زينب، التي دخلت الإسلام منذ 20 سنة، لا ترتدي النقاب، لكنها تخشى "أن يجري استهداف من دخلن الإسلام منا، أعرف أنه من بين 150 منقبة هناك حوالي 80 دنماركية في الأصل، ومع التشديد الحاصل بحقنا كدنماركيات أسلمن لا أستبعد المزيد من التضييق لتهيئة الرأي العام لتمرير مشاريع لحزب الشعب تستهدف حجابنا"، بحسب ما قالت لـ"العربي الجديد".
مخاوف هذه الدنماركية المتزوجة بمصري منذ أكثر من 28 سنة تنبع من مقترح قانون "منع ارتداء النقاب في الحيز العام".
وبعد سنوات من سعي حزب الشعب الدنماركي (قومي متشدد) في مجال "مكافحة النقاب والبرقع في الدنمارك"، تقدم حكومة الدنمارك مشروع قانون يجري التفاوض عليه قبل عرضه على التصويت البرلماني لتبنيه. وكان هذا الحزب يبشر لسنوات بضرورة المنع باعتبار "ارتداء هذا الغطاء فيه إهانة للمرأة".
وبعيدا عن حزب الشعب الدنماركي، الذي استطاع أن يفرض أجندته في عدد من القضايا المرتبطة باللاجئين والمهاجرين في البلد، بتشكيله قاعدة برلمانية لحكومة ائتلاف يمين الوسط، فإن الجدل بشأن منع النقاب والبرقع لم ينحصر في هذين النوعين من غطاء الرأس الذي تستخدمه مسلمات (مهاجرات ودنماركيات اعتنقن الإسلام).
إذ وبعد مفاوضات مستمرة منذ خريف العام الماضي على تشريع برلماني، أثار الكشف، أمس الخميس واليوم الجمعة، عن تفاصيله، موجة من الغضب والاختلاف على بنوده. لم تسمع أصوات نحو 3 نساء (واحدة منهن دنماركية) يرتدين البرقع، فيما تعالت الأصوات المنتقدة لمنع النقاب الذي ترتديه هؤلاء النسوة من بين آلاف المسلمات في الدنمارك.
ويرى معارضو مشروع المنع أنه "تجاوز المطلوب منه". هذا التجاوز، الذي عدّه برلمانيون ومواطنون عاديون "خرقا للحرية الشخصية"، لا يرتبط بالبرقع والنقاب بحد ذاتهما، بل بما يحتويه من منع لأشياء أخرى، لزوم تمريره.
وسيكون أيضا من الممنوع ارتداء لحى اصطناعية أو قبعات تغطي الوجه جزئيا، ويمنع أيضا "السير بخوذات على الرأس أو أوشحة أو لباس يغطي كامل الجسم ولحى اصطناعية (في كثير من الأحيان تستخدم كملابس زينة في ألعاب دور الفايكنغ أو محاربي العصور الوسطى) وأي نوع من القبعات التي تخفي شيئا من الوجه"، بحسب القانون المقترح.
غضب الشارع الدنماركي، الذي أيد بالمناسبة وفقا لاستطلاع رأي أجري في سبتمبر/أيلول الماضي بنسبة 62 في المائة "منع لباس البرقع والنقاب الذي ترتديه نساء مسلمات"، فيما أيد 23 في المائة حقهن في ذلك، يأتي بسبب تضمين المشروع لقائمة منع تتعلق بقضايا تخص "تصرفات شخصية، ومنها الخوذة والوشاح والقبعات المقنعة في البرد الشديد وفي مظاهرات لا يريد البعض الكشف عن هويته فيها".
فيما بعض البرلمانيين، مثل ناصر خضر، عن حزب المحافظين، المشارك في الحكومة والذي يحتل زعيم الحزب، سورن بابي بولسن، منصب وزارة العدل فيها، يعترف بأن "احتواء المشروع على أشياء أخرى لمنعها، كان ضرورة ولو بدا هزليا، لتمرير منع النقاب والبرقع". بالنسبة لخضر "لو أن المنع سرى فقط على النقاب والبرقع لكان فيه خرق دستوري، لكن تضمين لائحة المنع أشياء أخرى لا يعني خرقا". ويطمئن خضر، المؤيد بشدة للحظر في الفضاء العام، معارضي المشروع بالقول "منع القناع لن يسري على مرتديه في التظاهرات".
ويبدو أن الحكومة قد فكرت مليا، مع مؤيدي حظر النقاب، بهؤلاء المعارضين من مواطنيها فضمنت مشروعها، الذي وصلت لـ"العربي الجديد" نسخة منه، فقرة تقول "سوف تكون هناك استثناءات في حال أن الغطاء للوجه والرقبة كان بهدف مشروع، كالحماية من البرد".
