يختار الإسبانيّ بدرو ألمودوفار (1949) 3 قصص من مجموعة "هاربات" (2004)، للكندية (التي تكتب بالإنكليزية) أليس مونرو (1931)، فيُنجز فيلماً جديداً له، بعنوان "جولييتا" (إسبانيا، 2016)، وهو المُرادف الإسباني لاسم الشخصية الأساسية، في القصص المختارة: "صدفة"، "قريباً" و"صمت" (الترجمة الفرنسية للمجموعة صادرة عام 2008). 3 قصص تلتقي في فيلمٍ سينمائيّ، يعيد رسم ملامح علاقة مبتورة بين أمٍّ وابنتها، في سياق بصري يستعيد ذاكرة ومرويات لن تعرفها الابنة، فتُقرِّر الأم كتابتها، في رسالة طويلة.
الصدفة، وحدها، دافعٌ إلى غرق جولييتا (إيما سُوَاريز) في انغلاقٍ راهنٍ على الذات، كي تفتح خزائن الماضي، وتروي حكايتها، بحثاً عن فجواتٍ قديمة، أو عن ثقوبٍ منفلشةٍ في الروح والذاكرة والتفاصيل، أو عن أحداثٍ ووقائع ومشاعر حيّة، تريد الأم نقلها إلى ابنتها أنتيا، التي لن تظهر، بقدر ما تحتلّ المكانة الكبرى في السرد. الصدفة، وحدها، تأخذ جولييتا إلى داخلها، كي تُنقِّب عن/ في ماضٍ يبدو أنه حاضرٌ بقوّة، حالياً، وعن/ في ذكرياتٍ باقية، وعن/ في مفاصل تصنع سيرة امرأة، تفقد ابنتها في لحظة غير متوقّعة (تغادر الابنة فجأة، وتبقى غائبة كلّياً عن والديها، اللذين لن يعرفا شيئاً عنها أبداً)، وتنفصل عن زوجها كْزُوان (دانيال غراوْ)، وتُشكِّل حياةً جديدةً لها مع حبيبها لورانزو (داريو غرانديناتّي)، الذي تستعدّ لمغادرة مدريد معه، بهدف الإقامة في البرتغال، قبل وقتٍ قليلٍ على لقاء الصُدفة، الذي يحشرها في منزلها/ عزلتها، ويُحرّضها على مواجهة مخاوفها، وأشباح ماضيها، وأسئلته المعلّقة.
والصدفة تتمثّل بلقاء مفاجئ بين جولييتا وبياتريز (ميشيل جينّير)، صديقة أنتيا، تنتج عنه معرفة الأم بخبرٍ عن ابنتها: إنها بخير، وهي مُقيمة في سويسرا مع 3 أولادٍ. هذا كافٍ لتشكيل صدمة، تبدو كأنها متساوية وصدمة الاختفاء المفاجئ، قبل 12 عاماً. كأن جولييتا محتاجةٌ إلى صدمة قاسية كي تعود إلى ذاتها، وتبحث في متاهات ذاتها وأروقة روحها ودهاليز ذاكرتها، لعلّها ـ بهذا كلّه ـ تغتسل من كل المُعلَّق والملتبس في حياتها، أو ربما كي تفهم وتنتبه وتلتقط ما فاتها ويفوتها، أو ربما كي لا تصل إلى أي نتيجة أو حلّ أو فهمٍ. فالأمور الملتبسة كثيرة، والأسئلة المعلّقة عديدة، والتداخل السينمائيّ بين أزمنة وحالات لن يُسهِّل تواصلاً بين متابعٍ/ مُشاهد والمفترقات والمفارقات المختلفة، التي تعيد صُنع عالمٍ منهار ومفكَّك ومُثقل بالغموض والألم والخيبات والمَوَاجع، لكنه يبدأ من لحظة لقاء الصدفة (أيضاً) بين جولييتا ووالد أنتيا، أثناء رحلة تجمع أحدهما بالآخر، على متن قطار.
