صورتنا فيه، حين كنّا أطفالاً ومراهقين، حين اختبرنا أوّل حبّ وأوّل قبلة وأوّل رحلة وأوّل قصيدة وأوّل أغنية... كنا أجمل لأنّ همومنا ومسؤولياتنا كانت أقلّ. كانت قلوبنا أخفّ.

ذلك الماضي الجميل الذي نفتقده هو ما أضعناه ذات يوم في صورة قديمة أو أغنية يخفت صوتها كلما احتجنا إليها.

دلالات
المساهمون