انتظر هؤلاء المواطنون أن تنصفهم محكمة بلدهم العليا، فجاء القرار ليخيب آمالهم ويدخل لارس مالينغ (64 سنة)، واحد ممن شملهم القرار، في حالة غضب، مهدداً باللجوء إلى المحاكم الدولية ومتسائلاً: "بحق الجحيم كيف تقررون عني وتتدخلون في هذا الأمر؟". خلفيات هذا المنع تعتبر بالنسبة للحقوقيين "غريبة من نوعها". فلارس، وغيره من المجردين من حقهم، يعانون من إعاقات نفسية، ونتيجة لذلك اعتبرتهم المحكمة غير راشدين.
غضب لارس ونحو ألفي دنماركي من أن يعتبرهم بلدهم "غير راشدين"، بسبب "مشاكل نفسية"، وعلّلت المحكمة العليا قرارها بأنهم غير مؤهلين للتصويت واختيار مرشحيهم "لأنهم أصلاً غير قادرين على التحكم في أمورهم المالية، وبالتالي فإنهم عاجزون عن التمييز، ويحق للدولة منعهم من التصويت"، بحسب المحكمة العليا.
ولم ير قضاة المحكمة العليا في القرار الصادر تأييداً للدولة "أي خرق دستوري أو تعارض مع الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان أو الاتفاقية الدولية للمعاقين".
هذا الحكم لم يؤثر فقط على الأربعة الذين قاضوا حكومتهم، فقد انتظر محامون وحقوقيون حكم المحكمة العليا للقياس عليه من أجل حقوق محرومين آخرين من المشاركة في الحق الانتخابي. الغريب في حرمان ألفي مواطن من التصويت أنه "يسري فقط على الانتخابات البرلمانية وليس البلدية المحلية والبرلمان الأوروبي، بعد تغيير طرأ في 2016 على أحوال المرضى نفسياً".
وفي الدنمارك، مهما كان عمر البالغ حتى لو وصل الثمانين، يعتبر الشخص "غير راشد" طالما أن "شخصاً يساعده في تسيير أموره اليومية نتيجة وضع نفسي، وبالتالي إذا ما وجد شخص آخر يرعاه أو وصي مالي عليه فإنه غير راشد".
وفي العادة يمنع الدستور حرمان أي مواطن من حقه في المشاركة السياسية، خصوصاً في الانتخابات، فحتى السجناء والمرضى والعاجزون يتم تسهيل تصويتهم. فيما قضية المعاناة النفسية (أو الاضطراب العقلي) لألفي مواطن تُثير نوعاً من الجدل المجتمعي عن حدود "وصاية الدولة" على مواطنين يستعينون بأشخاص لتسيير وضعهم الاقتصادي.
وبالنسبة إلى شخص يبدو مدركاً لما يقوله مثل لارس مالينغ من أقصى شمال الدنمارك فإن "الأمر غير مفهوم، فمن المهم للمواطنين أن يحصلوا على حق وضع إشارة الضرب (التصويت لمرشح بوضع إكس) والمشاركة في تقرير مصير البلد، فلو كان لي كمواطن أن أشكو وضعاً معيناً فهو عبر الديمقراطية وباختيار ومعاقبة من أشاء بحقي في الانتخابات"، على حد تعبيره.
يعترف الرجل أيضاً بأنه منذ 1996 وهو يعاني من عجز في رعاية أوضاعه الاقتصادية وبحاجة لمن يسيرها له، لكن "سحب حقي في العناية الذاتية بوضعي المالي واعتبرت قانونياً غير مؤهل لهذه المهمة، اليوم أشعر بغضب وإحباط لأنني مهتم جداً بالسياسة وما يدور حولي، بالطبع لم تكن لدي مخططات لأصبح عضو برلمان، رغم أنني أتابع جلساته".
المركز الدنماركي لحقوق الإنسان يعتبر هذا الحرمان "خرقاً واضحاً لحقوق الإنسان". فيما اعتبرت الحقوقية المهتمة بالمساواة ماريا فينغوت أن هذا "القرار تعسّفي في اختيار من يُسمح ولا يسمح لهم بالتصويت، فهل يمكننا تخيل أن شخصين يعانيان نفسياً تقوم الدولة بالقول لأحدهما أنت تصوت وأنت لا؟ فهل في ذلك مساواة؟".
جدير بالذكر أن المادة 29 في الدستور الدنماركي تحرم المواطن حقه في التصويت "إذا أصبح عاجزاً وحرم من قدرة التصرف القانونية بوضع وصي عليه، لأنه لا يستطيع بنفسه التصرف في وضعه الاقتصادي، ولأجل حماية أصوله وعدم تعرض دخله لمخاطر أو استغلال اقتصادي من قبل الآخرين".