قالت منظمة هيومن رايتس ووتش، اليوم الاثنين، إن سجونا وأقسام شرطة عديدة في مصر شهدت تفشيا محتملا لفيروس كورونا في الأسابيع الأخيرة، وسط تعتيم رسمي صارم.
وأشارت روايات شهود للمنظمة ورسائل مسرّبة من سجنَين، وتقارير موثوقة لمجموعات حقوقية ووسائل إعلامية محلية إلى أنّ 14 سجينا ومحتجزا على الأقلّ لقوا حتفهم، على الأرجح بسبب مضاعفات ناجمة عن الإصابة بالفيروس في عشرة مراكز احتجاز حتى 15 يوليو/تموز 2020.
وعلى الرغم من أنّ عشرات السجناء والمحتجزين – على الأقل - ظهرت عليهم، أعراض خفيفة إلى شديدة لمرض كوفيد-19 الناتج عن الفيروس، كانت الرعاية الطبية في السجون غير كافية، مع غياب شبه كامل للفحص المخبري للفيروس والمسح الطبي للكشف عن الأعراض. أفرجت السلطات عن 13 ألف سجين منذ أواخر فبراير/شباط، لكنّ العدد غير كافٍ للحدّ من الاكتظاظ في السجون ومراكز الاحتجاز المكتظة، حسب المنظمة.
وتحدثت "هيومن رايتس ووتش" مع خمسة سجناء في ثلاثة سجون، وعشرة من أقرباء وأصدقاء ومعارف 11 سجينا آخرين في ستة سجون أخرى وفي قسم للشرطة. وأوضحت روايات الشهود والتقارير أنّ الاكتظاظ جعل التباعد الاجتماعي مستحيلا. وقال جميع الأشخاص الذين أُجريت معهم مقابلات إنّهم يعتمدون بالأساس على الأدوية والمعقّمات التي تدخلها عائلاتهم عندما يسمح لها مديرو السجن بذلك.
وقال جو ستورك، نائب مدير قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "ينبغي للسلطات المصرية أن تتّخذ خطوات فورية لتأمين الرعاية الطبية الملائمة للمحتجزين، والتدابير لاحتواء تفشي فيروس كورونا. من الضروريّ أن تعالج مصر انتشار الفيروس عبر الإسراع في الإفراج عن السجناء".
وأفادت "كوميتي فور جستس"، وهي منظمة حقوقية مقرّها جنيف، بأنّها وثّقت أكثر من 190 إصابة مشتبه بها بفيروس كورونا في 12 سجنا و29 مركز شرطة، بما في ذلك أكثر من 160 سجينا و30 موظفا وعنصر أمن في وزارة الداخلية. يشمل هؤلاء 14 حالة وفاة مشتبه بها بين السجناء في خمسة مراكز شرطة وخمسة سجون في أربع محافظات.
من بين السجناء الـ14، توفّي تسعة في المستشفى بعد نقلهم من مراكز الاحتجاز، إذ نُقل ثلاثة منهم قبل بضع ساعات من وفاتهم، على ما يبدو عندما ساءت حالتهم لدرجة أنّ التدخل الطبي لم يكُن ليجدي نفعا. كان ثمانية من بين السجناء الـ14 فوق سنّ الـ50.
وأوضحت المنظمة أنه "قلّما تحترم السلطات القوانين المحلية والدولية. لا يُسمح للمجموعات المستقلّة بالوصول إلى السجون المصرية، وتفتقد هذه الأخيرة منذ عقود لرقابة قضائية أو مستقلّة جادة. السجون مكتظة ومخالفة لقواعد النظافة الشخصية. منذ تولّي الرئيس عبد الفتاح السيسي الحكم فعليا في العام 2013، مات العشرات، إن لم يكن المئات على الأرجح، من السجناء في الاحتجاز، وجاءت وفاة الكثيرين منهم بعد تعذيب أو نقص الرعاية الطبية. لم يتمّ التحقيق في أي من حالات الوفاة هذه تقريبا بشكل مجدٍ.
وقال خبيران من الأمم المتحدة في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، قبل وباء كوفيد-19، إنّ ظروف الاحتجاز الجائرة "قد تعرّض صحة وحياة آلاف السجناء الإضافيين للخطر الشديد".
وأضافت المنظمة "الأطبّاء في السجون المصرية ليسوا مستقلّين مؤسسيا، فهم إما موظفون في وزارة الصحة أو أطبّاء في وزارة الداخلية مدرّبون في أكاديمية الشرطة ليصبحوا ضباط أطباء. في كلتا الحالتين لا تمنح القوانين المصرية استقلالية إكلينيكية كافية لأطبّاء السجون، لأنّ القانون يستوجب منهم الحصول على موافقة الضباط في قرارات عديدة".
