لم يكن ممكناً أن تمرّ تلك الأيّام التي يتجمّع فيها الأطفال في بيت الجدّ والجدّة من دون "خرجيّة". يحملها الصغار ويهرعون إلى الدكّان المقابل للبيت، لتبدأ المبارزة بينهم. يشتري البعض بالمبلغ كاملاً، فيما يختار آخرون، يظنّون أنهم أكثر حكمة، ادّخار جزء منه. نتحدّث هنا عن مبلغ زهيد جداً. ومعظم الأطفال يفكّرون في عدد الأشياء التي يمكن شراؤها. اليوم يشتري أحدهم شوكولاته، وفي يوم آخر شوكولاته وبطاطس و"سحبة"، وهي ورقة مجلة أو جريدة ملفوفة بطريقة لا تسمح بالتكهّن بما في داخلها، فيها هدية بسيطة غالباً ما تكون لعبة صغيرة.
و"الخرجيّة" أو المال الذي اعتاد أن يعطيه الأهل للأطفال لشراء الحلويات أو السكاكر تتحوّل إلى تفصيل جميل يبقى في الذاكرة حين يكبر هؤلاء. وتذكّرها مع كل ما يُحيط بها يكون مصحوباً بابتسامات غالباً.
هذه "الخرجيّة" كاسم، لم تعد معتمدة اليوم، أو أنّها باتت تحمل اسماً أكثر نضجاً، وهو "المصروف"، حتى بالنسبة للصغار. إلا أنّ "المصروف" اليوم لم يعد ترفيهاً أو مكافأة، وبات شراء الحلويات أو السكاكر أكثر من عادي. هذه الأشياء صارت موجودة دائماً في البيت، وسيحصل عليها الطفل غالباً إذا ما طلبها.
الصغار يُطلقون عليها اسم الخرجيّة، والأكبر سنّاً يسمّونها مصروفاً. بعض الأهل يُعطون أولادهم مصروفاً أسبوعياً، على أن يشتروا الطعام في المدرسة، إضافة إلى ما قد يحتاجون إليه من أشياء أخرى. إلّا أن هذا ليس حال الجميع أو الغالبية بالضرورة. لا "خرجية" إذاً، بل مصروف.
اقــرأ أيضاً
"لا يُعجبه العجب"
لم تعتد ندى إعطاء ابنها البالغ من العمر عشر سنوات مصروفاً. من جهة أخرى، لم تكن لتجلب له كل ما يطلبه، وتوازن بين مدى حاجته إلى الشيء وقدرتها المادية، مع الحرص على ألّا يحصل على طلبه على الفور. تقول لـ "العربي الجديد" إن "الطفل يجب أن يُدرك أنه لن يكون في استطاعته الحصول على كل ما يريد، فهكذا هي الحياة"، مشيرة إلى أهمية تكريس هذه الفكرة لديه منذ الصغر. قبل فترة، لاحظت أن تصرّفات ابنها باتت عدائيّة، خصوصاً نحوها. كذلك، بات كثير الشكوى، و"لا يُعجبه العجب". استشارت المرشدة النفسية في المدرسة، فأخبرتها أنه في حاجة إلى اهتمام أكبر، إضافة إلى الثقة.
"لماذا لا تعطيه مصروفاً أسبوعياً أو شهرياً؟". وإن كانت الأم اعتادت الحصول على مصروف من والديها حين كانت صغيرة، فقد بدت وكأنها نسيت الأمر، رغم إدراكها لأهميّته. تشير إلى أن ابنها بات يدخر المال، ويحدّد أولوياته، سواء أراد شراء الطعام من دكان المدرسة، أو أشياء أُخرى. أيضاً، بات ابنها أكثر شعوراً بالمسؤولية "وهذا يساعده على إدراك أن المال لا يأتي بسهولة".
ابن لين أصغر سناً، وما زال في الخامسة من عمره، ولا يعرف بعد عدّ النقود. تقول الوالدة إنه كثيراً ما يطلب شراء الألعاب من دون أن تلبّي طلبه دائماً. صحيح أنّها تحرص على شراء ما يطلبه في المناسبات، إلّا أنها لاحظت أن غرفة نومه تكاد تتحوّل إلى متجر للألعاب "بدأت أعطيه المال ليضعه في صندوق صغير. ومنذ أيام، طلب شراء حوض للأسماك، فقلت له أن يبدأ في ادخار المال، وها هو يفعل. يجب أن يُدرك أننا نتعب لتأمين المال".
سكاكر
من خلال "الخرجية"، والتي يضاف إليها المال الذي يحصل عليه الأطفال في الأعياد، كان الصغار يشترون لأنفسهم ما يشتهونه من سكاكر أو ألعاب. يذكر نادر، وهو خمسيني، القضامة الملونة "كان شراؤها بمثابة العيد بالنسبة إلينا". ولا يذكر أنّه كان لديه يوماً هذا الكم من الثياب على غرار أولاده، ولا يتعلّق الأمر بالفقر بل بالأولويات "اختلف المجتمع والناس اليوم، ووجدوا أنفسهم يُقادون إلى مكان آخر".
اقــرأ أيضاً
من حين إلى آخر، يشتري القضامة الملوّنة. لا يعنيه طعمها الحلو، بقدر شعوره بهذه السعادة وهو يشتريها. كأنه ما زال يدخر المال من أجلها، ليتفاخر أمام الأولاد الآخرين. لم تغادر هذه المشاهد ذاكرته. صحيح أنّه كان يُعطي أطفاله مصروفاً إلى أن تخرّجوا من الجامعات، إلا أنه يُلاحظ سيطرة النمط الاستهلاكي على الأطفال، جيلاً بعد جيل. ويسأل: "ما هو المصروف اليوم الذي قد يكون كافياً لأي طفل؟".
