"حقوق الإنسان القطرية" تطالب السعودية بعدم استخدام الأماكن المقدسة وسيلة للضغط السياسي
طالبت "اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان"، اليوم السبت، السلطات السعودية بالرفع الفوري لكافة الإجراءات والقيود المتخذة من قبلها ضد المواطنين والمقيمين في دولة قطر، وعدم تسخير الأماكن المقدسة واستخدامها كملف للضغط السياسي.
جاء ذلك في تقرير أصدرته اللجنة، اليوم، حول انتهاكات الحق في ممارسة الشعائر الدينية، وتضمن شرحاً مفصلاً للعقبات الإجرائية بسبب عدم تعاون المؤسسات السعودية وما سببته الحملات الإعلامية السعودية من أضرار نفسية، كونها تعمل على تعبئة أفراد المجتمع السعودي على أشقائهم في دولة قطر، من خلال خطاب الكراهية والتحريض على العنف والعنصرية في مخالفة صريحه للقوانين الدولية ذات الصلة.
وقالت اللجنة، في تقريرها، إنه في إطار الكشف عن الانتهاكات بهدف رفع الغبن عن المتضررين جراء ممارسات السلطات السعودية في إعاقة المجتمع القطري من أداء فريضة الحج وشعيرة العمرة، ورصد الانتهاكات المتعلقة بهذا الشأن، فإنها قد أصدرت تقريرها هذا حول العراقيل التي واجهت المعتمرين القطريين في الحرم المكّي أثناء عمرة رمضان وإجراءات الحج لهذا العام.
شهادات للمتضررين
وتضمن التقرير كذلك شهادات للمتضررين الذين حرموا من أداء مناسك العمرة والحج جراء حصار قطر، فضلاً عن شهادات لأصحاب حملات الحج بالدولة وبيان للأضرار المادية التي طاولتهم، علاوة على تضمينه ما أوردته المواثيق والاتفاقيات الدولية في ما يتعلق بالحق في ممارسة الشعائر الدينية.
وأوصت "اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان" في تقريرها بضرورة تعويض الأفراد والشركات والمكاتب وجميع المؤسسات العاملة سنوياً في شأن الحج، والذين تضررت مصالحهم الاقتصادية بشكل كبير في كل من دولة قطر والسعودية، إضافة إلى التصدي لحملات التشويه والحض على العنف والكراهية والتمييز العنصري الصادرة من صحف ووسائل إعلام رسمية أو شبه رسمية سعودية، ومحاسبة المسؤولين عنها وفي الترويج لتحريض المجتمعات ضد بعضها.
توصيات
وتضمن التقرير العديد من التوصيات، منها ما يتعلق بالمجتمع الدولي، حيث شدد على أهمية التحرك العاجل لدعم حق الراغبين في الحج، والضغط المتواصل على السلطات السعودية للسماح لهم بالدخول وضمان أمنهم وسلامتهم، مع السعي الجاد لرفع الحصار بالكامل عن دولة قطر.
كما طالبت اللجنة الحقوقية بإصدار تقرير وبيان عاجل يوضح للرأي العام العالمي والإسلامي موقفهما في هذا الخصوص، مؤكدة أن التلاعب بالمشاعر الدينية وحظر أعداد كبيرة من المسلمين عن أداء فريضة الحج، من شأنه توليد المشاعر العدائية تجاه من قام بمنعهم.
وفي سياق ذي صلة، طالبت اللجنة، المقرر الخاص بحرية المعتقد أو الدين بضرورة التواصل مع الحكومة السعودية على وجه السرعة، وإعداد تقرير مفصل عن الخسائر المعنوية والمادية التي لحقت بالحجاج والشركات في قطر، وتقديمه إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة ليقوم بدوره باتخاذ الخطوات اللازمة في هذا الصدد.
كما دعت اللجنة البرلمانات في دول العالم الاسلامي إلى وضع مسألة تسييس الحج على جدول أجندتها لدراستها وتقييمها، واتخاذ موقف صريح من العراقيل الواردة في هذا التقرير والتي تستهدف منع حجاج دولة قطر من أداء فريضة الحج.
ولفتت إلى أنها ستخاطب بهذا التقرير (600) منظمة حقوقية ومؤسسات إعلامية وكافة برلمانات دول العالم، بما في ذلك مخاطبة الأمين العام للأمم المتحدة ونائبه لشؤون حقوق الإنسان والمفوض السامي لحقوق الإنسان، إلى جانب طلب عقد اجتماع مع المقرر الخاص المعني بحرية المعتقد أو الدين، وكذلك تسليم التقرير لبعض لجان الأمم المتحدة المختصة بمناهضة كافة أشكال التمييز العنصري وحقوق المرأة وحماية الأشخاص ذوي الإعاقة ومجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة عن طريق رفع الشكاوى في إطار الإجراء الخاص (1503)، بالإضافة إلى تسليم التقرير للمنظمات الإقليمية بما فيها الاتحاد الأوروبي والبرلمان الأوروبي والاتحاد الأفريقي واتحاد الدول الأميركية ومنظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية.
