"دولة الأمنجية"

21 يناير 2015
+ الخط -

لا نقصد بدولة الأمنجية الوظيفة والامتيازات التي يتمتع بها رجل الأمن، وفق مواد الدستور ونصوص القانون، بل هي حق مُكتسب، ويتوجب أن يتمتع بهِ، بل نختص، في هذا المقال الحديث، حول واقع مُتخلف ينتشر بين مجمل خلجات المجتمع ومؤسسات الدولة، بحيث تجد شريحة اجتماعية كبيرة، أصبحت تحمل صفة أمنجي، منها بعض من يَعمَل بائعاً متجولاً مروراً بمتسول بين أزقة المساجد وعتباتها، حتى تصل إلى رئيس العزبة أو القرية أو البلدة، ومروراً بموظف يعمل في سلك مؤسسات الدولة المتعددة، بغض النظر عن تصنيفه ومستوى صلاحياته التنفيذية، وربما يعمل في سلك الدعوة والأوقاف أو التربية والتعليم أو الصحة والخدمات العامة، ولم تَسلَم من ذلك المرض المُسمى "أمنجي" مؤسسات القضاء والنيابات العامة، بل أصبح عديدون من رجال القضاء والإعلام دُمى متحركة، يعبث بها رجالات متنفذة لدى جهاز الدولة التنفيذي، ما أدى إلى عبث أصاب سلطات الدولة، وأسهم في تناحرها وتداخل صلاحياتها.
وعلى الرغم من أن الموطن يدرك بأن ذلك المرض مناف لأبسط حقوقه المدنية والإنسانية، إلا أنه يمارسه بالخضوع لذلك الابتزاز، والتعامل معه وكأنهُ عَمَل روُتيني يومي طبيعي، والخطورة أنه أصبح لهذه الممارسة انعكاسات واضحة، تؤثر سلباً على المجتمع والحريات العامة ومدارك الوعي والتفكير، وتطور الأمر إلى تولد شعور بالذل والبلادة وفقدان الضمير لدى غالبية أفراد المجتمع، ما أدى إلى تراجع معدلات النمو الاقتصادي، وتفاقم مشكلات البلاد الاجتماعية، وتراجع مُعدل الثقافة والمعرفة العامة.
تُمثل وظيفة الأمني مصدراً لتكسب بعضهم، وربما تتيح لهُ ترقية أو وظيفة أو قضاء مصلحة، ولكن في المحصلة النهائية، نجد أن نسبة كبيرة من العاملين في السلك الوظيفي "العمل العمومي" ما هُم إلا طابور من عديمي الانتماء والضمير، ولا يتمتعون بمقدار من احترام النفس، ما يؤدي إلى سوء إدارة مؤسسات الدولة، وعدم قدرة الدولة على أداء مهماتها ووظائفها الاعتيادية، لأن تلك الشريحة الأمنجية تنتقل لتعمل داخل مؤسسات الدولة، وهي تؤمن بالفكر المتردي نفسه.
ولكن، في أجواء الحرية والتعددية والتداول السلمي للسلطة، تنعدم هذه وظيفة الأمنجي، وتذهب مظاهر هذا المرض، وتنمو مكانها أجواء الثقة والصدق والأمانة والتعاون، ويتم إعادة الثقة في النسيج الاجتماعي، بعد ترميمه بشكل تدريجي وتلقائي. ولأن التجسس والوشاية ومجمل مهمات الأمنجي تنعدم الجدوى من وجودها، بسبب نمو قيم الحرية واستقرار مؤسسات الدولة السيادية، ولأن المواطن أصبح يشعر بأن هذه المؤسسات مُلك لهُ، وتحصل عليها واستعادها مُجدداً، وليست مُلك عصابة الأمنجية الصغار والقطط الكبار.

BE72FBDD-86B0-4A1B-8C54-D24FE17CFE05
BE72FBDD-86B0-4A1B-8C54-D24FE17CFE05
ممدوح بري (فلسطين)
ممدوح بري (فلسطين)