ربّما تبتدع المصارف في وقت قريب برنامجاً تطلق عليه اسم "الخرجيّة"، لتشجيع الأطفال على ادخار المال، وشراء ما قد يحتاجون إليه. وربّما كان البرنامج موجوداً أصلاً. لم يعد أطفال اليوم يفرحون بتفاصيل صغيرة كما في السابق، فقد بات العالم أكبر منها.
و"الخرجيّة" أو المال الذي اعتاد أن يعطيه الأهل للأطفال لشراء الحلويات أو السكاكر تتحوّل إلى تفصيل جميل يبقى في الذاكرة حين يكبر هؤلاء. وتذكّرها مع كل ما يُحيط بها يكون مصحوباً بابتسامات غالباً.
هذه "الخرجيّة" كاسم، لم تعد معتمدة اليوم، أو أنّها باتت تحمل اسماً أكثر نضجاً، وهو "المصروف"، حتى بالنسبة للصغار. إلا أنّ "المصروف" اليوم لم يعد ترفيهاً أو مكافأة، وبات شراء الحلويات أو السكاكر أكثر من عادي. هذه الأشياء صارت موجودة دائماً في البيت، وسيحصل عليها الطفل غالباً إذا ما طلبها.
الصغار يُطلقون عليها اسم الخرجيّة، والأكبر سنّاً يسمّونها مصروفاً. بعض الأهل يُعطون أولادهم مصروفاً أسبوعياً، على أن يشتروا الطعام في المدرسة، إضافة إلى ما قد يحتاجون إليه من أشياء أخرى. إلّا أن هذا ليس حال الجميع أو الغالبية بالضرورة. لا "خرجية" إذاً، بل مصروف.
"لا يُعجبه العجب"
لم تعتد ندى إعطاء ابنها البالغ من العمر عشر سنوات مصروفاً. من جهة أخرى، لم تكن لتجلب له كل ما يطلبه، وتوازن بين مدى حاجته إلى الشيء وقدرتها المادية، مع الحرص على ألّا يحصل على طلبه على الفور. تقول لـ "العربي الجديد" إن "الطفل يجب أن يُدرك أنه لن يكون في استطاعته الحصول على كل ما يريد، فهكذا هي الحياة"، مشيرة إلى أهمية تكريس هذه الفكرة لديه منذ الصغر. قبل فترة، لاحظت أن تصرّفات ابنها باتت عدائيّة، خصوصاً نحوها. كذلك، بات كثير الشكوى، و"لا يُعجبه العجب". استشارت المرشدة النفسية في المدرسة، فأخبرتها أنه في حاجة إلى اهتمام أكبر، إضافة إلى الثقة.
"لماذا لا تعطيه مصروفاً أسبوعياً أو شهرياً؟". وإن كانت الأم اعتادت الحصول على مصروف من والديها حين كانت صغيرة، فقد بدت وكأنها نسيت الأمر، رغم إدراكها لأهميّته. تشير إلى أن ابنها بات يدخر المال، ويحدّد أولوياته، سواء أراد شراء الطعام من دكان المدرسة، أو أشياء أُخرى. أيضاً، بات ابنها أكثر شعوراً بالمسؤولية "وهذا يساعده على إدراك أن المال لا يأتي بسهولة".
ابن لين أصغر سناً، وما زال في الخامسة من عمره، ولا يعرف بعد عدّ النقود. تقول الوالدة إنه كثيراً ما يطلب شراء الألعاب من دون أن تلبّي طلبه دائماً. صحيح أنّها تحرص على شراء ما يطلبه في المناسبات، إلّا أنها لاحظت أن غرفة نومه تكاد تتحوّل إلى متجر للألعاب "بدأت أعطيه المال ليضعه في صندوق صغير. ومنذ أيام، طلب شراء حوض للأسماك، فقلت له أن يبدأ في ادخار المال، وها هو يفعل. يجب أن يُدرك أننا نتعب لتأمين المال".
سكاكر
من خلال "الخرجية"، والتي يضاف إليها المال الذي يحصل عليه الأطفال في الأعياد، كان الصغار يشترون لأنفسهم ما يشتهونه من سكاكر أو ألعاب. يذكر نادر، وهو خمسيني، القضامة الملونة "كان شراؤها بمثابة العيد بالنسبة إلينا". ولا يذكر أنّه كان لديه يوماً هذا الكم من الثياب على غرار أولاده، ولا يتعلّق الأمر بالفقر بل بالأولويات "اختلف المجتمع والناس اليوم، ووجدوا أنفسهم يُقادون إلى مكان آخر".
من حين إلى آخر، يشتري القضامة الملوّنة. لا يعنيه طعمها الحلو، بقدر شعوره بهذه السعادة وهو يشتريها. كأنه ما زال يدخر المال من أجلها، ليتفاخر أمام الأولاد الآخرين. لم تغادر هذه المشاهد ذاكرته. صحيح أنّه كان يُعطي أطفاله مصروفاً إلى أن تخرّجوا من الجامعات، إلا أنه يُلاحظ سيطرة النمط الاستهلاكي على الأطفال، جيلاً بعد جيل. ويسأل: "ما هو المصروف اليوم الذي قد يكون كافياً لأي طفل؟".
ربّما تبتدع المصارف في وقت قريب برنامجاً تطلق عليه اسم "الخرجيّة"، لتشجيع الأطفال على ادخار المال، وشراء ما قد يحتاجون إليه. وربّما كان البرنامج موجوداً أصلاً. لم يعد أطفال اليوم يفرحون بتفاصيل صغيرة كما في السابق، فقد بات العالم أكبر منها.