"حزب الله" يقرأ التطورات الأمنية اللبنانية: مواجهتنا مع السعودية

24 يونيو 2014
عادت التفجيرات الانتحارية إلى الضاحية (حسين بيضون)
+ الخط -
أُقفلت أبواب الضاحية الجنوبية لبيروت من جديد بوجه الاستقرار. حملت الأيام الأخيرة معها تفجيراً والكثير من التوتر والقلق، مصحوباً بإجراءات أمنية استثنائية تلمّسها الأهالي والإعلام. عاد "حزب الله" وفتح أعينه بشكل كامل على كل شاردة وواردة تمرّ في المنطقة أو في محطيها، واستعادت القوى الأمنية، المنتشرة عند كل مداخل الضاحية، حذرها وجهوزيتها لأي حدث قد يطرأ. رجعت عقارب الساعة أشهراً إلى الوراء، إلى أيام الاستهداف الأسبوعي للمنطقة، بين انتحاريّ أو سيارة مفخّخة أو صواريخ لقيطة تطلق عشوائياً على شوارع الضاحية.
بدأت حال التوتر بالظهور على الضاحية يوم الأحد في 15 يونيو/حزيران. سارع حزب الله إلى تطويق ثلاث مستشفيات رئيسية في المنطقة، وأقفل العديد من الطرقات المؤدية إليها، بين طريق المطار وشوارع داخلية في حارة حريك. تمّت هذه الإجراءات بناءً على معلومات وصلت إلى الحزب والأجهزة الرسمية بوجود مخطط إرهابي لاستهداف "أحد المشافي في الضاحية، على شكل الهجوم الذي وقع على مستشفى وزارة الدفاع اليمنية عام 2013". يؤكد أحد المطلعين على أجواء الحزب لـ"العربي الجديد" أنّ التهديد كان جديّاً "ولا يزال حاضراً، باعتبار أنّ التقارير الأمنية كانت تشير إلى عودة بعض الخلايا الإرهابية إلى نشاطها". استمرّت هذه الإجراءات لأربعة أيام ولا تزال، بينما حصلت عملية دهم الفندقين في شارع الحمراء يوم الجمعة، وتلاه تفجير ضهر البيدر بعد ساعات، وصولاً إلى التفجير الأخير مساء الإثنين في منطقة الشياح، المدخل الجنوبي لبيروت والمدخل الشمالي للضاحية.

جاءت هذه المعلومات لتضرب "الانتصارات" التي شعرت بها قيادة الحزب جرّاء ما حقّقته في القلمون "وحتى في كسب"، بحسب ما يقول أحد مسؤولي الحزب. جنود "حزب الله" كانوا في شمال غرب سورية، واستعادوا تلال ومناطق كاملة في تلك المنطقة من يد المعارضة السورية. إلا أنّ التهديد والتفجير أعاد أولوية القيادة إلى مناطقها وناسها، في حفظ أمنهم وضمان سلامته. وسّع الحزب نشاطه الأمني ونفذت عناصره انتشارات في أماكن عدة من البقاع (شرقي لبنان)، وكانت لافتة إقامة هذه العناصر لحواجز في الطريق الممتدة بين عرسال (عند الحدود مع سورية ومحسوبة على المعارضة السورية) واللبوة (المحسوبة على الحزب). فعمد الحزب إلى "توقيف كل السيارات الآتية من عرسال، التي تقودها نساء أو بداخلها نساء"، بحسب ما يقول أحد المتابعين للأوضاع الميدانية في البقاع. كل هذه الإجراءات لم تقد إلى توقيف الإرهابي الأخير الذي فجّر سيارته في منطقة الشياح، أو حتى إلى فكّ شباك القلق الذي عادت الضاحية إلى أجوائه.
كل هذا يحصل في ميدان "حزب الله" الشعبي، وسط حالة إنكار يستمرّ بها عدد من الناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي أو على منابر الإعلام. لا يرى هؤلاء حجم التهديد المكرّس في المنطقة ومحيطها، فيتابعون حياتهم اليومية في تعبئة أنفسهم ومن حولهم بـ"أبهى" الشعارات المذهبية والعسكرية والأمنية. هم بعيدون عن الواقع وما وصلت إليه الأمور، يبحثون عن هواء تلفزيوني أو تصفيق العشرات، بينما الضاحية تسير من جديد إلى كرة من اللهب. قبل أيام من التفجير، كان مسؤولو "حزب الله" يؤكدون في مجالسهم على "أنّ الهدوء المسيطر مستمرّ طالما أنّ ما يحصل في العراق محصور في العراق". وإذ بالنيران العراقية تصل إلى بيروت، من باب التفجيرات، فلا يتردّد أحد مسؤولي الحزب في اتهام "السعودية بإشعال المنطقة وفتح مختلف الجبهات الإقليمية على بعضها البعض". تقول قراءة "حزب الله" ومعلوماته في هذا الإطار، إنّ "السعوديين خسروا معظم معاقلهم في المنطقة، وهم يبحثون عن أوراق يلعبونها للضغط في محاولة استعادة بعض الدور". برأي الحزب، فإن التراجع السعودي مستمر على وقع "نقاط إيجابية يحققها التفاهم بين إيران والغرب على الملف النووي وبعض القضايا المحيطة به". تشعر قيادة الحزب بثقل الوضع العراقي وحجم المأزق السوري، إلا أنّ كل ذلك يتبدّد "بفعل تحوّل أوليات الغرب التي باتت تتعلّق بالإرهاب ومكافحته".
في العراق أو سورية أو حتى في لبنان وفي مختلف دول المنطقة، يبدو مسؤولو الحزب متفائلين ومرتاحين، ولو أنّ من شأن معركة مماثلة أن تضعهم في خندق واحد مع "الشيطان الأكبر"، أو أميركا.

