يبدو أنّ "العراق والشام"، لن يكونا مساحة نشاط تنظيم "الدولة الإسلامية" المتطرف في المرحلة المقبلة، وفق ما تؤشّر إليه المعطيات الجديدة لعمليات التنظيم بعد ستة أشهر من بدء غارات التحالف الدولي. وتبدو مشاريع التنظيم مستمرة من دون توقف، وبشكل يستفز العالم أكثر من أي تنظيم آخر شهدته المنطقة، من خلال مواصلته عمليات النحر والذبح والحرق، وأخيراً وليس آخراً، أسلوب دفن الضحايا تحت الأرض وهم على قيد الحياة مع بضعة عقارب وحشرات سامة، كما حصل في الموصل قبل أيام.
ولن يتأخّر التنظيم، وفق ما يبدو واضحاً، في توسيع مشروعه بشكل أكبر وأكثر خطورة من مشروعه الحالي، عبر إعلانه عن مشروع "دولة خلافة" تمتد على عموم الدول الإسلامية، من العراق وسورية، مروراً بمصر وليبيا، وصولاً إلى اليمن ودول أخرى مرشّحة للانضمام إلى هذا المشروع، مع بدء خلايا نائمة فيها، صغيرة وكبيرة، بالتحرّك. ومن شأن ذلك أن يُحدث جلبة إعلامية وإرباكاً أمنياً في الدول التي سيوسّع التنظيم نشاطه إليها قريباً.
وفي سياق متصل، يتحدّث وزير عراقي رفيع، يشغل حقيبة سياديّة في حكومة حيدر العبادي، لـ "العربي الجديد"، عن "لمس مؤشرات كثيرة، من خلال معلومات استخبارية تمت مقاطعتها على الأرض مع مصادر من داخل تنظيم داعش، تؤكّد أنّ زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي، بصدد توسيع مشروعه لإقامة ما يسميه "الخلافة الإسلامية" في دول أخرى في المنطقة، وستكون الدول الهشّة أو تلك التي شهدت تغييرات سياسية عقب ما يعرف بالربيع العربي الهدف الأول له".
ويقول المصدر ذاته إنّ "الموصل والرقة باتتا مدرستين لتخريج الخلايا وإرسالهم إلى دول أخرى، تبدأ فيها عملية الكسب والتجنيد ومن ثم الإعلان وتنفيذ الهجمات". ويكشف أنّ "الأميركيين أبلغونا أن التنظيم لا يكترث بانسحابه من بلدة هنا أو قرية هناك، أو حتى تحقيق الجيش العراقي انتصاراً وقتياً بقتل قادة ومقاتلين في التنظيم، لأنّ مشروعه أبعد من ذلك بكثير، ولديهم متسع من الوقت لتنفيذ خطوات مشروعهم".
ويوضح المصدر أنّ "الأميركيين يدركون ذلك، ولهذا يستهدفون مواقع منتقاة بعناية ويبحثون عن رؤوس "داعش"؛ أي البغدادي وعشرة قادة آخرين، ثلاثة منهم عراقيون وسوري وتونسيان ومصري وسعودي وأردني وأفغاني، وذلك رداً على أصوات حكومية عراقية تعلن استياءها من أداء التحالف، وعدم تقديم الغارات الجوية دعماً للقوات العراقية في عمليات اقتحام المدن أو الدفاع عنها"، على حدّ تعبيره.
ويصنّف المستشار الأمني السابق للحاكم الأميركي المدني في العراق (بول بريمر)، صباح الجاف تنظيم "داعش"، على أنّه "أخطر الحركات المتطرّفة التي مرّت على المنطقة العربية والإسلامية خلال عقود طويلة، بل يجب ألا يقارن بأي تنظيم آخر". ويقول الجاف لـ "العربي الجديد"، إنّ "تنظيم داعش الأكثر ذكاءً ونفوذاً وقوة وتخطيطاً، وقد وُلد في بيئة عراقية سورية بحتة، من غير مخاض عسير، بسبب الكمّ الهائل من الظلم والاضطهاد والتمييز من نظامي الدولتين تجاه طائفة دون غيرها، وتزامن مع هواجس الخوف من إيران، ومحاولات ابتلاع المنطقة، وتغاضي الغرب عن ذلك، في ظلّ وفرة كبيرة في السلاح والمعدات والرجال المهيئين لفكرة الانتقام التي تدرّجت وتطوّرت إلى الوضع الحالي".