تسييس الحج
وقد تطرق تقرير اللجنة إلى اشكاليات القرارات المفاجئة التي أصدرتها الحكومة السعودية، أخيراً، وزعمت فيها أنها صدرت بناء على وساطة، وشددت اللجنة في هذا السياق على أن تلك القرارات السعودية المتأخرة، جاءت لتوقف سيل النقد المستمر للمملكة على تسييس فريضة الحج، والضرر الهائل الذي أصاب سمعتها إثر ذلك، مشيرة إلى أنها رصدت طلب السلطات السعودية، من كافة القطريين الذين دخلوا عبر منفذ سلوى البري، أن يوقعوا على ورقة يقرون فيها بأنهم جاؤوا لأداء فريضة الحج، والواقع أن قسماً كبيراً منهم قد استغل ذلك من أجل زيارة أهله وأقربائه ومساعدتهم مالياً وتفقد أحوالهم، كما أن هناك عدة أمور تعتبر إشكالية من وجهة نظر اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان.
ونبهت اللجنة في تقريرها إلى أنه لم يصدر حتى الآن كتاب رسمي من الحكومة السعودية يسجل ما ورد في قرارها الأخير، ويوضح الآليات ويضمن سلامة حجاج دولة قطر، مشيرة إلى أن السعودية لا تزال ترفض حتى الآن التنسيق مع وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بهذا الخصوص، ما يؤشر بصدور توجيهات من السلطات السعودية برفض التعاون والتنسيق مع الحملات القطرية، علماً أنه لا يوجد قسم قنصلي سعودي في الدوحة يقوم ويرعى أمور الحج، مع رفض سلطات المملكة فتح تمثيلية خاصة بهذا الشأن.
ولفت التقرير إلى أن الحكومة السعودية لا تزال تعتبر الحج مكرمة تعطيها من تشاء وتمنعها عمن تشاء، مبيناً أن المملكة لا تتعاطى مع الأمر بوصفه حقاً من حقوق الإنسان الأساسية. وشدد على متابعة اللجنة لكافة محاولات الالتفاف على قضية حجاج دولة قطر من قبل السلطات السعودية.
خلاصات
وخلص التقرير في استنتاجاته إلى أن الحكومة السعودية قد انتهكت عبر قراراتها، عدة قواعد وقوانين رئيسة في القانون الدولي لحقوق الإنسان، والتي باتت من أبسط وأساسيات ركائز حقوق الإنسان، وتتمتع لبساطتها واتساع نطاق تصديقها وتطبيقها بصفة العرف الدولي.
ونبه في هذا الصدد، إلى أن السعودية قد انتهكت على نحو صارخ عدة مواد في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ومواد أخرى في كل من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، إضافة إلى مواد في كل من الميثاق العربي لحقوق الإنسان وإعلان حقوق الإنسان لمجلس التعاون لدول الخليج العربية وغير ذلك من المواثيق والعهود الدولية ذات الصلة.
كما أن لدى السلطات القطرية، في الوقت نفسه خشية، حقيقية على أمن وسلامة مواطنيها، في ظل خطاب كراهية وتحريض غير مسبوق، ولما تتضمنه القرارات السعودية من صبغة تمييز عنصري تجاه المقيمين، إضافة لغياب أية تفاصيل توضيحية في هذا الشأن، وأنه بناء على كل ذلك، أصدرت لجنة مقاولي الحج والعمرة في دولة قطر بياناً اعتذرت فيه عن تسيير الحج لعام 2017، وسردت عدة مبررات لقرارها.
وتضمن التقرير تصريحاً لرئيس اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان، علي بن صميخ المري، قال فيه "نحن ندافع عن حق مواطني ومقيمي دولة قطر بالتوجه لمناطق ذات قدسية دينية بالنسبة لهم، هذا ليس تسيساً، إنه دفاع عن حق من حقوق الإنسان، وإن من يقوم بوضع عراقيل مكلفة مادياً وبشرياً ومعنوياً هو من يستغل ويسيس الأماكن المقدسة".
انتهاكات دول الحصار
واستعرض تقرير اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان، أبرز الانتهاكات التي خلفتها قرارات دول الحصار منذ الخامس من شهر يونيو/حزيران الماضي، ومنها إغلاق المعبر البري الوحيد لدولة قطر مع السعودية وهو ما سيؤثر كثيراً على أصحاب الدخل المحدود من المقيمين إن كان قد تم السماح لهم بالحج، وأيضاً إغلاق الأجواء البحرية والجوية في وجه الطيران والملاحة المدنية لقطر، وجميع أشكال الحركة التِّجارية والتَّنقل بما في ذلك الحالات الفردية منها.