كما أنه "نادرا ما تسمح سلطات السجون للعائلات أو المحامين بالحصول على تقارير طبية، يبدو أنّ القرارات المهمة، مثل تلك المتعلّقة بتأمين الحصول على الرعاية الطبية داخل أو خارج السجن، هي في يَد ضابط الأمن الوطني في كلّ سجن بشكل رئيسي، وهو بحكم الأمر الواقع صاحب سلطة تتجاوز سلطة مأمور السجن والضباط الآخرين، ولا تعود القرارات إلى أطبّاء السجن. أغلبية السجون في مصر لا تملك مرفقا طبيا مجهّزا بشكل كافٍ"، حسب المنظمة، لذا يصعب تقييم الأمراض الطبية للسجناء بشكل قطعي، بما في ذلك احتمال إصابتهم بفيروس كورونا.
وشاركت كوميتي فور جستس، مع هيومن رايتس ووتش، أسماء 14 سجينا ماتوا جرّاء ما يشتبه بإصابتهم بفيروس كورونا في خمسة أقسام للشرطة وخمسة سجون في محافظات القاهرة، والشرقية، والدقهلية، والغربية حتى 15 يوليو/تموز. توفّي اثنان في مايو/أيار والباقون في يونيو/حزيران وواحد في يوليو/تموز.
وأجرت هيومن رايتس ووتش مقابلة مع شخصين من معارف ثلاثة من هؤلاء السجناء. يبدو أنّ السلطات لم تجرِ تحقيقات مستقلّة في حالات الوفاة.
ظروف الاحتجاز الجائرة "قد تعرّض صحة وحياة آلاف السجناء الإضافيين للخطر الشديد
ومنذ بدء الحظر على زيارات السجون في 10 مارس/آذار، يُحتجز آلاف السجناء فعليا بمعزل عن العالم مع ندرة الاتصالات بالمحامين وأفراد الأسرة إن وجدت. تسمح قوانين السجون المصرية بالاتصالات الهاتفية والمكتوبة، لكن السلطات لا تمتثل للقانون في كثير من الأحيان.
أصبحت العزلة أكثر انتهاكا، حيث تمتنع السلطات بشكل متكرر عن نقل السجناء لجلسات تجديد احتجازهم أمام النيابة العامة والقضاة، مزيلة بذلك المراجعة القضائية الهزيلة المتبقية بشأن أوامر الحبس الاحتياطي. أثر ذلك بشدة على أُسر المحتجزين القلقين على سلامة أحبائهم. غالبا ما تمنع السلطات المحتجزين من تلقي الرسائل، أو الطعام، أو الأدوية من أقاربهم الذين يسافرون في كثير من الحالات لمسافات طويلة، ويقفون في مناطق انتظار غير محمية لساعات طويلة، فقط ليتم إعادتهم دون أخبار عن أحبائهم.
وراجعت هيومن رايتس ووتش، سجلات رسمية أظهرت أن السلطات أفرجت عن حوالي 13 ألف سجين مدان، في ثماني دفعات منذ أواخر فبراير/شباط بموجب ثلاثة مراسيم رئاسية تأمر وزارة الداخلية بإلغاء الجزء المتبقي من العقوبة لفئات معينة من السجناء. لم تشمل تلك الإفراجات أي من المدانين في قضايا ذات خلفية سياسية. كما لم تربط أي تصريحات رسمية بين تلك الإفراجات وبين جائحة فيروس كورونا. من بين الـ 13 ألف، هناك 3,175 سجينا من بينهم بعض المدانين بجرائم قتل وجرائم خطيرة أخرى، وردت أسماؤهم في مرسوم رئاسي في 22 مايو/أيار.
ونادرا ما تنشر الحكومات المصرية معلومات عن عدد نزلاء السجون. لكن بيان الأمم المتحدة الصادر في إبريل/نيسان قدّر أنه يصل إلى 114 ألف، وليس من الواضح ما إذا كان هذا التقدير يشمل المعتقلين في أقسام الشرطة. وفقا لأرقام شبه رسمية، تضم السجون 300 المائة وأقسام الشرطة 160 بالمائة زيادة عن سعتها.
وتعاني مراكز الاحتجاز والسجون المصرية من تكدسات مخيفة من المتهمين ، تتجاوز نسبتها في السجون160 في المائة، بينما تبلغ نسبة التكدس في أقسام الشرطة حوالي 300 بالمائة وفقًا لتقريرٌ صادر من المجلس القومي لحقوق الإنسان -مؤسسة حكومية مصرية- صادر عام 2015. بينما أشار تقريرٌ آخر صادر عن المبادرة المصرية للحقوق الشخصية في مارس/آذار 2016 إلى مستوياتٍ غير مسبوقة من التدهور في البنية التحتية للسجون وانعدام الرعاية الصحية، إذ قال التقرير: "يفتقر النزلاء إلى أبسط إمكانيات الحياة الصحية والنظافة الأساسية، في الوقت الذي يعانون فيه سوء معاملتهم هم وزائروهم وعدم السماح بإدخال الملابس والأغطية والأطعمة لهم من خارج السجن رغم عدم توفرها للسجناء -بالشكل الكافي- بالداخل. وتكاد الأوضاع في بعض الأحوال تقترب مما كان عليه الحال في القرون الوسطى.