ويعرب الجاف عن اعتقاده بأنّه "لتلك البيئة نُسخ مشابهة في دول أخرى، يحصل فيها اضطهاد وإقصاء لفئات دون أخرى، أو تشهد ارتباكاً أمنياً، على غرار ليبيا ومصر واليمن ودول أخرى مرشّحة للسير على الطريق ذاته"، من دون أن يستبعد "ولادة داعش في مناطق أخرى، وبالفعل يخطط البغدادي لذلك، وبدأ بالفعل بخطوات لتحقيق مشروعه".
ويتوقّع أن يكسب البغدادي الكثير خلال خطواته المقبلة، والتي يشير الجاف إلى أنّها "تبدو تحصيل حاصل أو مسألة وقت فقط، إذ ستُفتح جبهات عدة في المنطقة، لتخفيف الضغط العسكري والإعلامي عن الجبهة السورية والعراقية، وبما يحقق له انتصارات قد تغطي على أي هزائم مستقبلية في البلدين الجارين المضطربين".
من جهته، يقول الخبير في شؤون الجماعات المسلّحة العراقيّة، الدكتور سعيد خيري القيسي لـ "العربي الجديد"، إنّ "تنظيم داعش لن ينتظر فترة أطول في العراق وسورية حتى القضاء عليه بالغارات الجوية ضمن جدول زمني أعلنت عنه الولايات المتحدة مسبقاً، ويكون كالمدان بالإعدام الذي يقبع في سجن ينتظر حكم إعدامه". ويضيف: "التنظيم يرى أيضاً أنّه بات في منتصف الطريق، لذلك لا نتوقع منه أن يتراجع ويتلاشى، كما أنّه من الغباء عدم توقّع خروجه من الإطار العراقي والسوري إلى فضاء أوسع".
ويعرب القيسي عن اعتقاده بأنّ "العالم أمام تجربة جديدة من الحروب المفتوحة، لم تتطرق إليها كلّ الأكاديميات العسكريّة ولا الدراسات الأمنيّة ولا يمكن لشخص أن يدعي أنه خبير في هذا الملف، لأنّ الملف جديد من نوعه، وهو تحدٍ خطير وجديد، يجب أن نتوقّع له سيناريوهات كثيرة ومفتوحة في عموم المنطقة".
ويمكن التنبؤ، انطلاقاً من المعطيات المتوفّرة، بتطورات أمنية وعسكرية كبيرة في المنطقة العربية، لن تقتصر تداعياتها، بحسب مراقبين، على محور العراق والشام بل ستتوسّع إلى دول أخرى، مجاورة أو بعيدة، مثل مصر وليبيا واليمن أو حتى دول المغرب العربي، وهو ما يوجب على تلك الدول البدء باتخاذ إجراءات وقائيّة سريعة لتكون بمثابة "الطعم ضدّ الوباء". وبات تنظيم "داعش" من خلال جرائمه، غطاءً مناسباً لكلّ الدول التي تمتلك مشاريع وأجندات للتدخل وبشكل مريح في المنطقة، كما هو غطاء مناسب للتستّر على فشل بعض الأنظمة. كما بات التنظيم أداة تغيير جغرافي وديموغرافي، وأهم من ذلك كله، وسيلة لارتكاب آلاف الجرائم الطائفيّة من المليشيات الموالية لإيران ضدّ العرب السنّة، كما يحصل في العراق وسورية الآن.