وهذه الانكسارات تأتي بعد مرحلة حب وانسجام وهدوء، والخيبات تنبثق من تشابكِ حياة وموت وتصادم ومنعطفات قاسية. وهذا كلّه يفضي إلى حالة مغايرة للصورة الظاهرة، إذْ يبدو المبطّن أعقد وأخطر من أن يُختزل بوصفٍ أو تعبير.
اقــرأ أيضاً
الصدفة، وحدها، دافعٌ إلى غرق جولييتا (إيما سُوَاريز) في انغلاقٍ راهنٍ على الذات، كي تفتح خزائن الماضي، وتروي حكايتها، بحثاً عن فجواتٍ قديمة، أو عن ثقوبٍ منفلشةٍ في الروح والذاكرة والتفاصيل، أو عن أحداثٍ ووقائع ومشاعر حيّة، تريد الأم نقلها إلى ابنتها أنتيا، التي لن تظهر، بقدر ما تحتلّ المكانة الكبرى في السرد. الصدفة، وحدها، تأخذ جولييتا إلى داخلها، كي تُنقِّب عن/ في ماضٍ يبدو أنه حاضرٌ بقوّة، حالياً، وعن/ في ذكرياتٍ باقية، وعن/ في مفاصل تصنع سيرة امرأة، تفقد ابنتها في لحظة غير متوقّعة (تغادر الابنة فجأة، وتبقى غائبة كلّياً عن والديها، اللذين لن يعرفا شيئاً عنها أبداً)، وتنفصل عن زوجها كْزُوان (دانيال غراوْ)، وتُشكِّل حياةً جديدةً لها مع حبيبها لورانزو (داريو غرانديناتّي)، الذي تستعدّ لمغادرة مدريد معه، بهدف الإقامة في البرتغال، قبل وقتٍ قليلٍ على لقاء الصُدفة، الذي يحشرها في منزلها/ عزلتها، ويُحرّضها على مواجهة مخاوفها، وأشباح ماضيها، وأسئلته المعلّقة.
والصدفة تتمثّل بلقاء مفاجئ بين جولييتا وبياتريز (ميشيل جينّير)، صديقة أنتيا، تنتج عنه معرفة الأم بخبرٍ عن ابنتها: إنها بخير، وهي مُقيمة في سويسرا مع 3 أولادٍ. هذا كافٍ لتشكيل صدمة، تبدو كأنها متساوية وصدمة الاختفاء المفاجئ، قبل 12 عاماً. كأن جولييتا محتاجةٌ إلى صدمة قاسية كي تعود إلى ذاتها، وتبحث في متاهات ذاتها وأروقة روحها ودهاليز ذاكرتها، لعلّها ـ بهذا كلّه ـ تغتسل من كل المُعلَّق والملتبس في حياتها، أو ربما كي تفهم وتنتبه وتلتقط ما فاتها ويفوتها، أو ربما كي لا تصل إلى أي نتيجة أو حلّ أو فهمٍ. فالأمور الملتبسة كثيرة، والأسئلة المعلّقة عديدة، والتداخل السينمائيّ بين أزمنة وحالات لن يُسهِّل تواصلاً بين متابعٍ/ مُشاهد والمفترقات والمفارقات المختلفة، التي تعيد صُنع عالمٍ منهار ومفكَّك ومُثقل بالغموض والألم والخيبات والمَوَاجع، لكنه يبدأ من لحظة لقاء الصدفة (أيضاً) بين جولييتا ووالد أنتيا، أثناء رحلة تجمع أحدهما بالآخر، على متن قطار.
وهذه الانكسارات تأتي بعد مرحلة حب وانسجام وهدوء، والخيبات تنبثق من تشابكِ حياة وموت وتصادم ومنعطفات قاسية. وهذا كلّه يفضي إلى حالة مغايرة للصورة الظاهرة، إذْ يبدو المبطّن أعقد وأخطر من أن يُختزل بوصفٍ أو تعبير.