وشهد فجر الخميس معارك عنيفة وقصفاً متبادلاً بالهاون على امتداد شارع الكورنيش، وأحياء الضباط والوزراء والفيصلية والأندلس والغابات، وأطراف منطقة الكنيسة القديمة، استمرت لخمس ساعات، قبل أن ينسحب عناصر التنظيم إلى جهات مجهولة. وأسفرت المعارك، وفقاً لضباط ومصادر عسكرية تحدثت لـ"العربي الجديد"، عن مقتل 11 جندياً من الجيش وجهاز مكافحة الإرهاب وجرح أكثر من 20، ليرتفع مجموع من قتل من القوات العراقية المشتركة منذ إعلان العبادي تحرير الساحل الشرقي، الثلاثاء الماضي، إلى 24 جندياً، وجرح نحو 40 آخرين. وما يزيد من صعوبة فرض السيطرة الكاملة على الساحل الشرقي هي صواريخ الكاتيوشا التي يطلقها "داعش" من الضفة الثانية للنهر، وهو ما أدى فعلاً إلى تأجيل خطط إعادة السكان إلى مناطق وأحياء قريبة من نهر دجلة.
وقال العقيد في قوات مكافحة الإرهاب، مرتضى التميمي، لـ"العربي الجديد"، إن "الهجمات الجديدة أعادت مستوى التأهب الأمني إلى المستوى الأحمر، ومنعت أي مظاهر استرخاء بين القوات"، مبيناً أن القوات بدأت عملية تطهير لمناطق سبق أن تم تطهيرها، ويرجح أنها تأوي عناصر من تنظيم "داعش". وأضاف التميمي أن "طيران التحالف الدولي استمر بقصف المناطق المجاورة لنهر دجلة، ووجه عدداً من الضربات الجوية إلى مناطق المشيرفة وحاوي الكنيسة والشفاء والموصل القديمة، التي اتخذ منها تنظيم داعش منطلقاً لمهاجمة القوات العراقية المتواجدة على الضفة الشرقية لنهر دجلة". إلى ذلك، أكد مصدر محلي في مدينة الموصل، لـ"العربي الجديد"، أن "طيران التحالف نفذ ضربات جوية طوال الليلة الماضية استهدف فيها الشريط المحاذي لنهر دجلة في الجانب الأيمن لمدينة الموصل، ودمر عشرات البنايات والمنازل الواقعة في مناطق حاوي الكنيسة والكورنيش والجوسق"، مؤكداً "سقوط عدد من القتلى والجرحى في صفوف عناصر تنظيم داعش، بالإضافة إلى مقتل مدنيين".
وشهدت المعركة انتشاراً واسعاً للقوات العراقية فوق أسطح البنايات والمنازل المطلة على نهر دجلة، لرصد حركة عناصر تنظيم "داعش" في الجانب الغربي من المدينة. واتخذ جنود من قوات مكافحة الإرهاب والجيش العراقي والشرطة الاتحادية مواقع فوق عدد من المنازل، ونصبوا عدداً من الرشاشات الثقيلة وصواريخ "التاو" الموجهة لتدمير قوارب خشبية تابعة للتنظيم كانت تحاول عبور نهر دجلة. أما على الضفة الأخرى، التي يسيطر "داعش" عليها، فقد كشفت مصادر عسكرية، لـ"العربي الجديد"، أن "تنظيم داعش قام بإخلاء الدور المطلة على نهر دجلة في الجانب الأيمن، كما قام بإنشاء خطوط صد، ونشر قناصة فوق أسطح المنازل القريبة من نهر دجلة". وأضافت أن "تنظيم داعش قام برفع سواتر ترابية على طول مناطق الكورنيش والموصل القديمة المجاورة لنهر دجلة، بالإضافة إلى قيام عناصره بتفخيخ الطرقات المؤدية إلى النهر". وشهد الجانب الغربي لمدينة الموصل نزوح مئات العوائل من المناطق القريبة من نهر دجلة، بعد تعرض مناطقهم لقصف عنيف نفذته طائرات التحالف الدولي. وأعلنت مصادر طبية في مدينة الموصل مقتل وجرح عدد من السكان بعد سقوط قذائف هاون أطلقها عناصر "داعش" باتجاه المناطق التي سيطرت عليها القوات العراقية شرق الموصل. وقال طبيب يعمل في مركز إسعاف ميداني، لـ"العربي الجديد"، إن "أربعة أشخاص من عائلة واحدة قتلوا، وجرح آخرون، بعد تعرض منزلهم الواقع في حي الارامل لسقوط قذائف هاون أطلقها عناصر داعش من مناطق غرب الموصل". وأفاد مصدر طبي آخر عن "مقتل رجلين وجرح آخرين، بينهم نساء وأطفال، بانفجار عبوة ناسفة كان زرعها تنظيم داعش في حي التأميم، شرق الموصل".
