"داعش" في العراق: اعتداءات إرهابية تؤكد استمرار خطره على أمن البلاد

24 سبتمبر 2018
تواصل عمليات تطهير مناطق وجود "داعش" (وود آندرسنون/فرانس برس)
+ الخط -

رغم العمليات العسكرية التي خاضتها القوات العراقية ضد "داعش"، والتي دامت لأكثر من ثلاثة أعوام، انتهت بتحرير الموصل، مركز التنظيم وعاصمة "خلافته"، إلا أنها لم تتمكن حتى الآن من القضاء على بقاياه، فما يزال خطر التنظيم يلاحق المدنيين.

وفي السياق، تواصل القوات العراقية، بمساندة فصائل من "الحشد الشعبي"، لليوم الثالث على التوالي، إعادة تطهير تلال وصحاري مدن العراق الشمالية والغربية من بقايا تنظيم "داعش"، في عملية أمنية أطلقتها لغرض ملاحقة "الإرهابيين الناجين" من "معارك التحرير" الأخيرة، بواسطة طائرات حربية في مناطق الشرقاط، التابعة لصلاح الدين، وأطراف ديالى، وبساتين في تكريت، بالإضافة إلى صحراء نينوى مع الأنبار، المرتبطة بالحدود مع سورية.

وقالت مصادر عراقية، لـ"العربي الجديد"، إن "الحملة العسكرية هذه ليست الأخيرة للقضاء على عناصر "داعش"، المتنكرين في أزياء وصفات مختلفة بغية التنقل من مكان إلى آخر".

ورغم سلسلة العمليات التي استهدفت التنظيم في السنوات الأخيرة، يبدو أن القوات العراقية لم تتمكن، حتى الآن، من القضاء على خلاياه، إذ لا يزال خطر التنظيم يلاحق الأمنيين والمدنيين، لا سيما في الطرق السريعة الرابطة بين محافظات البلاد. 

وشهد الطريق بين كركوك وأربيل سلسلة عمليات قتل واسعة نفّذها عناصر "داعش"، خلال الأشهر الثلاثة الماضية، كان خلالها يلعب دور قطّاع الطرق أو التنكر بزي عسكري، وإقامة نقاط تفتيش وهمية يوقف فيها السيارات المارة، ويقتل على الهوية بالعادة.

ويؤكد سياسيون أن واحدا من أسباب تراجع شعبية رئيس الحكومة الحالي، حيدر العبادي، بعد أن تصدّر المشهد السياسي باعتباره قائد القوات المسلحة، هو الانهيار الأمني الذي وقع في كركوك ومناطقها، مثل الحويجة، وسلسلة المجازر التي نفّذها التنظيم الإرهابي عقب إعلان تلك المناطق "مُحررة من الإرهاب".

وعبر سلسلة بيانات رسمية، أصدرتها وحدة طيران الجيش العراقي، فإن الطائرات الحربية تمكنت، خلال الأيام الثلاثة الماضية، من القضاء على مجموعات متفرقة من عناصر تنظيم "داعش"، بالقرب من نهر دجلة في قضاء الشرقاط، بالإضافة إلى السيطرة على أسلحة خفيفة في أحياء ديالى وبساتين تكريت، واستمرار ملاحقة الإرهابيين في الصحاري والأدغال في مناطق غربي البلاد.



وفي السياق، أوضح عضو المجلس المحلي في مدينة الموصل، حسام العبار، أن "الأحياء الجنوبية لمحافظة نينوى لا تزال في وضع أمني مرتبك، لا سيما المناطق الرابطة بين المحافظة وصلاح الدين، وهي الشرقاط والتلال المحيطة بها، والجزيرة التي تعد مركزاً لإيواء فلول "داعش"، وغالبيتهم من الجرحى والمقعدين بعد إصابات بليغة لحقت بهم"، مبيناً، لـ"العربي الجديد"، أن "المجالس المحلية طالبت مراراً الحكومة الاتحادية بضرورة الاستمرار في شن حملات عسكرية متواصلة لضرب أوكار التنظيم في هذه المناطق".

وأشار العبار إلى أن "منطقة البعاج غرب الموصل، القريبة من الحدود السورية، لا تزال تضم الكثير من الجيوب التي يحتمي فيها الإرهابيون، ونظراً لمساحتها الكبيرة، فهي بحاجة إلى المزيد من العمليات العسكرية والمتابعة الأمنية"، لافتاً إلى أن "التنظيم الإرهابي لم يعد قادراً على رفع رايته في تلك المناطق، ويتخفى الإرهابيون في أزياء رعاة الغنم، ويتنقلون عبر أماكن محددة، ومع هذا فليس من السهل تصفيتهم، لأن المناطق هناك واسعة جداً". 

وتحدّث عن "طلعات جوية حربية مستمرة من قبل سلاح الجو العراقي، بالإضافة إلى الجهود العسكرية وتعاون الناس مع القوات عبر الإفادات المتعلقة بأماكن تواجد الإرهابيين".

وأضاف أن "الوضع الأمني مستقر حالياً في الموصل، وهذه الجيوب التي تضم الإرهابيين لن تؤثر على الأمن في نينوى، لأن عناصر التنظيم لا يستطيعون التجول في المناطق كافة، إنما في أحياء محددة فقط، وسيجدون صعوبة في صناعة قنابل أو سيارات ملغومة، ودفعها نحو المناطق الآمنة، لقلة التمويل لديهم أولاً، والتشديد الأمني في أطراف المدن ثانياً".

