ما الذي يمكن أن يضيفه فن إلى آخر، خصوصاً حين لا يتجسّدان إلا عبر صيغ متناقضة. فن الخط والموسيقى هما الشكلان اللذين اختارهما الفنان التونسي سامي الغربي في معرضه "حروفيات موسيقية" الذي يفتتح مساء اليوم في فضاء "كافي جاز" في مدينة بنزرت التونسية.
إذا كانت الموسيقى هي أكثر الفنون تجريداً باعتبارها لا تتخذ شكلاً عينياً، فإن الفنون التشكيلية تقع على النقيض منها، فهي فنون تجسيد بالأساس. ولعل فن الخط مثّل إلى وقت قريب أحد أكثر الفنون مباشراتية لقدرته على التبليغ اللفظي قبل أن تلقمه العقود الأخيرة بمعطيات الحداثة، وتنأى به عن الدور الزخرفي أو تجسيم الجملة العربية، القرآنية في أحيان كثيرة.
رغم كل هذا التباعد بين الموسيقى والحروفيات، فإن المعرض الذي يستمر حتى 25 من الشهر الجاري، يسعى إلى إيجاد نقطة التقاء بين هذه الفنون. يمكن اعتبار هذا المعرض امتداداً لاشتغالات الغربي على هذا التلامس بين الفن التشكيلي والموسيقى، حيث قدّم في السنوات الأخيرة أعمال كاليغرافية عديدة على محامل موسيقية كانت أبرزها آلة البندير (آلة إيقاعية تقليدية تونسية).
يحاول الغربي في معرضه الجديد الانتقال من الاشتغال على أدوات الموسيقى كمحمل إلى استلهام الأجواء الموسيقية داخل العمل. وإذا كانت النبرة الشرقية بارزة في معظم أعماله السابقة، حيث يركّز بالأساس على الخصائص البصرية المتوارثة في مدينة القيروان، فإنه في هذا المعرض يميل بعض الشيء إلى استلهام أجواء موسيقية وافدة، باتت تؤثر في الذائقة العربية، مثل الجاز والبلوز وغيرها.