أرقام لا تبشر بغداد بالخير
وتثير الأرقام والتقارير العسكرية الميدانية لمجمل نتائج معارك ساحل الموصل الشرقي "الفزع"، لدى أجهزة الاستخبارات المحلية والدولية على حد سواء. وأشار ضابط رفيع المستوى في وزارة الدفاع العراقية إلى أن الأرقام "لا تبشر بالخير" على المدى القريب، موضحاً أن عدد الجثث التي تم جمعها لمقاتلي "داعش" لا يتجاوز الـ400 جثة في مختلف أحياء الساحل الشرقي البالغة 56 حياً سكنياً، يضاف إليها، بتقديرات غير دقيقة، مقتل ما يماثل هذا العدد ودفنهم، بينما تبخر نحو 4 آلاف مقاتل لا يعرف أين ذهبوا وكيف انسحبوا، رغم تدمير التحالف الدولي جسور الموصل الخمسة، وقطع المدينة عن العالم الخارجي بشكل شبه تام. هذا السيناريو الذي يتكرر مع كل مدينة تدخلها القوات العراقية، مدعومة بالتحالف الدولي، يجعل فرصة الفرحة بالنصر منقوصة إلى حد كبير، وفقاً لما تؤكده مصادر عراقية تحدثت لـ"العربي الجديد"، عما وصفته "بتبخر مقاتلي التنظيم المحليين، إذ إن غالبية الجثث التي عثر عليها كانت تعود إلى مقاتلين أجانب من جنسيات آسيوية وعربية مختلفة، أبرزها شيشانيون وطاجيك ومن دول جنوب وجنوب شرق آسيا، فضلاً عن جنسيات من المغرب العربي على وجه التحديد، قضى غالبيتهم في القصف الجوي أو بعمليات انتحارية.
وتؤكد تقارير صدرت في بغداد صباح الخميس، أن غالبية أفراد التنظيم انسحبوا بعد توصلهم إلى قناعة بعدم جدوى المقاومة مع وجود الطيران الأميركي، الذي استخدم سياسة الأرض المحروقة، تاركين خلفهم من لا يمكنه الخروج والتنقل بسبب شكله أو لهجته غير العراقية، وهم في الغالب من كتيبة الانغماسيين وكتيبة أخرى للعمليات الانتحارية. وتحدث ضابط عراقي رفيع المستوى، لـ"العربي الجديد"، عما وصفه "بانصهار عناصر داعش العراقيين بين السكان بعد حلق لحاهم، وخروجهم من المدينة، وحالياً لا يعرف أين مكانهم"، مبيناً أن "العثور على ألفين أو ثلاثة آلاف مقاتل بين نصف مليون مدني أمر غاية في الصعوبة"، لافتاً إلى أن "الجهد الاستخباري يعمل على تحديد أسمائهم أو أشكالهم، لكن السكان في الغالب غير متعاونين، فالخوف من داعش ما زال يسكن قلوبهم، بل يرعبهم". وقال عضو مجلس حكومة الموصل المحلية، محمد سالم الحمداني، لـ"العربي الجديد"، إن "موضوع تسرب أفراد ومقاتلي التنظيم يجعل من مسألة القضاء على داعش صعبة للغاية"، موضحاً أن "الجميع اتفق على عدم طردهم من الموصل بل القضاء عليهم، لكن ما جرى الآن هو تحرير المدينة بعد انسحاب المحتلين، ولا نعرف متى يعاودون الهجوم".