ونبه التقرير إلى أن قرارات دول الحصار تزامنت مع بدايات شهر رمضان، الذي يشهد حركة كثيفة من المجتمع القطري باتجاه الأماكن المقدسة في السعودية لأداء شعيرة العمرة، لافتاً إلى أن تلك القرارات لم تستثنِ الراغبين في زيارة الأماكن المقدسة، بل تم طرد من تصادف وجوده هناك على نحو مهين، وهو ما يحمل صبغة عنصرية، علماً بأن هذه الإجراءات ذاتها لم تتغير مع قرب أداء الركن الخامس للإسلام (الحج) ما يؤكد تعمّد الحكومة السعودية انتهاك حقوق مواطني دولة قطر والمقيمين على أراضيها وكل المسلمين فيها ممن رغبوا في أداء فريضة الحج.
وتطرق التقرير أيضاً إلى تواصل اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان مع وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في قطر والتي أوضحت أن عدد من تقدموا لأداء فريضة حج هذا العام من القطريين والمقيمين بلغ أكثر من 21 ألف شخص، تم اعتماد نحو 2400 حاج منهم، بخلاف البعثات القطرية الرسمية وإداريي الحملات.
وقال إن اللجنة ومنذ بداية الحصار، لا تزال تستقبل في مقرها زيارات متتابعة من قبل الضحايا المتضررين من قرارات دول الحصار والخاصة بالحق في ممارسة الشعائر الدّينية، مبيناً أن لدى اللجنة عدداً كبيراً من استمارات الشكاوى المتعلقة بانتهاك حرية ممارسة الشعائر الدينية والتداعيات الاقتصادية والنفسية التي لحقتها.
ولفتت اللجنة في التقرير إلى أن خسائر حملات الحج القطرية هذا العام بلغت عشرات الملايين من الريالات القطرية بسبب الإجراءات والعراقيل التعسفية والتمييزية السعودية، موضحة أن ثمانٍ من هذه الحملات التي تواصلت معها، تجاوزت خسائرها 30 مليون ريال قطري (عملة محلية)، فضلاً عن خسائر المكاتب الأخرى المختصة بالمساعدة في تسهيل إجراءات الحج من استخراج التأشيرات والقيام بحجوزات الطيران والفنادق وغيرها.
وقالت إن الخسائر والأضرار طاولت المجتمع القطري كله، لأن قرارات دول الحصار جاءت مفاجئة، ومن دون مهلة زمنية، بغرض إيقاع أكبر ضرر ممكن، مبينة أنها سجلت عشرات حالات الإهانة والطرد من الأماكن المقدسة، وإلغاء لحجوزات الفنادق "وكل ذلك تم على أساس عنصري تمييزي ضد حامل الجنسية القطرية، أو الذي يحمل إقامة قطرية".
وأشارت اللجنة في تقريرها إلى أنه وزيادة في سوء النية والمشقة والعراقيل، لا تمكن قرارات السعودية، القطريين المقيمين والموجودين خارج قطر في دول العالم الأخرى، من التوجه مباشرة إلى جدة أو المدينة المنورة لأداء فريضة الحج، بل طلب منهم أن يكون الانطلاق من الدوحة، وقالت إن في هذا كلفة مادية ومعنوية، وعراقيل تستخدمها السعودية بهدف الضغط على خصومها السياسيين.
كما لفت التقرير إلى أنه في حال قرر المواطن أو المقيم في قطر، أن يتجاوز جميع العراقيل التي تضعها السلطات السعودية، وتحمل عبء التكلفة المادية والمعنوية الباهظة، فقد يصطدم بما لا تحمد عقباه من تعامل أو أفعال عنيفة، نظراً لكمية الحشد والتجييش والتحريض على العنف والكراهية والعنصرية المنتشرة في وسائل الإعلام السعودية، وفي صفحات التواصل الاجتماعي لأشخاص مقربين من الحكومة السعودية، وذلك فقط لمجرد أن ذلك الشخص يحمل جنسية قطرية أو مقيم في قطر.
التحريض على قطر
وقالت اللجنة إن لديها معطيات تشير إلى أن هناك شبكة من المحرضين على العنف، في دول الحصار كلها، تنسق أعمالها وخطابها، مضيفة القول "من أفظع ما وصلت إليه هذه الشبكة قيام بعض الإعلاميين المعروفين بقربهم من النظام المصري الحالي بالتهديد وعلى الهواء مباشرة بارتكاب أعمال إرهابية تفجيرية داخل دولة قطر، بهدف زعزعة الأمن ونشر الفوضى، وإرهاب المقيمين، ودفع المستثمرين للرحيل". وذكرت في هذا السياق أن عدم قيام السلطات المصرية بالتحقيق مع هؤلاء الإعلاميين، يشير إلى تورطها في ذلك.
وكشف تقرير اللجنة أنها سجلت استخدام دول الحصار للأطفال في خطاب التحريض ضمن مسلسلات خليجية موجهة للرأي العام الخليجي، بينما نشر بعض الإعلاميين أخباراً ومقالات وتغريدات، قالت إنها تحتفظ بنسخ منها، عن نية قطر القيام باستهداف السعودية، ما يجعل المواطن والمقيم في دولة قطر يشعر بالخوف والتهديد، وربما يتم اتهامه بالإرهاب أو التحضير لتفجيرات، وغير ذلك مما تم الترويج له بشكل منهجي، وهو ما يدفعه للإحجام عن الذهاب للحج.