وما يغضب مؤيدي حظر النقاب، أنه "تنازل لا داعي له وهو سيستهدف حتى لباس الزينة في مناسبات احتفالية كثيرة". قلق هؤلاء مرده أيضا لفقرة في المشروع تقول إن "الشرطة ستقوم بتنفيذ المنع من خلال تنظيم مخالفة بحق مخترقي الحظر بغرامة مالية بألف كرونة (نحو 140 دولارا)، وإذا تكرر التوقيف يمكن أن يؤدي بالمخالف/ة إلى السجن 3 أشهر".
وترى زينب، التي تدرس الدين الإسلامي للدنماركيات، أن "المنع لو كان يفرض فقط دفع غرامة مالية فلن يتردد كثيرون من المقتدرين، كما حصل في فرنسا، بدفعها ومحاربة القانون، لكننا نعرف أنه سيزج بمن يكررها في السجن، وهذا أمر يبدو غريبا وغير دستوري".
مسلمات منقبات عبرن لـ"العربي الجديد" عن الخشية مما سمته "آمنة" "مطاردة تشبه مطاردة الساحرات في القرون الوسطى، وتستهدفنا على فكرة الإسلاموفوبيا التي نشروها بين المواطنين وبأحكام مسبقة عنا، سواء من دخلن في الإسلام، أو اللاتي أتين مهاجرات ولاجئات".
استثناءات...
دفع التفكير بالمعارضين المشرعين إلى تفسير "الفضاء العام" استثني منه "في حال أن الشخص يجلس في السيارة فذلك ليس سوى ملكية خاصة ". وتترك الأمور عموما للشرطة لتقيم هدف تغطية الوجه/ كليا أو جزئيا/ وما يجب أن يجري.
وسيكون لمطبقي الحظر "الحق في طلب الكشف عن الوجه، وإلا يمكن أن يؤخذ الشخص في حال الرفض إلى أقسام الشرطة، حتى لو تعلق الأمر بلحية اصطناعية".
وتعرض بعض البرلمانيين من اليسار المعارض للحظر لحملة شعبية وإعلامية حين سألوا بتهكم "وهل سيسري الحظر على بابا نويل في أيام أعياد الميلاد؟". وردّت الحكومة بأن "بابا نويل سيكون مستثنى من ذلك في أعياد الميلاد"، هذا الاستثناء جاء إرضاء لموقف "الاجتماعي الديمقراطي" الذي حذر من "شمول هذه الشخصية بالمنع"، بحسب ما ذهبت مقررة الشؤون العدلية فيه ترينا برامسن.
في المقابل، لم تؤخذ معارضة بعض الأئمة في الدنمارك لسياسة الحظر بشكل جدي. ففي معرض تعقيبه على هذا القانون، يقول إمام مسجد في آرهوس، أسامة السعدي، في رده على سؤال للتلفزيون الدنماركي، إن "هذا المنع يتعارض مع الديمقراطية وينتهك حرية الدين التي كفلها الدستور، لكن ورغم ذلك فإذا سألتنا سيدة عما إذا كان يجب أن تستمر بارتداء النقاب والبرقع بعد المنع فسيكون جوابنا لها أن تلتزم بالقانون الدنماركي".
وبتبني أغلبية برلمانية لحظر النقاب، تنضم الدنمارك إلى مجموعة من دول أوروبية أخرى مثل إيطاليا وفرنسا وبلجيكا والنمسا وبعض مناطق سويسرا.
وسأل التلفزيون الدنماركي المشرع ناصر خضر عما إذا كان السائحون اليابانيون الذين يرتدون أقنعة طبية سيسري عليهم الحظر، فكان ردّه "ستكون هناك أمثلة كثيرة، لكن سيتعين عندها أن تقدر الشرطة وفق كل حالة، ليس المطلوب أن تقف الشرطة للقيام بحملة على الطرقات وجسور المشاة، كما يجري مثلا مع الدراجين للكشف عما إذا كانوا ملتزمين بقوانين السير الخاصة، أبدا لا يجب استهداف السائحين"، وذكرت فقرة فرعية لصحافيي التلفزيون الدنماركي أنّ "خضر يطلب من الشرطة استهداف مرتدي البرقع والنقاب".
ويثير ناصر خضر بمواقفه الكثير من الجدل في المجتمع الدنماركي، خصوصاً بين المسلمين وأحزاب اليسار، وهو سياسي يعيش بحماية أمنية لصيقة لأنّ حياته مهدّدة.