للوهلة الأولى، تبدو الفعالية عابرة في إطار الاحتفال بالعيد الوطني الخامس والأربعين لسلطنة عُمان، مع إشارة إلى أن "هذه الرحلة تقتفي أول عبور موثّق لصحراء الربع الخالي عام 1930، الذي قام به الشيخ صالح بن كلوت العماني برفقة أحد الرحالة البريطانيين"، بحسب المنظّمين.
البحث عن جماليات الصحراء وتوثيق المغامرة فيها خلال 49 يوماً، كان الهدف الأساسي من إنتاج العمل الذي يستند إلى كتاب ألّفه مارك إيفانز بعنوان "عبور الربع الخالي: السير على خطى برترام توماس"، وهي الإشارة الوحيدة إلى تضمنتّها الفعالية حول الرحلة الأولى قبل ثمانين عام والتي قام بها توماس (1893 - 1950)، عالم الإثنوغرافيا والموظّف في وزارة المستعمرات البريطانية، في إطار أبحاثه حول حياة البدو.
تبدو استعادة التاريخ هنا لغايات الاحتفاء بمنجز عُماني، رغم أن الحدث في الحالتين كان بتخطيط وإدارة أجنبية، سواء في المرّة الأولى أو في الثانية التي أراد خلالها صنّاع الفيلم تمثّل التحديات التي واجهها أسلافهم في رحلة انطلقت من ظفار في عُمان مروراً بالسعودية وانتهاءاً بالدوحة.
في البحث عن برترام توماس، نعثر على مجموعة كبيرة من الكتب والوثائق عن أحد أبرز المسؤولين في حكومات المنطقة إبّان فترة الاستعمار البريطاني، فهو ابتدأ حياته المهنية موظّفاً في الحكومة العراقية عام 1916، وانتقل بعدها إلى الأردن، بحسب ما تشير مذكراته التي صدرت ترجمتها عام 2002 ونقلها إلى العربية كامل الجبوري وعبد الهادي فنجان.
ونجد في الأرشيف الرقمي لـ "مكتبة قطر" على مراسلات بين عدد من المسؤولين البريطانين في الخليج وإيران والهند وإنكلترا تحتوي ملاحظات توماس حول حياة القبائل العربية وعلاقاتها في ما بينها وخلافاتها وطبيعة شخصية أفرادها، والتي تفرّغ لدراستها لعقود.
تدّرج صاحب "لهجة قبيلة الشحوح" في المناصب حيث شغل مسؤول الدعاية في الخليج، والمستشار المالي ووزيراً في الحكومة العُمانية في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي، وقد حاول مرّات عبور صحراء الربع الخالي قبل أن ينجح في ذلك عام 1931.
وخصّص لرحلته كتاباً يصف فيه عادات سكّان الربع الخالي، ويفصّل خلاله ملامح القبائل والسمات الشخصية للعربي، واللهجات، والعادات، والتقاليد والأنساب، وصانعي القهوة المميزين، وآداب الحديث، والبيئة وتضاريس المكان، وتُظهر كتاباته الثقة التي نالها عند مضيفيه، رغم أنه يصفهم أكثر من مرة بالكسل وعدم الإقبال على العمل.
أبحاث صاحب "العربية السعيدة" كانت جزءاً من المهامّ الوظيفية الموكلة إليه، لكنه امتلك اطلاعاً واسعاً ساعده على ترجمة بعضٍ من الأدب الشعبي العربي إلى الإنكليزية، فقد كان مهتمّاً بسيرة بني هلال، والمقامات الحريرية، كما أسّس في أواخر حياته مركزاً للدراسات في لبنان.
يُذكر أن فيلم "رحلة عبر الربع الخالي" سيُعرض رسمياً في العاصمة العُمانية اعتباراً من 18 من أيار/ مايو الجاري، كما تُخصّص عروض لطلبة المدارس في أيلول/ سبتمبر المقبل.