تبدو علاقة نكبة فلسطين عام 1948 بالأدب معقّدة ومركّبة، من دون أن ينفي ذلك أنها علاقة أثرت الرواية والشعر العربيّين بخزّان سردي وشعري لم ينضب بعدَ أكثر من سبعين عاماً على احتلال فلسطين، إذ إنَّ هناك التزاماً تاريخياً وكبيراً تجاه ذاكرتها، والقول بأنَّ الأدب بطبيعته يثني الحقيقة ويتلاعب بالواقع لا ينطبق تماماً على الأدب المكتوب عن النكبة، فما وقع خلالها وبعدها من أهوالٍ لا يحتاج إلى ألعاب فنية، بل إلى كتابة تأمّل وتوثيق ورصد وسرد وتأريخ ونقل حرارة التجربة الفلسطينية حيث النكبة واقع مستمر في فلسطين اليوم ولم تصبح من الماضي.
مؤخّراً، قام الناقد والأكاديمي الفلسطيني عاطف الشاعر (غزة، 1982) بإنجاز أنطولوجيا تضمّ كتابات لـ 48 كاتباً فلسطينياً تناولت النكبة كموضوع، وتشمل القصص القصيرة، والقصائد، ومقاطع من روايات ومذكّرات. صدرت المختارات نهاية العام الماضي عن دار "الساقي" بالإنكليزية، تحت عنوان "خريطة الغياب: أنطولوجيا كتابات فلسطينية عن النكبة"، وسيحاضر الشاعر برفقة الكاتبة الفلسطينية غادة الكرمي (القدس، 1939) حول العمل في "كلية سواس" التابعة لجامعة لندن، عند السادسة من مساء اليوم الإثنين.
يتضمّن الكتاب مقتطفات مترجَمة من أعمال مؤلّفِين مؤثّرين في الأدب الفلسطيني بعضها من ترجمة المؤلف؛ تبدأ بإبراهيم طوقان وتضم أسماء من بينها جبرا إبراهيم جبرا، وغسّان كنفاني، وإميل حبيبي، وعبد الكريم الكرمي، وإدوارد سعيد، وسميرة عزام، وعز الدين المناصرة، وتوفيق زيّاد، ومعين بسيسو، وراشد حسين، ومحمود درويش، وفدوى طوقان، وسميح القاسم، وطه محمد علي، وسلمى الخضراء الجيوسي، وغادة الكرمي.
ومن الجيل الذي يليهم نقرأ نصوصاً لأسماء، من بينها سحر خليفة، ويحيى يخلف، وزهير أبو شايب، وغسان زقطان، وليانا بدر، وإبراهيم نصر الله. ومن الأجيال الأحدث تحضر نصوص لأسماء مثل عدنية شبلي، ونجوان درويش، وتوفيق حداد، وأشرف فياض الشاعر السجين في السعودية.
كما تحضر أسماء فلسطينية تكتب باللغة الإنكليزية من أجيال مختلفة فنقرأ من شعر حنان عشراوي، ونعومي شهاب ناي، ونتالي حنظل، وليزا سهير مجج، وشريف الموسى، ونثر سلمى دبّاغ. كما يحضر في المختارات الروائيُّ اللبنانيَُ إلياس خوري. تشترك النصوص المختارة في كونها تُصوّر الجوانب المختلفة للحياة الفلسطينية قبل عام 1948 وبعده، وتتتبّع الأصداء المستمرّة للنكبة عبر الأدب إلى يومنا.
في مقدمة المختارات، يذكر عاطف الشاعر، الأستاذ في جامعة ويستمنستر البريطانية، أنَّ النصوص منهمكة في نفس الأسئلة التي لم تجر الإجابة عليها في ما يتعلّق بنزع ملكية الشعب الفلسطيني لأرضه وظروف احتلاله. وأن الكتّاب فيها عاشوا قصصهم الخاصة، ليس فقط كضحايا لظلم تاريخي كبير، ولكن أيضاً بوصفهم قوّة دافعة في تطوّر فلسطين كفكرة وكواقع حيّ.
ويرى المؤلف أنه يمكن تقسيم الأدب الفلسطيني في هذا السياق إلى ثلاث مراحل: الأولى هي التجربة المباشرة للنكبة، والثانية تشكيل الحركة الوطنية الفلسطينية والمقاومة المنظمة، مع الأخذ بعين الاعتبار وجود روائيّين وكتّاب ينتمون إلى المرحلتين مثل غسان كنفاني، أمّا المرحلة الثالثة فهي كتابات ما بعد أوسلو 1993.
وفي حين طرحت كتابات المرحلة الأولى مسألة القومية العربية كجزء لا يتجزّأ من القضية، واصل كتّاب المرحلة الثانية هذا التوجُّه دون أن يخلو الأمر من نقد للواقع والأنظمة العربية الدكتاتورية، أمّا المرحلة الثالثة فركز كتّابها بشكل أكبر على مسألة الهوية الوطنية. أمّا المشتركات بين هذه الكتابات جميعاً، بحسب الشاعر، فهي البحث في الذاكرة، والحلم بالعودة، والمقاومة.
يُذكر أن لعاطف الشاعر دراسات وكتباً باللغة الإنكليزية، منها: "الشعر والسياسة في العالم العربي المعاصر" (2016)، و"الحبُّ والشعر في الشرق الأوسط" (2019). كما نشر نصوصاً شعرية باللغة العربية، وترجم إلى الإنكليزية نصوصاً لعدة شعراء عرب.