لم يغفل الملك، خلال اللقاء الذي ختم فيه زيارة العمل التي امتدت خمسة أيام، تسويق القيادة المصرية في واشنطن، وهو الذي طار في زيارة خاطفة إلى القاهرة، التقى خلالها حليفه المصري، عبد الفتاح السيسي، قبل يوم من توجهه إلى واشنطن.
وظهر ذلك جلياً عبر حثّ الملك، خلال لقائه قيادات مجلس الشيوخ والنواب في الكونغرس، على دعم مصر لـ"تمكينها من مكافحة الإرهاب في شبه جزيرة سيناء والقيام بدورها المحوري والأساسي في المنطقة"، وهو ما كرره على مسامع ممثلي أبرز مؤسسات الفكر والرأي في العاصمة الأميركية.
إعادة ترتيب أولويات العلاقة، سهّلت على العاهل الأردني انتزاع جملة من المنافع الاقتصادية، تمثلت في إعلان الرئيس الأميركي عن رفع المساعدات الأميركية للأردن خلال السنوات الثلاث المقبلة إلى مليار دولار سنوياً، إضافة إلى تقديم بلاده حزمة ثالثة من ضمانات القروض للحليف الذي يعاني أزمة اقتصادية خانقة.
وما قدمه أوباما يمثّل دعماً سخياً، مقارنة بالدعم المقدم للمملكة خلال العام الماضي، والذي بلغ 560 مليون دولار، توزعت بين 360 مليوناً مساعدات اعتيادية، و200 مليون مساعدات إضافية. وهو الأمر الذي أسعد الملك، موجّهاً شكره للإدارة الأميركية. الإعلان عن الدعم الأميركي، جاء بعد يوم واحد من إعلان المملكة عن حاجتها لـ2.87 مليار دولار لتلبية احتياجات اللاجئين السوريّين في الأردن، ضمن خطة الاستجابة للأزمة السورية.
في السياق، أفاد مصدر حكومي أردني، لـ"العربي الجديد"، أن "بلاده تعمّدت إطلاق خطة الاستجابة للأزمة السورية، بالتزامن مع زيارة الملك إلى الولايات المتحدة، حتى تكون سلاحاً بيده، من أجل تحصيل المزيد من المساعدات، من خلال وضع الإدارة الأميركية، وبالأرقام، في جوّ الواقع الاقتصادي الذي فرضته أزمة اللجوء السوري على موازنة الدولة المنهكة، وعلى البنية التحتية المتردية".
ويضيف المصدر أن "خطة الاستجابة كانت جاهزة منذ وقت، في انتظار الإعلان عنها في اللحظة المناسبة"، وهي اللحظة التي سبقت لقاء عبد الله الثاني وأوباما، وظهرت في تصريحات الملك، التي أعقبت اللقاء، في إسهابه بالحديث عن واقع اللجوء السوري على بلاده، معدداً الآثار التي تركتها استضافة قرابة مليون ونصف المليون لاجئ، ما يُشكّل نسبة 20 في المئة من السكان.
"لم يكن اللجوء هو حافز الدعم السخي، بل إن الملف الأمني الذي يضطلع به الأردن، من خلال مشاركته في الحرب على داعش، ساهم في تحفيزه"، حسب ما أفاد المصدر، فمشاركة المملكة في الحرب، تفرض تحدّيات أمنية وعسكرية تنعكس أكلافاً اقتصادية هائلة لا قدرة للبلاد على تحمّلها.
علماً أن الحرب على "داعش"، كانت محل غزل متبادل بين الملك والرئيس الأميركي، فالملك الأردني المتحمس للحرب على التنظيم وتوسيع قاعدة الدول الإسلامية المشاركة في التحالف الدولي، عبّر عن قناعته التامة بأن "المسلمين هم أكثر المعنيين بهذه الحرب"، وتعّهد بمواصلة "خوضها جنباً إلى جنب مع القوات الأميركية"، ليقابله أوباما بغزل متبادل، حين عبّر عن اعتزازه بمشاركة الأردن في التحالف، ودوره في إقناع دول العالم الإسلامي بمحاربة "داعش".
وعلى الرغم من الغزل والحماسة المتبادلين، غير أن الجانبين لم يخفيا تسليمهما بصعوبة المهمة، التي أقرّ الرئيس الأميركي بأن "عملية إنجازها تسير ببطء، لكن بثبات". ولم يحمل ما رشح عن اللقاء تغييراً في الاستراتيجية المعلنة للحرب على التنظيم، والتي تقوم على مواصلة الطلعات الجوية، مع تقديم الدعم للقوات العراقية والمعارضة المعتدلة في سورية، من دون القيام بأي تدخّل بري من قبل دول التحالف، حتى الآن.
وكان عدد من المسؤولين الأمنيين والسياسيين الأردنيين قد أكدوا في وقت سابق عدم مشاركة جيش بلادهم في حرب برية على التنظيم داخل سورية أو العراق، وكان آخر تلك التصريحات، ما جاء على لسان وزير الداخلية، حسن المجالي، منتصف الشهر الماضي، مع العلم أن الأردن أبدى استعداده لتدريب القوات العراقية على مواجهة "داعش"، من خلال مركز التدريب العسكري في الأردن، واستثمار علاقاتها مع المعارضة السورية المعتدلة للهدف ذاته.
الزيارة الملكية، وقمة الملك ـ أوباما، الأمنية الاقتصادية، تطرقت بـ"خجل" للملف السياسي الأكثر أهمية في السياسة الخارجية الأردنية، وهو الملف الفلسطيني، حين أعاد الأردن التأكيد على ضرورة الوصول إلى حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية يكفل إقامة الدولة الفلسطينية، وعاصمتها القدس الشرقية، "حتى لا تبقى القضية الفلسطينية ذريعة للإرهابيين لكسب التعاطف الزائف"، كما يعتقد الملك.
وعبّر عبد الله الثاني عن رؤيته لأوباما بـ"ضرورة عودة الفلسطينيين والإسرائيليين إلى طاولة المفاوضات"، في وقت تسعى القيادة الفلسطينية فيه لتدويل القضية من خلال التوجه إلى مجلس الأمن بمشروع قرار يضع حداً زمنياً لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي. وتتطابق رؤية الملك مع رؤية الإدارة الأميركية التي أقر رئيسها، خلال اللقاء، بأن "البيئة الحالية غير محفّزة لمبادرات السلام"، لتُرحّل جهود حل القضية الفلسطينية إلى مستقبل غير معلوم.