"حرية، مساواة، إخاء": فرنسا بمعايير إسرائيلية

20 سبتمبر 2015
والدة الأسير صلاح الحموري (تصوير: أحمد غرابلي)
+ الخط -

"حرية، مساواة، إخاء"- هذا هو الشعار (اللوغو) الذي تمخضت عنه الثورة الفرنسية ونقشته الجمهوريات المتلاحقة على نصبها التذكارية ومداخل كل مؤسساتها الحكومية.

هذا الشعار يفترض أن جميع المواطنين الفرنسيين يولدون أحراراً ومتساوين في الحقوق والواجبات ويحثهم على معاملة بعضهم البعض بروح أخوية. لكن لم يسبق أن نجح أي مجتمع في ردم الهوة الإفلاطونية بين واقعه ومُثُله، والمجتمع الفرنسي بالتأكيد ليس استثناءً.

نتبين ذلك بوضوح حين نعاين التمييز الفاضح الذي ظهر في تعامل الدولة الفرنسية مع قضيتي الجندي الإسرائيلي فرنسي الجنسية جلعاد شاليط والأسير الفرنسي الفلسطيني صلاح الحموري.

لا داعي هنا لا للتحليل ولا للمحاججة، الوقائع وحدها تكفي. فالحموري مدني وتلميذ في علم الاجتماع اعتقلته السلطات الإسرائيلية بتهمة "النية" باغتيال الحاخام عوفاديا يوسف، زعيم حزب شاس الديني المتطرف. وشاليط جندي في جيش احتلال لديه سجل حافل بجرائم الحرب أسرته فصائل حماس وهو يقوم بمهامه في الإشراف على حصار غزة الذي يضرب عرض الحائط بكل الشرائع الدولية.

مثل الحموري المدني أمام محكمة عسكرية لم تقدم دليلاً على نيته المزعومة غير اعترافه تحت الضغط والتهديد بواقعة أنه مرّ مع رفيق له بقرب بيت "المحروس". وأساساً ما السبيل لإثبات نية المرء إلا بقراءة أفكاره؟! (بسبب هذا العائق المبدئي، تحاسب قوانين الدول الديمقراطية الناس على أفعالهم وليس على نواياهم).

الواقع أنه، وبعد ثلاث سنوات من الاعتقال التعسفي دون دليل أو محاكمة، اضطر الحموري إلى سماع نصيحة محاميته والاعتراف بالواقعة المزعومة أمام المحكمة العسكرية كي ينال حكماً "مخففاً" بسبعة أعوام بدلاً من أربعة عشر عاماً.

إثر أسر شاليط، صرح رئيس الجمهورية الفرنسية نيكولا ساركوزي "جلعاد شاليط خُطف. شاليط هو فرنسي إسرائيلي. فعل خطفه موجه ضد فرنسا"، وأقامت الحكومة الفرنسية الدنيا وأقعدتها ولم توفر جهداً ديبلوماسياً أو سياسياً في سبيل "تحريره".

أما في حالة الحموري، فرئيس الجمهورية تذرّع بأنه يرفض التدخل في "مسار مسألة قانونية" معبراً عن ثقته بالعدالة الإسرائيلية، ونسي تصريحاته النارية والضغوط العلنية التي مارسها على الحكومة المكسيكية في غضون محاكمة الفرنسية فلورانس كاسيز في المكسيك، مع أن هذه الأخيرة مثلت أمام محكمة مدنية.

استقبل ساركوزي عائلة شاليط الذي كُرّم كمواطن شرف لمدينة باريس، في حين رفض استقبال عائلة الحموري. وحين طلبت أم الحموري مساعدة سكرتيرة الدولة الفرنسية لحقوق الإنسان راما ياد، قامت هذه الأخيرة بتقريعها على عدم إظهار ابنها لأية "علامات ندم".

في النهاية، وبعد سبع سنوات خلف القضبان، تم الإفراج عن الحموري في إطار صفقة تبادل الأسرى التي أبرمتها الحكومة الاسرائيلية مع حركة حماس. إن كان ثمة شخصيات ومنظمات فرنسية غير حكومية تبنت قضية الحموري، فقد اقتصر الدعم الذي تلقاه على الصعيد الرسمي على رسالة متأخرة بعث بها الرئيس الفرنسي إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ودعاه فيها إلى "بادرة رأفة" بشأن الحموري متذرعاً "بسلوكه الحسن في السجن وحظوظ إعادة اندماجه"، وهي دعوة عاد وكررها وزير خارجيته برنار كوشنير.

في فرنسا، يتساوى الحموري، من حيث المبدأ، مع شاليط في المواطنية. القانون الفرنسي يلزم الدولة بمعاملة مواطنيها على قدم المساواة، وهو مبدأ أقل ما يقال هنا هو أنه لم يتم احترامه.

في حالة الحموري وشاليط، رضخت الدولة الفرنسية للمعايير الاسرائيلية في معاملة مواطنيها، ما يبين لنا أن استمرار سياسة النكران والتعامي عن حقيقة الأبارتهايد الإسرائيلي صار يشكل أيضاً خطراً داخلياً على الديمقراطيات الغربية.


(كاتب لبناني)

المساهمون