باتت المعركة مع الإرهاب، بحسب أحد مسؤولي الحزب، "معركة مع السعودية". استنتجت قيادة الحزب ومَن خلفها هذه الخلاصة في الأسابيع الماضية، نتيجة ما تقول إنها معلومات وصلت إليها من بغداد وطهران، أو حتى من بيروت وسفاراتها الغربية. فهم محور "الممانعة" من أوساط غربية أنّ "مسؤولين أميركيين أبلغوا نظراء سعوديين لهم بأنّ الإدارة الأميركية ماضية بشكل إيجابي في نقاشات الملف النووي الإيراني، وأنها ستخوض إلى جانبه حرباً على الإرهاب". بكلام آخر، فإنّ التقاطع ينمو ويكبر مع "الشيطان الأكبر"، على حساب السعوديين. هذا ما فهمته قيادة الحزب، وتبني على أساسه تفاؤلها بالمرحلة المقبلة.
هكذا يصبح سهلاً على مسؤولي "حزب الله" اتهام السعوديين بتحريك التفجيرات والخلايا الإرهابية من جديد باتجاه الضاحية الجنوبية ومناطق نفوذ الحزب. هي "حرب مفتوحة مع الإرهاب ومحرّكيها"، بحسب ما يقول لـ"العربي الجديد" أحد المطلعين على شؤون الحزب. يضيف أنّ إعلام الفريق الآخر "ينتظر أنباء عن سقوط شهداء لحزب الله في العراق، عليهم الانتظار كثيراً، أكثر مما يتوقّعون، لكون الحزب لن يشارك في الميدان العراقي". لا حاجة لخبرة الآلة العسكرية الخاصة بحارة حريك في بغداد وسائر المناطق العراقية، لكون العديد العراقي هائلاً وكذلك الدعم التقني والقيادي الإيراني. إلا أنّ معركة العراق فتحت على الحزب أبواباً جديدة في سورية، باعتبار أنّ الفصائل العراقية المشاركة في حماية النظام السوري، وضبط بعض مناطقه، عادت إلى قواعدها وبات على "حزب الله" ملء فراغاتها الأمنية والعسكرية في جنوب دمشق وغيرها.
قبل أشهر، وعدت قيادة الحزب جمهورها بـ"الانتصار على الإرهاب". وقبل أسابيع، أعلنت احتلال القلمون وتفكيك مصنع العبوات في يبرود. إلا أنّ التفجيرات عادت، وكذلك عاد القلق والحذر والخوف، فهل تَعِد القيادة جمهورها بالأمن والسلام، بعد تحرير العراق من شعبه أيضاً؟