بإصداره قانوناً يسمح بحل البرلمان بعد انعقاده، وضع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، القوى السياسية والأحزاب المؤيدة لنظامه في مأزق حرج، وكبّلها باحتمال صدور حكم من المحكمة الدستورية العليا في أي لحظة بحل المجلس التشريعي الذي لم تعلن الدولة حتى الآن عن موعد انطلاق انتخاباته.
ورفض السيسي إصدار مشروع قانون كانت قد أعدته الحكومة، بمساعدة مجلس الدولة، يضمن تحصين البرلمان المقبل. رفض تم بإيعاز من رئيس المحكمة الدستورية عدلي منصور، الذي يريد الإبقاء على دور سياسي وقانوني أكبر تأثيراً للمحكمة خلال السنوات المقبلة، وأيضاً حتى يسهل التحكم في وتيرة العمل داخل البرلمان بما لا يعيق قرارات السيسي ومشروعاته، ولا يشكل خطراً على القرارات والمشروعات القائمة التي يلزم الدستور البرلمان المقبل بمراجعتها تشريعياً.
اقرأ أيضاً: السيسي يصدر قانوناً يسمح بحلّ البرلمان بعد انعقاده
وكما كان موقف النظام والمحكمة الدستورية من جماعة الإخوان قبيل حل مجلس الشعب المنتخب في العام 2011، عندما أخبر رئيس الوزراء كمال الجنزوري رئيس مجلس الشعب سعد الكتاتني بأن "حكم حل البرلمان في الدرج"، سيتعامل النظام الحالي مع الأحزاب بهذه الطريقة أيضاً. ولم تعد هناك أي وسيلة لمنع تكرار سيناريو الحل الذي استخدم 3 مرات خلال أقل من 25 عاماً في مصر على يد المحكمة الدستورية، المعروفة بعلاقتها القوية بالنظام الحالي والجيش والشرطة.
وعلى الرغم من أنّ الأحزاب كانت قد أبدت رفضها وانزعاجها من عودة سيناريو حل البرلمان مرة أخرى، كما كان الوضع قبل العام 2014، إلاّ أنها لم تبد حتى الآن أي اعتراضات بعد صدور القانون أمس الأول، ليستمر تعامل السيسي معها بطريقة الأمر الواقع، في مواجهة عجز الأحزاب عن التأثير. ويستغل النظام تفتتها وتناحرها على المكاسب الضئيلة وضعف شعبيتها وعزوف وسائل الإعلام عنها.
والمثير للانتباه، أن هذه الأحزاب لم تعترض على الرغم من أنه بات جلياً أن السيسي وحده هو من استفاد من نظام وضع المواعيد القصيرة للفصل في قضايا الانتخابات المعروضة على المحكمة الدستورية العليا، والذي ألغاه السيسي بقانونه الجديد. فهذا النظام الذي استحدثه عدلي منصور خلال فترة رئاسته المؤقتة للجمهورية كان يهدف للحفاظ على منصب رئيس الجمهورية من الطعون القضائية واحتمالات بطلان قانون انتخابات الرئاسة بعد انتخاب السيسي.
وفي مشهد ينحدر إلى هوة الانحراف التشريعي، أعاد السيسي الوضع إلى ما كان عليه بعد أن استفاد من هذا النظام وحصّن به منصبه، كما استخدمه لتأجيل الانتخابات التشريعية 8 شهور كاملة على الأقل. وصدر في ظل هذا النظام حكم بطلان قانون تقسيم الدوائر في أول مارس/ آذار الماضي، لتتأجل الانتخابات من 21 مارس/ آذار إلى موعد لم يتحدد بعد، ويرجح أن يكون في أكتوبر/ تشرين الأول أو نوفمبر تشرين/ الثاني.
وتظهر تطورات الأوضاع في مصر استمرار قلق السيسي من البرلمان المقبل الذي تتنازعه تيارات عدة لدى جميعها أهداف خاصة تبتعد وتتصادم مع مشروعات السيسي، الذي يفتقر إلى الظهير الشعبي الحقيقي، واستمرار تحالفات المال والقبلية في الأقاليم ولا سيما في الصعيد، وهي التي يستفيد منها كل من رئيس الوزراء الأسبق أحمد شفيق، ورجل الأعمال نجيب ساويرس، الطامحين للظفر بأغلبية مقاعد المجلس النيابي.
ولم يصدر السيسي حتى الآن تعديلات قانوني مجلس النواب ومباشرة الحقوق السياسية التي من شأنها إعطاء إشارة البدء للجنة العليا للانتخابات لفتح باب الترشح. وترجح مصادر حكومية أن يعمد إلى ذلك بعد حفل افتتاح التفريعة الجديدة لقناة السويس بأيام عدة.
اقرأ أيضاً مصر: احتدام سباق رجال الأعمال لشراء الفلول لضمان البرلمان