وفي كركوك، قال ضابط في الجيش العراقي، لـ"العربي الجديد"، إن "أغلب عناصر "داعش" يتخذون مناطق جنوب وغرب قضاء الحويجة ملاذاً لهم، على اعتبار أن هذه المناطق ذات تضاريس جغرافية صعبة، تتمثل في جبال حمرين ومكحول والأودية المحاذية لهذه الجبال، وكذلك نهر دجلة والجزر الواقعة في وسطه، التي تمتاز بالأشجار الكثيفة التي تجعل رؤية ما بداخلها منعدمة، وأيضاً الأراضي الزراعية الشاسعة الواقعة على أطراف القضاء، وتضم بساتين كبيرة". 

وأوضح أن "وادي زغيتون، الواقع بين ناحيتي الرياض والرشاد في الحويجة، والقريب جداً من طريق كركوك – صلاح الدين، يعد من أكثر مواقع "داعش" خطورة، حيث استغله التنظيم لنصب الكمائن للقوات الأمنية والحشد الشعبي والمدنيين، في أكثر من مرة".

وتابع الضابط ذاته أن "إرهابيي "داعش" يستغلون فترات الليل للخروج من أوكارهم لتصفية المدنيين وعناصر الحشد العشائري، عبر اقتحام منازلهم، وغالباً ما ينفّذون عملياتهم متنكرين بالزي العسكري، مما يصعب على القوات الأمنية والمدنيين التعرف عليهم".

وفي مدينة صلاح الدين، أكد المسؤول المحلي، عبد الله الجبارة، أن قيادة تنظيم "داعش" تعمل بين الحين والآخر على إعادة صفوفه وتوحيدها، لشن هجمات على المنشآت العسكرية والخدمية. 

وذكر المسؤول ذاته، لـ"العربي الجديد"، أن "الحكومة العراقية لا تزال تتجاهل رسائلنا عن وجود نية حقيقية للإرهابيين بشن سلسلة عمليات إرهابية، مع ضعف الأداء الأمني في المناطق المحيطة بجبال مكحول وحمرين".

وأضاف أن "التنظيم يقيم، بين حين وآخر، نقاط تفتيش وهمية على الطرق السريعة في ديالى وصلاح الدين وكركوك، للقضاء على المنتسبين للقوات الأمنية والحشد الشعبي".

أما في الأنبار، فالصحراء الغربية المحاذية للحدود العراقية السورية "تحتاج إلى أكثر من خمس سنوات لتطهيرها من تواجد عناصر التنظيم"، بحسب قول الجبارة.

وبحسب القيادي في حشد العشائر في الأنبار، طارق العسل، فإن "صحراء الأنبار كبيرة وتحتوي على وديان، وحتى الآن القوات العراقية لا تعلم بالضبط أماكن وجود الإرهابيين، لكن المعلومات تؤكد انتشارهم في الصحراء واستقرارهم فيها"، مبيناً، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "قطعات من الجيش والحشد العشائري تخرج باستمرار وتجوب الصحاري بحثاً عنهم، ولكنهم تمكنوا، خلال السنوات الماضية، من صناعة العديد من الأنفاق للاختباء داخلها".

وأضاف العسل أن "الكثير من عناصر التنظيم هم من السكان المحليين للأنبار، وبالتالي فأهل مكة أدرى بشعابها، وهم يدخلون إلى الأحياء السكنية والمدن بأزياء شرطة ورعاة أغنام وصيادين عبر منافذ يعرفونها، ويتزودون بالطعام والشراب، ويعودون إلى الصحراء"، مشيراً إلى أنه "من خلال التجربة السابقة لتطهير الصحراء من التنظيمات الإرهابية عقب 2003، فإن تنظيف الصحراء من "داعش" يحتاج إلى أكثر من خمس سنوات، لا سيما وأن الآليات والمعدات المتواجدة لدى القوات العراقية الحالية ضعيفة ومحدودة، بالإضافة إلى دخول الآراء السياسية على خط العمل الأمني". 

من جانبه، بيَّن عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي السابق، إسكندر وتوت، أن "تنظيم "داعش" لا يسيطر على أي جزء من العراق بمعنى التمكين والسيطرة، وإنما يتواجد على الأرض، في التلال والصحاري والبوادي، وبالتالي لا يمكن أن نقول إن "داعش" يسيطر على شيء مهم في العراق".

وشدد وتوت، في حديث مع "العربي الجديد"، على أن "القوات الأمنية تعاملت بجد مع عمليات التحرير، لكنها كانت تقاتل في ظل غياب المعلومات المحلية الاستخباراتية، فضلاً عن أن غالبية القوات التي شاركت في المعارك بالمناطق الغربية والشمالية من البلاد كانت من خارج المحافظات المحتلة، وبالتالي أهملت بعض الجيوب التي تضم العناصر الإرهابية".

وأعلنت القوات العراقية، بعد آخر معاركها على التنظيم الإرهابي، في العاشر من يوليو/تموز 2017، استعادة السيطرة على مدينة الموصل، بعد تسعة أشهر من المعارك الدامية بدأت في شرق المدينة، وصولا إلى غربها، حيث دارت حرب ضروس أدت إلى دمار كبير، خصوصاً في المدينة القديمة.

المساهمون